من أكثر وأشد الأمور التي تجعل الحوار بيننا مستحيلا أو تجعله شبيها بالحرب يتبادل فيها الطرفان تقاذف الكلمات وتعالي الأصوات واتهامات بالجهل وعدم الفهم أو الإدراك هو اعتقاد الشخص أنه على صواب مطلق وأن الآخر الذي يخالفه في الرأي على خطأ مطلق.
كلمة المطلق هذه كلمة غير منطقية ولا يجوز استخدامها أو التفكير فيها لأن الطلاقة لله سبحانه ولكلامه ولأفعاله وليست لبشر فإن ما سوى الله ناقص محتاج، ولنضرب مثلا بأن هناك حوارا بين مسلم وكافر هل يحق لك أن تتعامل معه بمنطق أنه مخطئ كلية؟؟ إن فعلت هذا انصرف عنك ولن يسمع منك شيئا وذلك لأنه على الرغم من كفره ينطبق عليه قول الله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم" فالتكريم كما ترى يشمل الإنسانية كلها وليس المسلمين فقط ولعل التكريم جاء من قوله سبحانه "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" فكلنا فينا روح هي من عند الله.
لذا حين تتعامل مع الإنسان الذي أمامك معترفا بإنسانيته فقد قطعت شوطا طويلا في التواصل ما بينك وبينه، اجعل ما بينك وبين الآخر خيطا ولو رفيعا جدا من الاحترام لإنسانيته حتى تستطيع التواصل معه فيستمع إليك دون أن يشعر أنك تقلل من قيمته؛ فماذا لو كان الآخر من أهل الكتاب، إذن فهو يعلو بذلك درجة عبادته لله سبحانه الذي نعبده، درجة تصديق لنبي ولكتاب هو من عند الله سبحانه وهذا يستلزم تقديرا أكبر، أما لو كان الآخر مسلما فهنا أنت تتحاور أو تنصح إنسانا يشهد مثلك أن لا إله إلا الله محمد رسول الله حتى وإن كان صاحب كبيرة من الكبائر..... حقٌّ عليك تقدير إنسانيته وإسلامه فهو أخوك في الإسلام فما بالك لو كان مصليا صائما مزكيا حاجا؟؟؟؟ أيجوز لك أن تتعامل معه وكأنه على خطأ مطلق لمجرد أنه يخالفك الرأي؟؟؟ وتتعامل معه على أنه صاحب ذنوب ومعاصي وأخطاء وآثام تجعله في الحضيض؟؟ ألا يشفع له إسلامه عندك؟؟
تقديرك للآخر واحترامك له وحسن الحديث معه وصوت هادئ رزين وانتباه لقوله وعدم مقاطعته وعدم الانشغال عنه حين يتحدث كلها أمور تساعدك أيما مساعدة في التواصل معه وإن لم تصل فيكفيك شرف المحاولة مع حسن المجادلة التي قال الله فيها "وجادلهم بالتي هي أحسن".
وهناك أمر آخر يتخذه الناصح حين يتعامل مع المنصوح وهو اعتقاد الناصح أنه خير من الذي ينصحه وأفضل منه...... اسمح لي أن أسألك بضعة أسئلة ودع روحك تجيب:
أتستطيع أن تقول أنا لم أذنب يوما؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أتستطيع أن تقول أن كل ما أفكر فيه وكل آرائي هي صواب مطلق؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أتستطيع أن تقول أنا خير الناس؟؟؟؟؟؟؟؟
أخي أنت لست ملاكا وإنما بشر يصيب ويخطئ، وأخوك الذي أنت ناصحه ليس شيطانا كل ما يفعله خطأ لعله يفعل فعلا يجعله من المقربين لعله يتوب توبة تجعله من أحباب الله..... لعله يقول كلمة ترفع عمله فوق عملك لعله يستحي من ذنبه أكثر مما تتواضع أنت بطاعتك فيكون بذنبه وخوفه خيرا منك في طاعتك مع الكبرياء.
أخي اتق الله حين تنصح ولا تتعالى على الناس فيحبط عملك ولا تسفه الناس فينصرفوا عنك؛
كن رقيقا طيب الكلمة تصل إلى ما تريد بإذن الله....... وتذكر ما عملك في عمل الكثيرين إلا قليل وما عمل الكثيرين من شكر الله إلا قليل فلا تتباهى فيحبط عملك.
وأرجو ألا يفهم من كلامي أنه دعوة لترك النصيحة فإن بعض علمائنا اعتبروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الركن السادس من أركان الإسلام..... وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت خيرية هذه الأمة كما قال ربنا سبحانه "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" صدق الله العظيم.
اقرأ أيضاً:
عندما ننصح/ جوهر العلم 2/ جابر بن حيان شيخ الكيميائيين