الفصل العاشر
"شو" – أديب إنجليزي كان كالعاصفة التي تهز الأبواب والنوافذ والأشجار وتثير الغبار الشديد. إذا تكلمنا عن أدب هذا الكاتب فلن نوفيه حقه، وإن تكلمنا عن شخصيته فقد كان ذا طباع غريبة وكان من أصحاب الاعتدال في كل شيء (في الطعام والشراب)؛ فقد كان نباتيا لا يأكل اللحم، ولا يشرب الشاي أو القهوة ولا يدخن، وكان يقول عن عنايته الصحية: "إن الصحة هي الحكمة والرجل الحكيم يتعود العادات التي تخدم صحته"، وأيضا يقول: إنني أفخر بأن جسمي يعادل في الصحة والقوة عشرة أضعاف من أكلة اللحوم. وأغرب ما في شخصية هذا الأديب أنه تزوج وهو في عمر الأربعين وعاش مع زوجته خمس وثلاثين سنة حتى توفيت وذلك دون أن تكون بينهما أي علاقة حميمة!، وبالرغم من ذلك كانت حياته معها هنيئة مستقرة إلى أبعد مدى!.
وقد ظل هذا الكاتب الصاخب طيلة حياته وهو يلقي بآرائه المتفجرة إلى الناس مازجا إياها بالمرح والسخرية، مما جعل "أينشتين" يقول عنه: لقد وصل إلى القلوب عن طريق قاد الآخرين إلى الاستشهاد!، ومعنى هذه العبارة أن برنارد شو قد تمكن من إقناع الناس بآراء خطيرة لو أعلنها غيره لكان مصيره القتل!. وعبقرية هذا الرجل تتمثل في أنه استطاع أن يصوغ آراءه الجريئة في صورة ذكية مرحة مما جعل الناس يضحكون ويمرحون ويفكرون بدلا من أن يرجموه بالحجارة أو يطلقوا عليه الرصاص.
كان يقول: لكي يسمع الناس لما أقول اضطررت أن أتكلم على نحو يجعل الناس يتصورون أنني مجنون يسمح له الناس بالحريات التي يتمتع بها مضحك البلاط، وهذا ما يؤكد مكر ودهاء وعبقرية هذا الرجل. وحين حضرت الوفاة هذا الرجل، وكان مجلس وزراء الهند منعقدا، تم إيقاف هذا الاجتماع عندما علموا بوفاته، واتخذ مجلس الوزراء قراراً بأن يكون يوم وفاة هذا الأديب العظيم إجازة في مدارس الهند؛ حداداً على وفاته!.
ويدرك القيمة الإنسانية العظيمة لهذا الكاتب كل مصري؛ حيث أنه وقف معنا ضد استعمار بلده لمصر، ولم يتردد لحظة واحدة في مهاجمة حكام بلده بسبب ظلمهم لمصر وشعبها. وكان يقول عن الدين الإسلامي: "إن شخصية محمد حبيبة إلى نفسي، فأنا معجب به، و أؤمن بصحة آرائه في الحياة إلى حد كبير". وكانت هذه الآراء المتعاطفة مع مصر والإسلام موجودة بكثرة في كتابات هذا الأديب، وكان يهدف من ذلك إلى الهجوم على النزعة الاستعمارية عند الإنجليز الذين أقاموا إمبراطوريتهم على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها، ومن بينها مصر بطبيعة الحال. وقد وقف برنارد شو من حكومته موقفا شديدا ضد حادثة دنشواي، حتى أن العقاد قال: كاد أسم شو أن يقترن باسم دنشواي نتيجة حملاته الشديدة ضد حكومة بلده. وقد شملت حملته الوزارة البريطانية والبرلمان الإنجليزي لأنهم لم يمنعوا تنفيذ حكم الشنق في الفلاحين المصريين. وفي النهاية قال الإنجليز عن دفاعه الشديد عن المصريين وقيامه بالحملة القوية ضد إنجلترا؛ أن ذلك راجع إلى أصل برنارد شو الأيرلندي!، فقام بالرد عليهم وأفحمهم بأن قال: ألم يكن بين الضباط البريطانيين المشتركين في حادث دنشواي اثنان أيرلنديان من أبناء قومه وجلدته؟!، واستمر في شن حملته الشديدة على السياسة الاستعمارية لبريطانيا في ذلك الوقت.
والغرابة الشديدة في شخصية هذا الأديب هي كيفية ارتباطه بزوجته لمدة خمسة وثلاثين سنة دون أي ارتباط جسدي بينهما طيلة تلك السنوات، حيث نشأ بينهما اتفاق غير مكتوب بأن يكون كل منهما في غرفة!، وقد وافقت زوجته على ذلك لأنها مرت بظروف عاطفية قبل الزواج جعلتها تنفر من المعاشرة الجسدية نفورا شديدا جدا، وبالرغم من ذلك لم يتطرق الملل أو الشقاق بينهما طيلة تلك السنوات!، وبالرغم من ذلك فقد نشأت بين برنارد شو قبل زواجه وبعد زواجه علاقات عاطفية متعددة مع المشهورات وغيرهن كثير إلا أن حياته الزوجية سارت في مجراها دون أي تغيير!. وفي وصيته التي كتبها أوصى بأن يتم حرق جثمانه، ويتم خلطه بجثمان زوجته التي لم يعاشرها معاشرة الأزواج نهائيا ويتم حفظهما في إناء أو ينشر في أرض الحديقة بمنزله الذي عاش معها فيه خمس وثلاثين سنة.
وقد كان برنارد شو يعاني من الفقر الشديد حتى أنقذته جائزة نوبل التي حصل عليها عام 1925؛ لذا كان في كتاباته من أشد المحاربين للفقر. ومن العجيب في حياته الساخرة أنه تبادل الرسائل مع إحدى حبيباته، وهي الممثلة الشهيرة في عصرها "كامبل" والذي أحبها حبا ملك فؤاده، ودخل إلى قلبها عن طريق نقده لإحدى مسرحياتها بطريقة عبقرية ساخرة. وقد كان مجمل هذه الخطابات الصراحة الشديدة جدا والتي لا يمكن لأي حبيب وحبيبه أن يتطرقا إليها أبدا في كتابة الرسائل بينهما. حتى أن إحدى المسرحيات قد استوحيت من جملة هذه الرسائل المتبادلة بين الحبيبين. ومن ذكائه وعبقريته أنه لم يسمح لحبيبته "كامبل" أن تكون سببا في إيذاء مشاعر زوجته أو تعريض حياته الزوجية للاضطراب. وهكذا كان نجاح الممثلة "كامبل" في تقديم شخصيات نسائية متعددة من روائع شو المسرحية عاملا من العوامل القوية التي أبقت عاطفة الحب مشتعلة بينهما. وحين تقدمت السن بالممثلة "كامبل" وبدأت الأضواء تنحسر عنها وأصبحت تعاني من الضنك والأزمات المالية؛ اتفق معها برنارد شو على أن يتم نشر رسائلهما المتبادلة في إحدى دور النشر لتستفيد هي من نشرها ماديا!، وبالرغم من نشر تلك الرسائل إلا أنه لم يكن هناك أي احتجاج أو غضب من الشارع الإنجليزي!؛ حيث أنهما كانا يتمتعان بمكانة واحترام كبيرين.
4 . التعامل عندما نحتاج (أو نريد شيئا ما نحبه):
يمكن أن تكون الألفة محرجة، بل ومعذبة، وإذا شعرنا بأننا لا وزن لنا بالنسبة لزوج غير مكترث، ولاسيما إذا دام هذا الأمر سنوات عدة، فقط نجد أنه من المؤلم ذكر هذا، أو قد لا نستطيع التحدث عن رغبتنا في المعاشرة الزوجية مع الزوج، وقد تصبح المعاشرة الزوجية شيئا روتينيا مملا! ، وتود الزوجة أحياناً لو تبحث لنفسها عن زوج آخر، أو العكس، ولكن في لحظة اللقاء الزوجي لا تستطيع الإفصاح عما يجيش بخلدها.
ولأننا لا نشعر بأننا نستطيع طلب ما نريد، فربما نلجأ بدون وعي إلى الطريقة التي تكون غير مباشرة، وربما نحاول أن نعالج هؤلاء الذين قد يكونون متورطين؛ محاولين أن نجعلهم يشعرون بالذنب، آملين أن نحصل على ما نريد منهم بدون الاضطرار لطلب شيء معين وبصورة مباشرة، أو ربما نستخدم التلميحات؛ متوقعين أن هؤلاء المقربين لنا يقرؤون أفكارنا، وسيفعلون ما نريد، مع أننا لم نخبرهم بما نريد صراحة!، وهم غالباً لا يلبون لنا ما نلمح لهم به!، وإذا لم يحلونها بأنفسهم، ويفهمون ما نريد (وهي طايره) -كما يُقال عن أهل الكياسة والفطنة باللغة العامية- فعندئذ قد نصبح غاضبين منهم أيا كانت حيلتنا التي نستخدمها، والتي تجعلنا غير مباشرين، وغير واضحين؛ وكل ذلك لأننا لا نشعر بالحرية الكافية لنقول ما نريد وبصورة مباشرة.
5 . الخوف من الإحراج عند طلب شيء من الآخرين:
أنا لم أكن أبدا مقداما أو مكشوف الوجه كما يُقال، ولكن في منتصف التسعينات، اكتشفت أهمية إخبار الناس بما أريده منهم، فقد قرأت عن تأكيد الذات، ولكنني لم أكن أدرك العجز في نفسي، بل وبدون أن أعي ذلك كنت خائفا من الصراع، أو الظهور في صورة الأناني، أو من إحراج نفسي أو الغير، وهذه المخاوف جعلتني وبشكل محتم أن أكون إما هادئا أو غير مباشر في التعبير عن رغباتي.
ويتبع >>>>>>>>>>> تأكيد الذات مشاركة2