النفط يعني القوة، فهو الذي يوفر الطاقة اللازمة لصناعة الحياة المعاصرة، والذي غيّر مسيرة البشرية وحقق تبدلات حضارية لم تعرفها من قبل، فكان القرن العشرون وما بعده عنوان حضارة النفط ومدنيتها وقوتها المتنامية.
فأجيال العقود العشرة الماضية تمتعت بمعطيات النفط، وكل جيل يزداد متعةً وقوةً ويتنعم بما لم يخطر على بال الجيل الذي سبقه. وكما هو معروف تاريخيا، أن معظم التفاعلات ما بين البشر كأفراد ودول وإمبراطوريات يكون من أجل القوة ومصادر الطاقة، التي توّجها النفط بعد اكتشافه. وفي منطقتنا يوجد ما يقرب من ثلاثة أرباع المخزون النفطي للأرض، ولم نتناول علاقة النفط بالسلوك، على مستوى الحكام والمسؤولين والساعين لبسط سيطرتهم عليه.
إن النفط قد لعب ويلعب دورا أساسيا ورئيسيا في تحديد معالم السلوك على جميع المستويات، وهناك الكثير من المراكز والمختبرات والقدرات العاملة لصناعة السلوك الفردي والجماعي، وهندسة المجتمعات وفقا لما يقرر الأخذ الأكبر للنفط. وكلما تنامت المشاكل في البلدان النفطية، تيسر الأخذ وتحقق الاستلاب.
ولكي يتم الوصول إلى ذلك الهدف فلا بد من ديمومة وتنمية المشاكل، وصناعة التفاعلات السلبية في كل مكان وزمان. ولهذا فإن الجهود متواصلة ومتطورة من أجل هدر الطاقات المحلية، وإشغال الناس ببعضهم، حتى يتحقق نسيان ثروتهم وكرهها لأنها أصبحت نقمة ومرارة وليست نعمة.
وفي هذا المأزق الاستلابي المعقد، أصبح المواطن في محنة تفوقت على قدراته الفكرية والثقافية، لأنها تستخدم مهارات وآليات التثوير الانفعالي والتحشيد العاطفي اللازمة لاعتقال العقل ومصادرة البصيرة، وتغليب المشاعر السلبية التي ترسم خارطة السلوك الإجهاضي للأمل والحياة الأفضل.
وقد أسفرت الرغبات النفطية الإدمانية عن استجابات قاسية جلبت الويلات والفواجع المريرة، لأن المدمن على شيء لا يهمه إلا الحصول عليه، ولا تعنيه كيفيات تحقيق ذلك.
فالغاية تبرر أية وسيلة عندما يتعلق الأمر بالنفط، وبهذا فرض ميكافيلي إرادته ورؤيته النفطية، وأوجد منظومات سلوكية لتحقيقها، وفقا لنظريات بسط القوة وتوظيفها لتحويل الهدف إلى قوة مساندة للقوة التي تريده.
ومن أعظم الوسائل التي تعاضدت للتمكين من الهدف هي صناعة الاستبداد، واعتقال الأجيال وتخريب البلاد وسبي العباد، لكي يتحقق الاستقرار القهري وسلامة تدفق النفط الجائر على أهله وأرضه، والقاضي بحرمانهم من النعيم والإمكان.
فالقوة هي القدرة على تغيير السلوك البشري، وتعتمد على مهارات توليد المشاكل لتغيير السلوك ضد إرادة البشر المُستهدف.
وهذا ما حققه الاستبداد ولازالت قدرات فرض القوة بأساليب تخدم المصالح والأهداف على أشدها، وفي أوج تعبيراتها عن نظريات القوة بأنواعها، من أجل أن يتدفق النفط وتتأمن المصالح.
فهل تساءلنا ماذا سيحصل لمجموعة من الناس من أي مجتمع، لو وضعناها في صناديق الويلات المغلوقة بإرادة الطغيان؟!
لنبحث في الجواب وعندها يحق لنا أن نصف أبناء مجتمعاتنا المقيدين بالحرمان، والمحكومين باليأس والترهيب والأحزان، بما يحلو لنا من أوصاف الزمان.
د-صادق السامرائي
4\5\2011
واقرأ أيضا:
الميزان والإنسان!! / الفكرة والعمل!!
