وساوس العقيدة والأحكام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني20
وس.وق. الربط الكفري والشرك وتحاشي الكفر:
تشترك هذه الفئات الثلاث في كون الوسواس يربط فيها الكفر أو الشرك بفعل ما أو قرار ما، وتكون الاستجابة القهرية هي مزيج من التحاشي وربما السؤال عن الحكم، ولعل الميل السريع لتصديق الوسواس يتجلى في فرط التحاشي الذي يبديه المرضى في هذه الفئات الثلاث لذلك فإن أهم ما يجب إنجازه في مناجزتها هو إيصال المريض إلى فهم عميق لكون الأمر لا علاقة له بالكفر أو الشرك إلا عبر الوسواس وأن أي مريض وسواس قهري يوسوس بالكفر إنما يمنح حصانة ضد الكفر تبدأ من لحظة الوسوسة وتمتد لاحقا، والحقيقة أن هذه القناعة ضرورية قبل تطبيق إجراءات التعرض (لمثير الكفر أو الشرك المعين) ومنع الاستجابة وهي هنا (التخلي عن التحاشي والتوقف عن السؤال وعن الإجراءات الاستباقية أو أفعال التحييد القهرية)، وتصمم تجارب التعرض السلوكية بحيث يتم التعرض للأقوال و/أو الأفعال أو الاختيارات التي ترتبط بالكفر، في حالة وس.وق. الربط الكفري، وللأقوال و/أو الأفعال، أو الأماكن، أو الصور، أو الرموز الدينية أو حتى قطعة أثاث معينة، أو تذكر (أو مقابلة) شخص أو شخصيات معينة والتي تثير وس.وق. الشرك وأما في حالة وس.وق. تحاشي الكفر فإن المريض يُعرَّض لما يتحاشاه من الأقوال و/أو الأفعال أو الاختيارات، ويفضل أن يكون التعرض كاملا منذ البداية بمعنى أن التدرج ليس محبذا ولا مطلوبا.... سبب ذلك هو أن موافقة المريض أو تلبية طلبه بأن يتدرج في الأمر تعني أولا عدم اكتمال قناعته بحصانته ضد الكفر/الشرك/الردة، وتعني ثانيا موافقة ولو ضمنية من المعالج على احتمال وجود خطر حقيقي على إيمان المريض.... إذن يكون التعرض كاملا أو بالغمر إذا كان مناسبا (مثلا بدلا من صورة واحدة تستفز الوسواس على الحائط نملأ بها الجدران ونضعها في كل زاوية) ...
وفي حالات علاج وس.وق. العقيدة أو وسواس الكفرية يجب بشكل عام وفي البدايات خاصة أن نكون مستعدين للفشل أو الإخفاق بمعنى أن يعجز المريض عن الاستمرار في التعرض أو الامتناع عن القهور، ويجب بالتالي تهيئة المريض لذلك أولا بأن الفشل متوقع حدوثه في البدايات والعبرة بالنهايات، وثانيا أن تشرح للمريض حيل الوسواس القهري التكتيكية أو قصيرة المدى والتي يستطيع من خلالها أن يعيد المريض إلى خانة الشك والخوف من الكفر كلما اطمأن! وتعتمد هذه الحيل إما على التشكيك في الصفة المرضية للوساوس الكفرية و/أو في المسؤولية الشخصية عنها مباشرة أو من خلال اللعب على عمه الدواخل كما سنشرح أدناه.
يمكننا إذن وضع الخطوات الإجرائية لإيصال المريض إلى مرحلة القدرة على تطبيق ما نسميه "التجاهل النشط" والذي يشمل التجاهل التام وعدم التحاشي والانتباه لحيل الوسواس اللاحقة، فبعد إيصال المريض إلى الفهم والقبول بأن الوساوس الكفرية ظاهرة مرضية لا يد للإنسان فيها ولا مسؤولية له عنها ولا أثر لها على وضعه الإيماني مهما بلغت شدتها. ولا يصح أن يستمر الخوف من حدوثها، بل يجب اتخاذها علامة على حسن الإيمان. وغني عن البيان ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتكى له بعض أصحابه الكرام من مثل ذلك، يجب عليه الانخراط في التجاهل النشط:
أولا التجاهل التام: يجب أن يحرص المريض على أداء عباداته وشتى أنشطته المرتبطة بحدوث السب بشكل طبيعي دون إعطاء أي رد فعل عند حدوث الوساوس الكفرية (ممنوع الاستغفار، ممنوع التعظيم، ممنوع سب الذات....إلخ)، ودون مراقبة لحدوثه من عدم حدوثه ولا مراقبة للمشاعر (عقلية كانشراح الصدر أو جسدية كالمشاعر الجنسية) حال حدوثه، مع أهمية استمرار التركيز على نشاط الشخص الذي بدأه قبل حدوث الوسواس، فإن كان خاملا فليركز على ما الذي يجب فعله الآن بغض النظر عن الوسواس!
ثانيا عدم التحاشي: التحاشي هو السلوك التأميني الأكثر شيوعا بين مرضى الوسواس ولا شك أنه في الأساس استجابة إنسانية تلقائية إلا أن استمرار المريض في تحاشي مثيرات الوسواس تفاديا لحدوثه -حتى وإن أحسن المريض التجاهل التام- يعني ببساطة أننا أولا ما زلنا نخاف من حدوث الوسواس ونستعظم وقعه! وهو ما يجعلنا أضعف دائما أثناء الوسوسة بسبب الخوف والرهبة ويعني ثانيا أننا سنترك قرار وتوقيت الوسوسة بيد الوسواس وليس بيد المريض، فيختار الأول أسوأ أوقات الأخير وأشدها كربا! ليهجم بكل شراسته، وهذا يرفع احتمال الانتكاسات المتكررة -حتى وإن أحسن المريض التجاهل التام- لذلك السبب اعتدت أن أصف ما يحدث أو يفترض أن يحدث أثناء العلاج السلوكي المعرفي هو أننا نكتشف مهارة معرفية سلوكية سنتخيل أنها عضلة هيكلية اسمها "التجاهل" فكما لكل عضلة أصل أو منشأ Muscle Origin ولها مربط أو نقطة إدخال Muscle Insertion ولها عمل أو وظيفة Muscle Action فإن عضلة التجاهل أصل منشئها هو "إلحاح الوسواس" ومربطها هو "استفزاز الوسواس" وعمل العضلة أو وظيفتها عند انقباضها هو "إحسان تجاهل الوسواس"، وطريقة تقوية العضلة الوحيدة هي التدريب، باختصار ننتقل بالتجاهل من تجاهل الوسواس عندما يحدث إلى استفزاز الوسواس إمعانا في التدرب على تجاهله، فيقال للمريض "الآن فهمت وتدربت على القبول وعدم الخوف والتجاهل التام، والخطوة التالية هي عدم اتخاذ أي احتياطات لكيلا تحدث الوساوس الكفرية أي أننا نفعل كل حلال يستفزه كلما حانت لنا الفرصة وهذا استهزاء بالوسواس وليس استجلابا ولا استحضارا.
ثالثا عدم الانزلاق مع الحيل اللاحقة للوسواس:
بعد فترة تطول أو تقصر من الفهم وتعاون المريض وتحسنه السلوكي والمعنوي، عادة ما ينزلق المتعافي في إحدى حيل وسواس الكفرية العديدة! ومن أشهرها التشكيك في نسبة المحتوى الكفري هل هو من المرض أو من الشيطان أم هو من النفس؟، أو التشكيك في الحكم بعدم تكفير الموسوس أو البحث في الآراء المختلفة وهو ما يمهد للانزلاق في قراءة فتاوى لا تخص الموسوسين أو فتاوى قاصرة، أو التشكيك في التعمد أي إرادة الوساوس أو استجلاب الوساوس وهو ما يفتح الباب للوسوسة بأنها وإن كانت وساوس سابقا فإنها هذه المرة بإرادتك وليست قهرية وبالتالي قد كفرت، أو تشكيك الشخص في اقتناعه بالأفكار الكفرية، أو بأن الكفر أو الشرك لم يعد يزعجه أو يضايقه لأنه يرضى به والتجاهل معناه الرضا بدليل أنه لا يحزن بما يكفي والرضا بالكفر كفر، أو بأن صدره انشرح للكفر أو تنهد ارتياحا أو أنه ابتسم استهزاء، أو أن شعوره بالابتسام أو السعادة أو حتى مشاعر جنسية بالتزامن مع الوساوس الكفرية هو استهزاء كفري وأنه إذا كانت الوساوس من الوسواس فإن الذي ابتسم أو شعر بالإثارة هو أنا، ومما يساعد في إرباك المريض شعوره بانعدام مشاعر الرفض الشديد لتلك الأفكار أو والأحاسيس، وهي المشاعر التي يرى المريض ضرورة وجودها لأن غيابها يعني موافقته وقبوله بالكفر، كذلك من الشائع بعد اقتناع المريض ببراءته من تهمة الكفر بسبب الوسواس أن يذكره الوسواس بحادثة قديمة أو عبارة قالها في حوار قديم (أي قبل أن يصيبه الوسواس) ويربطها بشكل أو بآخر بالكفر، ثم يقول له لم تكن مريضا وقتها ولا كانت لك رخصة، فيقع المريض ثانية في دوامة السؤال هل كفرت؟! وفي أكثر المرات لا يكون في تلك العبارة أو الحادثة شيئا إلا أن المريض مثلا ربما شعر أو قصد رفضا أو كفرا ورغم أنه لا يتذكر شيئا بوضوح إلا أن ذلك يوقعه في فخ محاولات التذكر والتي كثيرا ما تنتهي بالشك وانعدام القدرة على التيقن من أنه لم يكفر، ويلي ذلك طقس الدخول إلى الإسلام!
يعتمد الوسواس في حيله هذي على نقيصتين في مريض الوسواس القهري هما القابلية العالية للشك (الشك بشكل عام) وعمه الدواخل (فهناك ما يحول بين المريض وبين الوصول السهل الواثق لمعطيات موجودة داخله، أو كأن معالج الحاسوب لا يقرأ معلومات القرص الصلب بسهولة)، واللتان تجعلان من السهل على الوسواس إلقاء ما يشاء من التهم (فكل شيء قابل للشك) ومن الصعوبة بمكان على الموسوس نفي التهمة لأنه يعجز عن التيقن مما بداخله لذلك نجد أغلب هذه الحيل تبدأ بأسئلة يدفع الوسواس بها المريض في دوامة التحقق الاستبطاني (ويقصد به التحقق من محتوى عقلي وهو ما يستطيعه الإنسان فقط بالاستبطان -النظر داخل النفس- لأنه يتعلق بالتحقق من ذكريات أو مشاعر باطنية أو "جوانية" في نفس الإنسان) أي التفتيش في دواخله وهو ما يجعل المريض عمليا في مرمى الوسواس لأنه حين يحاول استبطان ذاته لمعرفة هل الأفكار منه أم لا أو هل هو يريدها أو لا أو هل هو يرفضها ويكرهها أم يستجلبها ويستعذبها -وكلها مهام يحتاج فيها إلى النظر داخل نفسه أي استبطانها- تكون النتيجة الشك دائما وعدم الثقة في الحواس والمشاعر وكل المعلومات الجوانية، ومن هنا يجب على المريض أن يكون مستعدا وواعيا لتحاشي الانخداع بمثل هذه الحيل الوسواسية، فيقال له الوسواس ببساطة يسألك عن شيء داخلي -فكرة، معنى، شعور، نية أو ذكرى..إلخ- ثم يحول بينك وبين ذلك الشيء داخلك بأن يلقي الشك في كل معلومة داخلية تطلبها) يعني يقول براحته لمعرفته بأنك لا تستطيع نفي التهم)، ويصل الوسواس إلى ذلك من خلال تلبيس دواخلك عليك أولا من خلال إضعاف قدرتك على قراءة ما بداخلك، وثانيا من خلال دفعك إلى البحث عن بدائل خارجية تطمئنك عما بداخلك (أي أنك ما تزال مؤمنا)، وثالثا من خلال حثك على تصديق المعلومات الخارجية المغلوطة! عن دواخلك! فبينما يكرر هو واثقا تبقى أنت في محاولة النفي عالقا حتى تميل لتصديقه.
أخيرا ما هي الاستجابة المثالية للوساوس الكفرية؟ أو ما الذي نطمح أن يصل إليه المتعافي من وس.وق. الكفرية؟ إنها التوقع فالتقبل فالتجاهل مع الاستمرار في الفعل الحالي وعدم التحاشي وحبذا مكافأة الذات على النجاح بابتسامة واثقة، لا أحسبني مبالغا فما ذاك ببعيد عما نصح به أبو زيد البلخي قديما -قبل 11 قرنا- مرضى الوساوس الكفرية والمحزنة بشكل عام وهو "أن يفرحوا لحدوثها"، ربما حجر الزاوية في هذا الفهم هو أن الوساوس الكفرية تدل على صدق وعمق وقوة الإيمان -وهو ما يكاد يكون شرطا لازما لحدوثها- وأن استمرار حدوثها يمنح المريض حصانة دائمة بحيث يستحيل معها الكفر، ويجب تدعيم هذا الفهم بكون مريض وسواس الكفرية غير مطالب بشيء حيالها شرعا اللهم إلا التجاهل ما استطاع ويستمر ذلك دون أي تأثير على إيمانه عند الله، وأن عليه تجنب الوقوع في فخ الوسواس من خلال حيله التي إما تشككه في أن له رخصة في التجاهل أو التي تستدرجه إلى تفتيش دواخله (كاختبار درجة إيمانه، أو مشاعره تجاه الوساوس الكفرية، أو تذكر ما مضى من وساوس للتوبة منها....إلخ).
ويتبع>>>>>: وساوس العقيدة والأحكام ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني22
واقرأ أيضًا:
استشارات وسواس العقيدة / استشارات السب الكفري!