إن القلق هو جزء من حياة البشر وبقائها، فزيادة القلق هي الحافز لمزيد من الجهد في التحضير للامتحانات مثلاً، ولكن هذا القلق إذا زاد عن الحد أصبح ذا أثر سلبي وأربك الأداء وقد يتوقف الطالب المجتهد عن الدراسة إذا أصبح قلق الامتحان شديدا.
أما القلق المرضي فهو إما أن يكون على شكل أعراض متعاقبة ومتغيره من التذمر والشكوى أو على شكل نوبات من القلق، والحالة الأولى تسمى القلق العام (أو المتعمم) والحالة الثانية تسمى اضطراب نوبات الفزع (أو الهلع)، وفيها تكون الأعراض على شكل نوبات قصيرة متكررة.
يتم الخلط عادة بين القلق والتوتر والضغوط النفسية والتحدث عنهما وكأنهما شيء واحد، والواقع أن القلق هو أحد الاضطرابات النفسية في حين أن الضغوط النفسية هي المشاكل الاجتماعية والبيئية والمالية والحياتية وحتى الصحية والتي يتفاعل معها الجسم بالتوتر، وهذا التوتر قد يبقى في حدوده البسيطة أو قد يتطور لأي من الاضطرابات الجسدية كارتفاع الضغط وأمراض الشريان التاجي واضطرابات الجهاز الهضمي أو الاضطرابات النفسية مثل القلق.
والقلق المرضي أو ما يعرف باضطراب القلق العام فيه تفكير متواصل في كل صغيرة وكبيرة، شاردة أو واردة، وعلى الجانب التشاؤمي المخيف للنتائج المتوقعه لأي شيء، فتوقع الأسوأ والفشل والمرض والموت تدور في فلك تفكير الإنسان القلق, ويبدأ بمناقشة إمكانية المرض والموت له ولغيره وماذا يؤثر هذا وكيف وهل ممكن تلافيه.
في القلق غليان في الداخل وأعراض جسدية في كل الجسم تبدأ من الصداع، الدوخة، طنين الأذن، ضيق التنفس، جفاف الفم، صعوبة البلع، الشعور بوجود لقمة في الحلق، ضغط وألم بالصدر، خفقان بالقلب، غثيان وألم في المعدة، إمساك وإسهال وغازات، وتتأثر كل عضلات الجسم فهناك آلام في الظهر، الأطراف، المفاصل حتى أنه في الحالات الشديدة يكون كل جسم المريض مؤلما ومتعبا، هذه الأعراض قد لا تحدث معاً بل تتعاقب وتتناوب مما يؤدي لإرباك المريض وذهابه للطبيب العام ثم للطوارئ، فالطبيب الباطني أو استشاري القلب وتارةً استشاري الجهاز الهضمي أو المفاصل والعظام، وتطول رحلة البحث الطبي أو تقصر إلى أن ينتبه المريض أو الأطباء إلى أن المشكلة هي نفسية وليست عضوية، مما يؤخر التشخيص، المريض يوزع الأعراض فيحدث طبيب الجهاز الهضمي عن المعدة وطبيب القلب عن رفة القلب، وطبيب الأعصاب عن الصداع والدوخة ولا تصل الصورة الكاملة للطبيب وإن وصلت قد لا تشخص وإن شخصت قد لا تعالج ولا تحول، وإن حولت فقد يعترض المريض أو أسرته على ان هذه الشكاوي ليست نفسية ولا يتطلب التحويل للطب النفسي، لا تتوقف الأعراض عند هذا الحد فالنوم يكون صعبا ومتقطعا وقد يصبح غير كافي، يترافق مع ضعف في شهية الطعام وإرهاق وهزل وضعف التركيز مما يثير مخاوف المريض أنه بدأ بفقد عقله أو يصاب بالخرف، ويترافق القلق عادة مع تكدر المزاج والحزن وقد يصل للاكتئاب وفيه فقدان الحماس والشهية والرغبة لعمل أي شيء، وفقدان الأمل بالعلاج أو التحسن، فتصبح عائقا آخر أمام التشخيص والعلاج، واجتماع أعراض القلق مع الاكتئاب شائع بل هو الأساس والانفراد هو الاستثناء.
أما نوبات الفزع فهي قلق شديد مكثف في صورة نوبة تستمر بضع دقائق وقد تصل إلى ساعة يشعر فيها الإنسان بشعورحتمية الموت أو الشلل أو المرض أو فقدان السيطرة مصحوبة بالأعراض الجسدية المذكورة في القلق، وفي نوبة أخرى قد تتكرر نفس الأعراض وقد تختلف فقد يكون الضغط على الصدر هو العرض الأساسي ويعطي شعورا واعتقادا لدى المريض أنه قد أصيب بنوبة قلبية حادة يهرع على أثرها للطوارئ ويتم إجراء كل فحوصات القلب وإدخال المريض للعناية المركزة ومن ثم تزف البشرى له إن كل شي على ما يرام والفحوصات طبيعية دون إيضاح سبب أو تشخيص للحالة، وما هي إلا أيام وتتكرر النوبة ولكن هذه المرة مصحوبة بالغثيان والقيء، مما يؤدي للدخول في متاهة الجهاز الهضمي وهكذا يعيش مريض الفزع رحلة من العذاب تصل به أن يتوقع حدوث النوبة ويتطور قلق التوقع ثم ينغمس في القلق العام ويرافق ذلك هبوط المزاج فليس من المستغرب أن يكون تشخيص الحالة عند وصولها الطبيب النفسي اضطراب الفزع مترافقاً مع القلق العام والاكتئاب النفسي.
أما الأسباب التي تؤدي للقلق فهي شبكة معقدة من العوامل الوراثية والبيئية وأحداث الحياة والمشاكل اليومية، تؤدي في النهاية لخلل في الناقلات العصبية الكيماوية وتظهر الأعراض، ويحتار الناس في وجود السبب وعدم وجوده والبعض يعتبر وجود سبب مفترض هو مبرر لعدم العلاج، ويا حبذا لو يتوقف الناس عن هذا الربط غير المفيد.
عندما يشخص القلق أو الفزع من قبل الطبيب فقد يتطلب الأمر إجراء بعض الفحوصات المخبرية أو الشعاعية أو تخطيط الدماغ وذلك لاستثناء أسباب طبية قد تكون سببا في الحالة مثل ارتفاع إفرازات الغدة الدرقية، وكما أن بعض الأدوية التي تستعمل في علاج أمراض مختلفة قد يكون من أعراضها الجانبية أعراض القلق وكذلك تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية.
بعد التأكد من التشخيص لابد أن يقتنع المريض بضرورة وقف رحلة الاستشارات الطبية وزيارة الأطباء والمستشفيات والطوارئ وغيرها من مختبرات ومراكز أشعة، والتوقف عن استعمال أجهزة في البيت لقياس السكر والضغط عدة مرات في اليوم، وعلى المريض أيضاً أن يتوقف عن كل الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها، مثل تجنب الجنازات والمقابر أو عدم الخروج لوحده لمسافات بعيدة وعدم الذهاب للأسواق واستعمال المواصلات، فهذه إجراءات مبنية على خوف وقلق ولابد أن تتوقف لأن التجنب يؤدي بالخوف البسيط أن يتحول إلى رهاب مزمن، وهناك جزء من مرضى الفزع يصابون برهاب الساح وهو الخوف من الأماكن المزدحمة والمسافات الطويلة والأسواق. وعلاجها يعني تحدي ومواجهة هذه المخاوف، ومطلوب من المريض التوقف عن اتخاذ احتياطات مثل حمل الماء حتى لا يختنق أو أقراص مهدئة حتى تنقذه من الهلاك كما يظن خاطئاً، ثم يكون هناك حذر بأن المنبهات من شاي وقهوة وتدخين وأرجيلة ومشروبات الطاقة وبعض المشروبات الغازية كلها محفزه للجهاز العصبي، ويجب تخفيضها والأفضل تركها، وأن الرياضة والصلاة مفيدة ولكن يحذر مريض القلق من ممارسة الرياضة العنيفة التي قد تزيد الهلع، بعد هذا يصرف للمريض علاجات دوائية وينصح المريض أن لا يقرأ ما فيها من نشرات ولا أن يذهب للإنترنت للقراءة عنها وزيادة مخاوفه, ويتم ترتيب متابعة يكون فيها علاج نفسي داعم أو سلوكي أو معرفي حسب الحاجة وحتى الشفاء.
واقرأ أيضًا:
اضطراب المزاج ثنائي القطب / عادات دون حسابات / الحجــر والوصايــة Guardianship