إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله: القرآن يتحدى 8/4/2007 ::

الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/04/2007


قرأت لمثقف كبير أحترمه وأتابع إنتاجه غير الغزير، وأثق في معرفته، وسعة إطلاعه، وإخلاصه لما أحبه في هذا الوطن الذي لا يفارقنا ألمه وشجونه، كما تسكننا أمجاده وجراحه.

قال هذا المثقف أن المصريين بداخلهم أصوات تشكل وجدانهم الداخلي، ووعيهم وذوقهم، وذكر منها صوت ترتيل القرآن، ولم يكن يقصد المسلمين في مصر، بل والأقباط أيضا!!

إذا كان القرآن بالنسبة لمسلمي مصر هو كتاب إيمان وعقيدة، فهو بالنسبة لكل قبطي عروبي وطني، كتاب ثقافة، ولغة، وتراث، ووجدان تربى على سماع الترتيل بالأصوات المصرية الأصلية، ثم من تبعوهم بإحسان!!

أدهشني حجم الرقم الذي نشرته ((الدستور)) في صفحتها الأولى أمس عن تحول خمسة آلاف قبطي مصري إلى الإسلام سنويا، وشخصيا لا أجد في الأمر ما يستحق كل هذا الضجيج، فالمصري ينتقل في بيت الإيمان من غرفة إلى غرفة لأسباب فردية، وأحيانا جماعية، واجتماعية، ودائما لديه أسباب نفسية تجعله يتحول من الإسلام إلى المسيحية، وبعدد أكبر بكثير من المسيحية إلى الإسلام، وهكذا فعل المصريون جميعا لحظة دخول الإسلام عليهم في بلدهم مع عمرو بن العاص، والذين معه، فالأغلبية رأت في الدين الجديد ما يستوعب إيمانهم القديم بأصوله ونقائه، ويزيد عليه انفتاحا راق لهم، والمصريون يحبون المرونة والبحبحة، ولا يحبون الجمود والركود، هم مع التجديد غالبا، ورأوا في الإسلام تجديدا لإيمانهم فتحولوا أو هكذا كانوا إليه ببساطة وسلاسة، ودون جلبة، ولا إراقة دماء!!

ثم إن بعضهم تعرض له شبهات اليوم، أو تلوح له أسئلة لا يجد عليها ردا، ولا يجد منها مهربا، ولا يستحسن موقفا إلا أن يعود إلى موقف يعتقده أكثر تشددا، أو محافظة، أو حرصا على كلمة الله، فيتحول إلى النصرانية، كما يتحول آخرون من الأقباط المعاصرين إلى الإسلام بحثا عن نفس ما التمسه أجدادنا الأوائل حين تحولت الأغلبية إلى الإسلام، وليس لأحد أن يجبر أحدا على اعتقاد ما يراه دينا أفضل، أو عقيدة أصوب، فهذا شأن الإنسان مع ربه، ولكن للمرء أن يجتهد في تحري الحق، ودلالة الناس عليه بالتالي هي أحسن، ولعل هذا يستقر في مسلك أصحاب أو أتباع كل دين!!

يظل أو هكذا أحب أن القرآن جزء عزيز من التركيب الوجداني للمصريين جميعا، والسؤال هو: أين ذهبوا بالقرآن؟! ماذا فعلوا به؟! وبالتالي ماذا فعل بهم؟!
المسلمون في مصر مازالوا يحفظون القرآن بكلماته وحروفه ويحفظونه أبنائهم، ويتلونه في الفرح والحزن، ومازال القرآن يحفظهم من أخطار ومشكلات وأزمات نفسية كثيرة، ولكن هذا أقل بكثير مما يمكن، ومما هو مطلوب ومنشود!!

أيضا تنتشر ممارسات تنتسب إلى استخدام القرآن في الشفاء والاستشفاء، وأغلب هذه الممارسات يجري دون تمحيص أو تدقيق، أو ضبط علمي أو منهجي، مثل كل حياتنا!!!
لكن الثقة في قدرة القرآن وقدسيته وعظمته ينبغي أن تدفعنا باتجاه احترامه وتفعيل وفرز وتطوير هذه الممارسات، التماسا للخير، وتعميما للنفع، وذودا عن كتاب الله الكريم أن ينحرف بعزته دجال، أو يسترزق به مستغل، أو يسيء له جاهل!!

وتلك مسئولية تقع على كل مسلم، وبخاصة أولي العلم والتخصص في ميادين العلاج النفسي والروحاني بل والبدني كما الوجداني، ومن الأمانة أن نعترف أن هؤلاء قد قصروا كثيرا في هذا الصدد حتى تسلل إلى هذه المساحة الكثيرون من أصحاب الأهواء، وتلاعب أقوام بالأمر مستغلين جهل الناس، ومكانة القرآن في النفوس، وهي المكانة التي حاولت شرح بعضها توا حين تكلم معي أخي وزميلي د. وائل أبو هندي عن مؤتمر مخصص للنقاش حول هذه المسألة، وقال لي: كيف تغيب عن مثل هذا التجمع، وهو في قلب اهتماماتنا معا منذ سنوات كتابة ونقاشا ومحاولة بحث، بل وإصدار كتب، وإطلاق موقع مجانين، وما نعتزمه من جهود مستقبلية بمشيئة الله!!

ثم قلت: سبحان الله، حين استدعوني للمشاركة في حلقة من برنامج تلفزيوني شهير تناول نفس القضية على الهواء مباشرة بحضور ضيوف من مجالات شتى، وفوجئ البعض أنني لم أهاجم معمما النقد على كل من يسلك هذا المسار، كما تعود بعض الزملاء، بل ولم أنكر على من حضروا وتناولوا خبراتهم في الاستشفاء بتلاوة فاتحة الكتاب!!

في كلامي بالبرنامج سلكت ما أعرفه، وما أحرص عليه، وأسعى إليه بمعونة كل محب مجتهد لكتاب الله ودينه، والحب عندي مقترن بالجهد والعمل، وليس فقط إثارة العواطف وإطلاق الشعارات، على أهمية العواطف والشعارات أحيانا!!

قلت أن المسألة تحتاج إلى مزيد من بحث وضبط وتدقيق علمي ومنهجي يعصم من الانفلات الحاصل، ولا يصادر على الأصل الذي نؤمن به، وهو أن في القرآن شفاء!!
بكل الوضوح والشفافية والعلنية، إذ ليس لدينا في الدين أسرار مقدسة لا يعرفها إلا كهنة معدودون، ولكن كل المراتب لدينا يمكن بلوغها بالاجتهاد، اللهم إلا النبوة، التي هي اصطفاء وما عدا ذلك متاح بأدوات وأصول.

ولقد كنت مكدود النفس محاصرا بمشاعر سلبية حين قال لي وائل: اكتب ورقة تشارك بها في المؤتمر القادم ولا أدري لماذا لم أعترض، أو أستسلم لمشاعري، لم أقل له: دعني يا وائل، أنا في إيه، ولا في إيه؟!!

تناولت القلم، وقلت بسم الله، وبدأت أكتب أفكاري وخواطري، ثم أنا غدا مسافر لأحضر المؤتمر بعد أن شارك وائل في تنقيحها على الهيكل الذي اقترحته، أو فتح الله به!!
لاح لي أن مرضنا العضال، وأوجاعنا المزمنة، والخلل المنتشر في نواحي حياتنا له علاج، وأن القرآن يمكن أن يسهم في هذا العلاج بنصيب وافر، ولكن ليس على النحو الذي يشيع بين عموم الناس. في القرآن شفاء للنفس والمجتمع وكانت ورقتي مقدمة في البحث عن كيف يمكن أن يعالج القرآن النفس والمجتمع؟!

الحمد لله

واقرأ أيضًا:
على باب الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست  / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / على باب الله رسل النور/ على باب الله: إفتكاسات:29/ 5/2006 / على باب الله: أنهار سرية /على باب الله من منازلهم، وموقعي المفضل / على باب الله قطار الليل والنهار / على باب الله العيش موتا في أوطان تنتحر / على باب الله: دماغك فين؟!!على باب الله: قالت لي  / على باب الله عن التركيز والنسيان 7/10/2006 / على باب الله: الإيمان؛ قصة ومناظرعلى باب الله: ماذا نقول إذن؟!  / على باب الله: أنا والجهاد وزويل!!  / على باب الله: وطن في التيه / الإعلام وصناعة تاريخ بديل 15/10/2006  / على باب الله: رائحة العيد
 / على باب الله: غاوي شعب!! / على باب الله: خرائط العشق القاني / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل / على باب الله: الحوت صديقي / على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟! / في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة / على باب الله: طعانون وسماعون / على باب الله: تأملات أندلسية / على باب الله: نتغزل في الحرية، وكلنا عسس / على باب الله: بيداء الوحدة والحرمان  / العزلة طبعاً: هل هناك اقتراحات؟! / على باب الله: وجهاً لوجه



الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/04/2007