وساوس العقيدة والأحكام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني19
وأهم ما يستنبط من تلك الأحاديث النبوية في موضوعنا وهو العلاج أمران الأول أنها ظاهرة تحدث لكل مؤمن بالله وتدل على إيمانه وليس العكس بالتالي فإن حدوثها للموسوس دليل على قوة إيمانه، والثاني أن مصدرها ليس هو الإنسان – بل الوسواس (أو الشيطان)- والإنسان بالتالي ليس مسؤولا عن ورودها على وعيه ولا يحاسب عليها لكنه ينصح ألا يسترسل معها وأن يقول آمنت بالله و/أو ويستعيذ بالله من الشيطان ويتوقف، وبينما يكون ذلك كافيا عادة لأصحاء العقل فإنه لا يكون كذلك بالنسبة للموسوس، فكثيرا ما يحتاج هؤلاء إلى عمل معرفي وحوار سقراطي يغير قناعات مثل ضرورة التأكد 100% أو "ل.ت.ش" أي لا تحمل الشك، ومثل وجود جواب لكل سؤال، ومفاهيم مثل معنى اليقين، وتستخدم استعارات مثل "العجز عن الإدراك إدراك" أو أصله ببيت الشعر "العجز عن دَرَكِ الإدراك إدراك ............................. والبحث في سر ذات الله إشراك" وهو بيت اشترك في نظمه اثنان من المبشرين بالجنة فقد نظم شطره الأول سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأتم شطره الثاني الإمام عليٌّ ابن أبي طالب كرم الله وجهه....، نحتاج في النهاية إلى مساعدة المريض على التجاهل، لكن ليس التجاهل المصحوب بالخوف من ورود التساؤلات والشكوك، وإنما التجاهل النشط غير المصحوب بتحاشي مثيرات الوسواس.
ولعل من المهم كذلك في علاج هذا النوع من الوساوس والمصحوب باجترارٍ فكري قهري وغير قهري أحيانا!! أن يشرح للمريض حديث النفس وحكمه وكيف أن من الصعوبة بمكان أن يفرق الإنسان العادي في هذا النوع من الاجترار التشكيكي بين ما هو من حديث نفسه وما هو من الوسواس؟ (ويستحيل على مريض الوسواس أن يفرق)، ويتبع ذلك ببيان الهدي النبوي في موضوع حديث النفس، بمعنى أن المعالج يجب أن يكون مستعدا لأسئلة مثل: هذا كان من نفسي أو من تفكيري الإرادي وليس من الوسواس فهل أكون كفرت؟ أو أنا استرسلت مع الوسواس بإرادتي حتى وصلت إلى ... فهل كفرت؟ أو أنا دخلت مواقع الملحدين أو اللا دينين بإرادتي وفكرت حتى وصلت إلى ... فهل هذا كفر؟ ... إلخ. ويشرح بعد ذلك كيف أن الإنسان لا يحاسب بما دار بينه وبين نفسه من أحاديث مهما بلغت إلا إذا تأثر عمله (أي عبادته) بها فتوقف مثلا عن الصلاة لأنه أصبح غير متأكدٍ 100% أو راح ينشر أفكاره وتساؤلاته بين الناس، لكنه إن لم يحدث منه ذلك لا يحاسب على أحاديث نفسه، ويدلل على ذلك بذكر ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به" صدق صلى الله عليه وسلم.... وكثيرا ما نحتاج إلى ذكر عبارة ذات معنى خارق لتوقعات المريض مثلا "لو أن نفسك ظلت تحدثك بالكفر 24×7 أياما لكنك كلما أذن المؤذن تتوضأ وتصلي فلا شيء عليك".
بالنسبة لوساوس السب الكفري والاستهزاء
وهذه الصورة أيضًا وردت بشأنها أحاديث نبوية واضحة فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-فَسَأَلُوهُ: إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ. قَالَ: «وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟». قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَان»}. [مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان] وللحديث روايات أخر منها، قال رجل: (يا رسول الله! إنا لنجد في أنفسنا أشياء ما نحب أن نتكلم بها وإن لنا ما طلعت عليه الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: قد وجدتم ذلك؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان) وفي اللفظ الآخر: أنهم قالوا: (يا رسول الله! إنا لنجد في أنفسنا ما لأن يخر الإنسان من السماء خير له أن ينطق به) وفي لفظ: (ما لأن يكون حممة -يعني فحمة- خير له من أن يتكلم به، قال وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان)، وفي اللفظ الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة) يريد الشيطان (الراجحي) وروى الإمام أحمد بسنده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني لأحدث نفسي بالشيء؛ لأن أخر من السماء أحب إليّ من أن أتكلم به. قال: الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة" (رواه أيضا أبو داود والنسائي والحديث صحيح)..... ما يفهم من هذه الروايات كلها هو أيضًا عالمية الظاهرة، والإشارة إلى كونها علامة على صريح الإيمان فهي لا تصيب إلا مؤمنا، وأما نزع المسؤولية فيستنبط أولا من إرجاع مصدرها إلى الوسواس/الشيطان، وثانيا من حديث ابن ماجه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". والأفكار والتخيلات الوسواسية تقتحم وعي الإنسان ضد إرادته؛ لذا فهي تدخل في نطاق الاستكراه والذي يمكن أن يكون من البشر أو من غيرهم كالوسواس.
وفي حالة الوساوس الجنسية الكفرية أو الكفرجنسية أيا كانت الصورة قديمة أو حديثة فإن هذا النوع من الوس.وق. هو من أكثرها ارتباطا بالذنب ومشاعر الخزي وهو ما يتسبب في السرية والكتمان عند كثيرين ربما لسنوات، ولأن رد فعل المريض لمثل هذا النوع من الوس.وق. عادة ما يكون تحاشي مثيراتها المعروفة، لذلك فإن الاستجابة المعتادة من الموسوسين في حالات الوس.وق. الناتج عن مواقع الإباحية غالبا ما تكون أخذ قرار بالامتناع عن المواقع الجنسية والاستمناء، والمؤسف أن هكذا قرار غالبا ما يفشل خاصة في غير المتزوجين، وعندما يحدث ذلك وتتكرر الوس.وق. الكفرجنسية كثيرا ما تتعاظم مشاعر الذنب والمسؤولية عن حدوثها لأنها حدثت بعد فعل إرادي وهو دخول الموقع الجنسي وممارسة الاستمناء، ومن المؤسف أن فتاوى التحريم أو حتى التكفير بسبب استجلاب (أو إعطاء طرف الخيط للوسواس المسيء) أو استحضار الوساوس عمدا (والتي لا شك موجهة لغير مرضى الوسواس القهري) تملأ مواقع الإنترنت بالصوت والصورة، ومن واجب المعالج هنا أن يوضح للمريض ضرورة التفريق بين الذنب والظاهرة المرضية فدخول المواقع الجنسية لأجل الاستمناء أو غيره ذنب، لكن الخواطر والصور والخيالات الكفرجنسية هي ظاهرة مرضية لا حساب عليها.
ما يطلب من المريض بعد هذه الفرشة المعرفية هو التدرب على تجاهل هذه الوساوس الكفرية بمعنى عدم الانشغال بطردها أو نفيها وإنما التركيز على النشاط الحالي للشخص فلا يتوقف عما كان يفعله قبل حدوث الوسواس، ويجب أن يكون التجاهل تجاهلا نشطا بمعنى عدم تحاشي مثيرات الوسواس، ويعتمد تصميم التجارب السلوكية اللازمة لكل حالة على معطيات الحالة نفسها مثلا شكل السب الكفري ومدى تملكه من الشخص (داخلي، على طرف اللسان أو يتلفظ به)، وجود مثيرات معروفة من عدمه (صوت الأذان أو ذكر الله أو رؤية القرآن...إلخ كذلك صور ضحايا الكوارث، صور مسلمي الروهينجا، وحديثا صور التجويع والإبادة في غزة)، كذلك لابد من اكتشاف الإجراءات الاستباقية (مثلا ضم الشفتين و/أو يثبت لسانه وأسنانه لمنع نفسه من التلفظ) وغيرها من سلوكيات التأمين وقهور التحاشي التي يلجأ لها المريض للعمل معه ومساعدته على عدم اللجوء لها، مع الامتناع الكامل عن أفعال التحييد أو التكفير كالاستغفار أو نطق الشهادتين (أو الاغتسال ونطق الشهادتين)، على أن يترافق ذلك مع أولا أو في المرحلة الأولى عدم تحاشي ما يرتبط به التجديف كالعبادات و المشعرات الدينية المعينة، ثم ثانيا أو في المرحلة الثانية تعمد التعرض لتلك المثيرات سواء عن طريق الصور والرسوم (مساجد، مآذن صور القرآن الكريم، لفظ الجلالة، لوحات آيات قرآنية، صورة الكعبة المشرفة، وأحيانا صور حيوانات، صور ضحايا الكوارث....إلخ) أو التعرض في الواقع بحسب ما هو متاح.... ما سيحدث أو المتوقع عند التعرض هو أن تحدث الوساوس الكفرية ومهمة المريض هي التدرب على تجاهلها وعدم التحسس منها، لكن من المهم قبل ذلك أن تبين للمريض أن ذلك وإن كان استدعاء أو استجلابا للوساوس الكفرية إلا أنه يهدف إلى تدريب المريض على مهارة التجاهل النشط، فضلا عن إفادة مستترة وهي أن الوساوس التي تحدث لمريض الوسواس القهري لا وزن لها ولا قيمة من الناحية الشرعية، وأن الاستجلاب أو الاستدعاء المقصود في الفتاوى التي تحرم استجلاب الوساوس الكفرية أو استدعاء الوسواس إنما يتعلق بالشخص صحيح العقل وليس المريض.
ويتبع>>>>>: وساوس العقيدة والأحكام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني21
واقرأ أيضًا:
استشارات وسواس العقيدة / استشارات السب الكفري!