كل منا يمر أمام رفوف المكتبات، يُقلّب الكتب بين يديه، وقد يختار ما يجذبه منها ليأخذه إلى البيت، أليس كذلك؟
تخيل معي للحظة أنك وجدت كتابًا غريبًا يحمل اسمك على غلافه، وليس مكتوبًا عنه أنه سيرة ذاتية أو مذكرات، بل هو رواية تُسرد الآن وأنت لا تزال حيًا، السؤال الذي قد يُربكك قليلًا: هل ستأخذ هذا الكتاب معك إلى البيت؟ ولو فعلت، هل ستملك الصبر لتقرأه حتى الصفحة الأخيرة، أم أنك سترميه جانبًا بعد دقائق من الملل؟
الفكرة ليست مجرد ترف ذهني أو سؤال نطرحه في نوبة تأمل عابرة، بل هو امتحان دقيق وصريح لما نقوم به في حياتنا كل يوم، فعندما نشتري رواية، نتوقع منها أحداثًا مثيرة أو شخصياتٍ جذابة، أو ربما حبكة ذكية تأخذنا من صفحةٍ إلى أخرى دون ملل، لكننا حين يتعلق الأمر بحياتنا نحن، فكثيرا ما نعيش أيامنا وكأنها فيلم مكرر، أو كتاب نعرف نهايته مسبقًا، ثم نستغرب لماذا لا نشعر بحماسة لإكمال القراءة!
دعني أفاجئك بشيءٍ بسيط ومهم للغاية، في هذا الكتاب بالتحديد، أنت الكاتب وأنت المحرّر، نعم أنت، رغم ما قد تتخيله من كل المتغيرات التي تفرض نفسها عليك، لكن المشكلة التي نقع فيها جميعًا هي أننا نترك قصتنا تكتب نفسها كيفما اتفق، أو ربما نترك الآخرين يملون علينا أحداثها دون أن ننتبه، ثم حين نقرأها، لا نجد فيها ما يدهشنا أو يدفعنا للاستمرار!
الحياة ليست رواية رتيبة تُقرأ لتُنسى، بل هي كتابٌ مفتوح، يمكننا تغيير حبكته إذا لم تعجبنا، وإضافة شخصيات جديدة إن وجدنا أن الشخصيات القديمة لم تعد ملائمة أو مثيرة للاهتمام، لكننا كثيرا لا نفعل ذلك، ربما لأننا ننسى دومًا أننا أصحاب القلم، وأن بيدنا سلطة الحذف والإضافة والتعديل!
فصول حياتنا تحتاج مثل الكتب تمامًا، إلى تنويع ذكي، فصل يحمل تأملات عميقة، وآخر مليء بالمغامرات التي تحبس الأنفاس، وفصل لا يخلو من السخرية اللطيفة التي تجعلنا نبتسم ونضحك، بدلًا من التعامل مع كل شيءٍ بجدية مبالغ فيها!
فإذا ما كنت تشكو من الرتابة، أو تتذمر من أن الأحداث مملة أو متكررة، اسأل نفسك بصدق وجرأة: ما الذي يمنعني من إعادة كتابة هذا الفصل؟ ولماذا أسمح لشخصيات لا أحبها بالبقاء في حياتي؟ وكيف يمكنني أن أضيف مشهدًا يجعل قصتي تستحق القراءة، ولو لمرة واحدة على الأقل؟
الحياة قصيرة جدًا لنقضيها في قراءة كتابٍ لا نطيق إكماله، وهي أفضل من أن نعيشها بقلم شخص آخر أو وفقًا لسيناريو لا يناسبنا، لذا، لا تنتظر أن يضع أحدهم قصتك على رف الكتب المملة، وتحلَّ بشيءٍ من الشجاعة وبعض من حس الفكاهة الذكية، وابدأ من جديد في كتابة صفحاتٍ تستحق أن تُقرأ، فمن يدري؟ ربما تتحول حياتك إلى كتابٍ لا ترغب في قراءته فقط، بل تقرر أن تهديه لأصدقائك، وأنت تقول بفخر:
«صدقوني.. هذه القصة تستحق القراءة»!
واقرأ أيضًا:
أصدقاء الثالثة.. فجراً! / عندما جعلني الصمت.. متحدثاً بارعاً!