عروبتي تؤلمني
السلام عليكم؛
أنا سيدة أقيم في المهجر منذ عامين تقريبا، أعيش مع زوجي حياة شبه مثالية والحمد لله، منذ قدومي للعيش هنا وأنا أتابع باستمرار الأخبار وأحداث الوطن العربي، لم أكن سياسية ولكن يهمني أن أعرف وأفهم ما يدور حولي، أتذكر بحرب العراق كنت في الثانوية العامة ووصلت بي الكآبة للحد الذي خفت فيه أن أرسب بسبب تأثري بالأحداث فتوقفت تماماً عن ملاحقة الأخبار وأنهيت الدراسة بسلام.
في الجامعة تأثرت بحرب غزة أو بحروب غزة فلم أعد أذكر كم عدد الحروب التي ألمت بها وما كان يحزنني هو لامبالاة شبابنا وكنت أقول كيف لهذه الفئة أن تحرر الأقصى! وأنت تعلم والجميع يعلم أن حالنا كعرب لم يكن جيدا في أي يوم ولكن نحن كبرنا وصرنا نعي أكثر ويا ليتنا بقينا صغارا في الغربة صرت أرى حالنا ووضعنا البائس من بعيد بنظرة شاملة أاكثر خصوصا مع ملاحظة الفروق الرهيبة التي يعيشها الناس هنا!
أحداث مصر أرعبتني يا إلهي إلى أي حد وصلنا؟ الأمر حقاً مرعب فأنا أرى أن مصر أم البلاد العربية كلها وإذا مرضت الأم ضاع الأبناء، أما أحداث سوريا فقد قتلتني في الصميم ومن هنا قررت أن أرسل لكم بعد أن دخلت في نفق الكآبة الذي لا أقدر على الخروج منه.
مع أنني تركت متابعة الأخبار إلا أنني وقبل أن أنام لا زالت صور أموات الجوع تقتلني وقتلى الكيماوي شيء يعجز عقلي عن استيعابه إلى أي حد وصلت الوحشية في هذا العالم؟ إلى أي حد وصلت بنا السفالة والعجز أن يموت طفل مسلم جوعاً أو بردا أو مرضا أو خوفا..... عندما أحتار في إعداد الطعام مثلا أتذكرهم وأبكي... عندما أرى طفلا يبكي يريد أباه الذي يجهل هل هو معتقل أو مقتول أنفجر بكاء... أتخيل ذلك لا قدر الله قد حدث مع أهلي والذين أحبهم، مجرد فكرة أن يحدث لأهلي وبلدي مكروه تجعلني أبكي!
صرت أخاف من الغد الذي هو أسوأ بكل تأكيد من اليوم، صرت أخاف أن أنجب طفلا إلى هذا العالم القذر، أفكر جديا بعدم الإنجاب كي لا يأتي يوم يقول فيه طفلي: يا ليتني لم آتي على هذا العالم، وما يؤلمني أيضاً هو الرفاهية والأمان الذي يعيشه الغرب لدرجة أن الكلاب هنا تعيش أفضل من ألف عربي في بلادنا، وحين يعرفون أصلي يهزون رأسهم بأسف أن الميدل إيست مكان مضطرب دائماً والحروب فيه لا تتوقف!
أنا مكتئبة ولا أرى أي بصيص تفاؤل في المستقبل
06/03/2014
رد المستشار
من حسن ظن أخي وزميلي د. وائل أبوهندي أرسل لي رسالتك متفائلا بأنني أملك إجابة على أسئلتك، بينما كل ما خطر ببالي هو أن أشاركك في مشاعرك، وأضيف أسئلة جديدة!!!
من الفتاة العربية، والفتى العربي سنجد صنفا لا يهتم بالشأن العام أصلا، ولهم ولهن الأسباب والتبريرات الجديرة بأن ننصت إليها، ونفهمها جيدا، وهناك صنف يهتم، فما معنى الاهتمام بالشأن العام عندك؟! أو عند أي مواطن عربي؟!
الاهتمام – غالبا – يعني متابعة الأخبار – التأثر العاطفي لحد الكآبة أحيانا – ترديد كلام في كلام من قبيل: هل هذا هو الجيل الذي سيحرر الأقصى؟!
الكلاب تعيش أفضل من أي عربي!!...إلخ
هل سيؤدي هذا "الاهتمام" إلى أي نفع للعالم العربي؟!
هل سيؤدي هذا الشعور إلى أي شيء ينفع أي أحد؟!
في مأثورات الجاهلية كلام لا يحضرني نصه ينصب على ازدراء النساء، من قبيل أن نصرة المرأة هي مجرد المشاعر، والدموع، والنواح!!
وأنا أكره الجاهلية بكل أنواعها، ولا أرى النواح مقتصرا على النساء!! ولا أزدري المشاعر، ولا الدموع، بل أراها طاقة خام ينبغي استثمارها لصالح النفع.
كلنا مصاب في وعيه المعطوب، وإدراكه المعيوب للعالم وللحياة، ومنه جهلنا بفقه التدافع والتغيير، واستثمار الطاقات في تحسين ما نكتفي بالشكوى منه، والرثاء له!!!
لا أريد أن أدخل بك في وصلة نواح جديدة على الوعي الغائب، والفقه الغائب، والعقل العربي الخائب، وأرى معك أن في الشباب نهضة حالية لا ينكرها إلا جاحد، أو مستعذب للألم، ودعيني أدخل مباشرة إلى سؤال يهمك.
ما الذي تستطيعنه أنت في ظروفك، وفي مكانك، أكثر من مجرد الشكوى، والنواح، والرثاء، والألم؟!
من حسن الحظ أنك شابة، وأنك في بلد يمتلىء بجهود آحاد الناس، وجماعاتهم.. في خدمة قضايا الحياة!!
ما يسمى بالقطاع الثالث التطوعي، أو المجتمع المدني، أو العمل الأهلي هو ليس مجرد جهد خيري لجمع التبرعات، وليس مجرد ناس يقضون وقت فراغهم في عمل يتسلون به، ولكنه طريقة حياة، وتفكير، وحشد للجهود في سبيل خدمة فكرة ما، أو مناصرة قضية ما!!
ولا أريد طبعا أن أدخل في وصلة نواح أخرى على غيبوبة أكثر الجاليات العربية والإسلامية التي تجد القوت، حتى الرفاهية أحيانا، وحصلت على حرية معقولة في التغيير والحركة – أعني في بلدان المهجر- ولكنها ما تزال تتمسك بنفس تخلفها وجاهليتها إما في الانصراف عن الشأن العام كلية، أو تسميمه بالصراعات، والخلافات المذهبية، والقهرية، والقبلية...إلخ
حددي كم يمكنك تخصيص وقت وجهد في سبيل أولوية قضية تهمك، ثم تحري في البحث عن الجهات المهتمة بحقوق الإنسان في مصر – مثلا – أو أوضاع اللاجئين في سورية، أو كما تحبين!!
تواصلي مع هذه المنظمات الجهات لتعرفي تفاصيل عن أسلوب عملهم، ولتقرري معهم بماذا يمكنك أن تساهمي، ومن خلال هذا الاحتكاك ستتعلمين كثيرا عن هذا الطريق الذي يجهله أغلب العرب والمسلمين!!
طريق مساهمة آحاد الناس بنصيب في تغيير الأوضاع التي يرغبون في تغييرها!!
ومن بؤس الإنسان العربي أن يضلله عقله الواهن فيقول له: ماذا عساك أن تضيف يا ضعيف؟!
وماذا سيختلف في العالم إن ساهمت بجهدك المتواضع في تغييره!!
ولا يجد أخونا المسكين أي تناقض بين هذا الصوت الداخلي المسموم، وبين ترديد لسانه لكلام يكرره – دون فقه – من قبيل:
"إذا قامت الساعة، وفي يد أحدكم فسيلة، فليغرزها" أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
اتركي النواح للعجائز، وأسرى القيود المادية والمعنوية، وتحركي فالعالم ينتظرك، وينتظر إضافتك، واستثمار طاقتك!!
واقرئي أيضًا:
موقع مجانين ورسالته