لا أريد الزواج لكن أحتاجه؟
السلام عليكم ورحمة الله. أرجو أن يجاب على الاستشارة من قبل د.وائل أبو هندي ولكم جزيل الشكر. أرجو السرية بالنسبة للمعلومات الشخصية. عمري 27 سنة، طبيبة في فترة الاختصاص، عازبة ومشكلتي مع الزواج.
الابنة الوحيدة ولدي أخ يكبرني مغترب منذ أن كان عمري 14عام، علاقتي معه سطحية جداً، أعيش بمفردي مع والدين غير متفاهمين، الأب موزاييك من اضطرابات الشخصية (زوراني، نرجسي، حدي، سيكوباتي، اعتمادي) والأم (وسواسية)، علاقتهما في غاية السوء، وصلا إلى حافة الطلاق مرات كثيرة، وصلا إلى الضرب مرات عديدة، والدي هو من منظوري إنسان فاشل في كل شيء تقريباً، سيء الأخلاق إلى أقصى درجة، والدتي ساهمت في تعرية مساوئه تماماً أمامي بحكم علاقتنا الوطيدة وحكت لي عن خياناته وفشله وإساءاته مما يُفقده أدنى درجات المحبة أو الاحترام في قلبي منذ الطفولة، وطبعاً معاملته السيئة معها ومع أخي رسخت كرهه بداخلي، وكره فكرة الزواج من أساسها رغم أن تعامله معي كان مغايراً تماماً فقد كنت ابنته الصغرى الوحيدة المُدلّلة، طلباتها كلها تُلبّى وليس لأحد عليها أمر، وربما حسنته الوحيدة أنه سلم دفة تربيتي إلى أمي وأعطاني حرية كبيرة جداً منذ الطفولة، وبفضل الله أحسب أني لم أخنها، وأعتقد أن دوافعه لهذا التعامل الجيد هو ما رآه مني من تفوق دراسي وحسن صورة والتزام أخلاقي وديني عالٍ بفضل الله ولا أزكي نفسي.
نتج عن هذه الطريقة بالتربية شخصية غير مسؤولة عن أي شيء سوى التحصيل العلمي، تعيش بمفردها وعلى هواها بدون قيود من أحد (سوى أوامر الدين والعرف المجتمعي)، أنانية وانطوائية لا تحب المشاركة، قوية ذات أنفة لا تحب الخضوع لأي شخص أو تلقي الأوامر من أحد، لا تحتمل أن يتحكم غيرها بخياراتها من أبسطها إلى أعقدها.
ولا أظن أن شخصية كهذه يمكن أن تكون زوجة مناسبة لرجل سوي، الحياة الزوجية فيها مشاركة وعطاء وتقيد وتحمل للمسؤوليات، وأنا لا أحسن هذه الأشياء،. أحب أن أعيش حياتي بمفردي وعلى هواي ولا أتحمل وصاية أحد علي وأريد أن أحقق طموحاتي وأحلامي الكثيرة التي تتركز بالمجال العلمي والفكري والأدبي، ولا أجد متسعاً لشخص بل أشخاص آخرين جدد، مع وجود علاقات صداقة عميقة تشبع نسبياً حاجتي للمحبة والاهتمام، وراضية نسبياً عن طريقة حياتي هذه.
وبناءً عليه:
1- كرهت فكرة الزواج وتهربت منها قدر استطاعتي، رفضت العديد من الخاطبين لأسباب وجيهة من الخارج لكنها ذرائع للهروب من داخلي في الحقيقة، حتى أني لم أصل لمرحلة اللقاء بالخاطب في أي وقت رغم كثرة الخاطبين.
2- فقط تحت ضغط المجتمع والمحيط اضطررت لفتح الباب أمام الخاطبين لكنني وضعت شروطاً دقيقة للغاية وصعبة للغاية حتى إذا ما قدر لي الزواج تكون نسبة الخطأ ضعيفة جداً. ليس من أجلي فقط بل من أجل أطفال لا ذنب لهم قد يدفعون ثمن اختيار خاطئ من حياتهم ونفوسهم كما دفعت أنا وأخي.
3- ولأن الأب الموجود المفقود في حياتي قد ترك فراغاً كبيراً، وقد أمضيت حياتي وأنا أبحث عمّن يملؤه، فراغ القدوة ومصدر الأمان والمثل الأعلى في حياة الفتاة، فإنني وضعت شرطاً مهماً جداً وهو فارق سن كبير، فأنا أريد رجلاً يكون لي زوجاً وأباً وشريكاً وقائداً وقدوةً، ولا أستطيع تخيل وجود هذه الصفات في شاب من سني، بل لابد أن يكبرني ب10 - 15 عاماً، ولو أتيح لي عمر أكبر لطلبت ولكني لا أجرؤ على ذلك، لابد أن يكون قد وصل إلى مرحلة النضج والرشد لأتقبله وليملأ الفجوة التي بداخلي، ويهمني جداً تعليقكم على هذه النقطة، فهل برأيكم شرط السن هذا صائب؟ وبحثي عن الأب في الزوج مقبول وممكن التلبية أم أني أبحث عن سراب ولا يمكن لأحد أن يلعب دور أحد؟
وبناءً على ماسبق فقد كنت حتى عمر 22 سنة مُعرضة عن الزواج منصرفة إلى أحلامي وتحقيق ذاتي.. وكلي تعجب وفضول حول لهاث الفتيات وراء الزواج، لم أكن أجد أي وجه جميل له لكن الله سبحانه شاء أن يعرفني على هذا الوجه لأول مرة ويشعرني بحاجتي ونقصي فوجدت نفسي بلا استئذان منغمسة لأول مرة في التخيلات الجنسية، أو ما علمت لاحقاً أنه الاسترجاز بالتخيلات، وطفا على السطح هذا الدافع الذي أنكرته وهربت منه سنين طويلة، وطبعاً لم أستطع منذ ذلك الحين التخلص منه، عشت معه صراعاً مريراً وعاملته على أنه مرض واضطراب، وقد كان فعلاً يأخذ مسلكاً قهرياً في بعض الأحيان فأجد نفسي مسلوبة الإرادة لأيام تحت وطأة هذه التخيلات، لتختفي عدة أشهر ثم تظهر بذات الشكل من جديد، وكان تواترها يزيد مع الأيام إلى أن قررت بعمر 24 تناول مضاد اكتئاب (سيرترالين) ليكبح جماح هذه النوبات (الاسترجاز بالخيال) التي بدأت تحاصرني رغم أني لم أكن أعاني من الاكتئاب أو القلق، وقد تحسنت فعلاً وأوقفت الدواء بعد 6 أشهر، لتعود الدوافع عودة أقوى وتتحول منذ سنتين إلى الاسترجاز باليد، تواتر متغاير، وسطياً 3 مرات بالأسبوع إلى مرة كل أسبوعين، صارعت هذا الفعل المخزي بالنسبة لي بكل أنواع الوسائل لكنني فشلت وتيقنت أن لا خلاص منه إلا بالزواج الذي حكيت لكم عن مكانته في حياتي آنفاً.
أنا لا أرى الزواج فرض عين على كل مسلم، أراه خياراً يقبل أو يرفض، كفرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل. وكخيار شخصي فإني لا أريد أن أظلم نفسي بالزواج من شخص غير مناسب لا يرضي تصوراتي وطموحاتي عن الزواج، وإن وجد فإنني أخشى أن أظلمه معي وأن أجد نفسي عاجزة عن إسعاده وعن تحمل مسؤوليات الزواج والأمومة بسبب طبيعة شخصيتي (التي هي ربما أقرب للفصامية مع الأسف) وأهدافي الخاصة.
ولكنني بالمقابل أعاني احتياجاً غريزياً لا أستطيع دفعه إلا بهذه العادة التي تشعرني بالخجل والعار ولا خلاص منها بغير الزواج. وقد قرأت في موقعكم وغيره مطولاً وعلمت أن هذه العادة غير قطعية الحرمة شرعاً بحد ذاتها، ولكنها بالمقابل لكي تحقق الغرض منها قد تنزلق بالإنسان إلى مشاهدة المشاهد الإباحية (حدث عدة مرات ثم تبت والحمد لله) أو تستنتزف مخيلته ووقته، وأنا في فترة الاختصاص ووقتي ليس بمعظمه ملكي.. ماذا أفعل؟ أشعر بالضياع والتشتت بسبب هذا الموضوع..
أفكر في الاستمرار في حياة العزوبية والعمل على مشاريعي الخاصة والاستمتاع بحياتي في حدود ديني وأخلاقي إلى أن يأتي الشخص المثالي المناسب الذي رسمته في أحلامي (ولا أظنه موجودا) وأن أتعايش مع هذه العادة كاستجابة طبيعية بديلة لاحتياج طبيعي غير مُلبّى وقد لا يُلبّى، وأن أقبلها في حياتي دون تأنيب ضمير طالما أنه لم يرد دليل قطعي شرعي على حرمتها.
فهل تفكيري صائب نفسياً وشرعياً ؟ أرجو النصح.
ولكم جزيل الشكر .
7/4/2020
رد المستشار
الابنة العزيزة.. طلب مني أخي د.وائل الرد على رسالتك، والتي أرى أنها فرصة كبيرة للنظر في قصة الزواج عند الكثير من الفتيات والشبان - في عالمنا العربي .. المحتاج لمراجعات عميقة تتناول كافة جوانب خبراته المتعثرة والمتجمدة والتي تفشل في تحقيق وعودها أو التوقعات المنتظرة من وراءها، وعلى رأسها الزواج
التنشئة الأسرية المرتبكة هي قاسم مشترك في حالة الكثير منا ، ويعطينا هذا مادة ثرية للعمل على ما تشوّه أو تفكك أو تفرق بداخلنا، وفي حالتك فإن نوعية الوالدين وطبيعة العلاقة بينهما وعلاقتك بهما قد أعطت حصادا تفضلت بوصفه، وأراك واعية ببعض جوانب نقصه أو اضطرابه، ورحلتك في الوعي والحياة تتضمن وربما يلزم أن ترتكز على استكمال استشكاف واستشفاء أو معالجة ما هو قائم أو متحرك أو متعطل فيك بالفعل
أزعم أن هذا المسار المنطقي كما أعتقد.... ليس هو المسار الغالب عند الأكثرية، بل يقفز كل واحد فينا من مربع ما يلزمه العمل عليه إلى مربع الارتباط بعلاقة تكمل نقصه أو ترمم ما انهدم فيه أو تعطل، وربما هو يركن أو يضع عالمه الداخلي جانبا، ويبحث عن إشباع احتياجاته الملحة، ليكبح جماح نوبات الرغبة - العادية، وفي غمرة الارتباك يختلط عنده الطبيعي بالمرضي
وصلني في رسالتك فوضى عارمة في التصورات والمعرفة تزداد تأثيراتها بالعيش في مجتمعات محافظة تحوّل فيها الزواج إلى ورطة مكتملة الأركان، والطلاق كارثة، وتأخر الزواج وصمة !! وأزعم أنك تحتاجين إلى مراجعات عميقة، وعمل دؤوب لاستكشاف وتفهم عالمك الداخلي - أكثر وكل جهد تبذلينه في هذا الصدد - أزعم أنه سيصب أيضا في تعديل وتصحيح موقفك من الزواج بشكل عام
أشكرك على رسالتك التي تحمل وصفا جيدا لخلطة شائعة تعشش في رؤوس الكثيرات، ثم نتساءل لماذا يفشل الزواج ؟؟ والفتاة في طموحها للزواج تبحث عن صورة مثالية، أو عن قضاء وطر بمضاجعة لا بممارسة استرجاز، وبعضهن تبحث عن ممول لطموحاتها البيولوجية، أو الدراسية، ومن يتخلف عن تلبية هذه المتطلبات تنتظره قائمة اتهامات جاهزة
وفي طرف الشبان لا تختلف الصورة كثيرا، فكم من شاب لا يريد الزواج بصورته المقبولة اجتماعيا، وربما لا يريد تكوين أسرة أو إنجاب أولاد وتحمل عبء تربيتهم، ولكنه مضطر ومجبور على هذا وذاك وربما أكثر لعله يقضي وطره الجنسي، ويكون الفشل ذريعا - من الطرفين - لأن الجنس والزواج علاقة مركبة جدا، تحتاج لانسجام وتوافق ونضج
ولم يقل لنا أحد أن علينا إصلاح بيتنا الداخلي أو نظامنا الداخلي قبل أن نتورط ونورط غيرنا في إقامة نظام أو بيت مشترك يجتمع فيه طرفان يحتاج كل منهما ويبحث عن ملاذ ومصحة علاجية - لا عن شريك فيه نقص ولديه ملفاته التي يلزمه العمل عليها
رائع أن يستمر نجاحك العلمي، وتحتاجين لدراسات وخيرات وتدريبات تعمل في مجال نموك النفسي والمجتمعي قبل أن تقرري ماذا ستفعلين بشأن الاحتياج الجنسي، وأرجو أن نستفيد أنا وأنت من تعليقات تستند إلى خبرات وتجارب لأخريات أو أخرين وربما قراءات، أما النصائح والمواعظ النظرية، فشكرا للنوايا الحسنة التي تكمن وراءها.
وتابعينا بأخبارك