هل سأبقى جباناً طول حياتي؟
السلام عليكم... حقيقةً لا أعرف من أين أبدأ وصف المشكلة، لذلك سأبدأ بجذورها وأنت ستعرف المشكلة في النهاية.
بدايةً مذ كنت صغيراً كنت شخصاً خجولاً، مسالماً، لا يحب الخوض في المشاكل، وكنت أقضي أغلب الوقت في اللعب مع أختي الصغيرة بالدمى، كذلك مشاهدة الكرتون على التلفزيون، وأيضاً اللعب مع أقراني من الأطفال في الخارج.
حينما كنت طالباً في المدرسة الابتدائية كنت ذلك الشخص الخجول الجبان الذي يتعرض للتنمر دائماً من زملائه، كما يجب ذكر أن لون بشرتي الأبيض زاد المشكلة سوءً حيث أن أصغر موقفٍ محرجٍ مع أستاذي آنذاك أو مع زميلٍ لي كان يشعل وجهي احمراراً مما كان يجعلني محطَّ سخريةٍ ذلك الوقت.
بعد انتقالي للمدرسة الإعدادية لم يتحسن الأمر بل أعتبره أصبح أسوء من سابقه، حيث ازداد التعرض للتنمر من طرف الزملاء، بل وتعرضت له حتى من أشخاص لا أعرفهم أبداً، وربما من أشخاص يصغرونني حجماً إلا أني كنت جباناً ولم أجرؤ على الرد، حتى أني عندما رأيت أختي التي تدرس في نفس الإعدادية (تكبرني بثلاث سنوات) لديها حبيب لم أجرؤ على عتابها آنذاك أو محاولة شتمه أو ضربه، وبعد رؤيتها على تلك الحال عدة مرات قررت إخبار والدتي بالأمر.
بالنسبة لحصة الرياضة أظنك تعلم دوري فيها... بالتأكيد كنت ذلك الفاشل الذي لا يجيد حتى إمساك الكرة أو التحرك بشكل صحيح، ولم أكن أجيد أي رياضة، وكنت أُفضِّل البقاء احتياطياً بينما يستمتع البقية بوقتهم في مباراة الكرة الطائرة... وبالمناسبة أكثر ما كان يزعجني ذلك الوقت (ومازال يزعجني لهذه اللحظة) هو شكل جسمي الغريب فأنا لي جزءٌ علويٌ نحيفٌ، حوض عريض، دهون متراكمة في الأفخاذ والمؤخرة، تقوُّس أسفل العمود الفقري، ما يجعل شكلي كشكل الفتيات... ولا أخفي عنك أني لم أتوانى في ارتداء الملابس الواسعة التي تخفي هذا المنظر قدر الإمكان، ومازلت أفعل!.
بالنسبة للمرحلة الثانوية فقد كان التنمر أقلَّ حدَّةً، ولكن ليس ذلك بسبب تطور أو نضج في شخصيتي بالطبع.
انتقلت إلى الجامعة أخيراً، وبالتأكيد ليست هذه نهاية التنمر حيث تعرضت له من أحد زملائي في السنة الأولى، ما جعلني أكره الجامعة وأكره الذهاب إليها حيث كنت أتغيب كثيراً لهذا السبب، إلا أني انتقلت للسنة القادمة بعد اجتياز بعض الامتحانات الاستدراكية نهاية السنة.
بالنسبة للسنة الثانية ارتحت نسبياً من مُتَنَمِّر السنة الأولى كوننا لا ندرس مع بعضنا، وفي هذه السنة تمكنت من تكوين كثير من الصداقات، وأعتبرها أفضل سنة دراسية لي حيث نلت احترام زملائي ولم أتعرض للتنمر من أحدهم تقريباً.
مرت سنوات الجامعة بسلام، تعرضت للتنمر بضع مرات ليس من زملائي بل من أشخاص غرباء (في باص الجامعة، وفي الكلية)... اشتركت في نادي جيم محاولاً تغيير شكلي إلا أني لم أستمر فيه طويلاً بسبب الظروف المادية وتكاسلاً مني.
تخرجت من الجامعة وعدت للرياضة، وكان أثرها النفسي أكثر من الجسدي، حيث ساعدتني على زيادة ثقتي بنفسي والتخلص نسبياً من خجلي الزائد... شاركت في مسابقةٍ لأكاديمية الشرطة إلا أني فشلت في الاختبار النفسي الذي لم يفشل فيه أحدٌ غيري بسبب احمرار وجهي خجلاً لمُجرَّد التحدث مع الأخصائي النفسي.
الآن أنا شخصٌ في الرابعة والعشرين من العمر، عرفت فتاةً قبل سنوات وتعلقت بها، وننوي الزواج عندما أجد عملاً (مازلت عاطلاً عن العمل)... أمارس الرياضة بشكل غير منتظم، مازلت أتعرض للتنمر إلى اليوم، وكلما أعتقد أني أصبحت أقوى وأني لن أتعرض لمعاناتي السابقة مجدداً أجد نفسي ضعيفاً، جباناً، أرتعش خوفاً من أبسط موقفٍ يحدث لي (مثل شخص يأخذ مكاني في الطابور، أو شخص يعاملني بطريقة سيئة).
أحياناً أتساءل إذا كان جُبنِي وخجلي وضعف شخصيتي هذه أمراً وراثياً؟ هل عانى أبي وجدي من نفس ظروفي؟ أم أنها أمر مُكتَسَبٌ فحسب؟ أتساءل إن كنت أهلاً للزواج وتربية الأطفال وتحمل مسؤولية كهذه؟
هل أتعايش مع هذه المشكلة وأتحمل ما أتعرض له من معاناةٍ وظلمٍ فحسب؟ أرجو المساعدة فأنا تائهٌ جداً.
6/11/2020
رد المستشار
أهلا بك يا صديقي على موقع مجانين للصحة النفسية.
مع الأسف مجتمعاتنا لديها قابلية كبيرة لإمراض أفرادها، هذا في كل البشر لكنّه يزداد حدّة في المجتمعات المتخلفة التي لا تقدر قيمة الإنسان ونفسيته.
تراكمات التنمّر والأخطر منه الأفكار التي رافقته وبنَت صورتَك عن نفسك وثقتك بذاتك، شكّلت نوعا من السلوك الدائم وردود الأفعال التلقائية من خوف ورهبة. الخروج من هذا الوضع لا يكون بحل سحريّ أو نصيحة واحدة معجزة. لن يكون إلا بتظافر أمور وتداخلها، تغيرات بالتوازي بشكل بطيء، ستسمع لنفسك بالوقت الكافي للتغير والتحسّن دون لوم نفسك واحتقارها.
ممارسة الرياضة (ولو دون مركّب رياضي) مهمة، وأيضا نظام غذائي يقلل الشحوم عندك، فتضرب عصفورين بحجر واحد، تبني ثقتك بنفسك وتشعر بأنك قادر على التزام نظام معيّن، وتنحت جسدك شيئا ما، لتخرج من "عقدة الجسد" مرآة نفوسنا. أيضا ينبغي تعديل صورتك عن نفسك، معاناة الطفولة غير تحديات الرّشد، وقد اكتشفت أنّ الجامعيين أكثر احتراما وأكثر رزانة. وتغيير صورتك عن نفسك، متعلقة بشكل كبير بأدائك الاجتماعي، لأنني أفترض عندما تشعر بالرهبة من الاعتراض على أحد أخذ مكانك في الطابور (في مثالك) فهذا سيجعلك تؤنب ضميرك وتحتقر نفسك، ويشعرك بالدونية، بمعنى أنّ ثقتك بنفسك فكرة تتغذى وتتأثر بطريقة تصرفك مع الناس.
تنازلك عن حقك طريقة سيئة للتأقلم، وأيضا طريقة مسالمة مسمومة على المدى البعيد.
طبعا "إثباتك لوجودك وذاتك وحقك" في السياقات الاجتماعية، سيكون صعبا إن لم تُعالج رهابك الاجتماعي مع مختص نفسي، لأنني لاحظت أنّ لديك بعض أعراضه، وهو أيضا ليس حلا سحريا بل عبارة عن تعديل للأفكار وتدرب على سلوكات صحية وتوكيد الذات في مواقف مختلفة، بداية مع المعارف والأصدقاء اللطيفين، ثم المتسلطين، ثم الغرباء اللطيفين، ثم الغرباء المتسلطين بصفتهم التحدّي الأكبر والنهائي.
أما عن الزواج أنصحك ألا ترتبط الآن، ولا قبل أن تستقر في وظيفة معينة، لأن عدم استقرارك المادي مع وجود مسؤولية سيحطّمك نفسيا، وتبدأ بداية سيئة مع تلك المرأة، مهما كانت "لطيفة وحبوبة" فتحاسبك وتلومك وقد تحتقرك إذا ما علقت في ظروفك السيئة ومنعك الضغط والرهاب من تغييرها بسرعة.
فهي خطوات متوازية أو متتالية، الاهتمام بالجسد، تعديل الأفكار، عدم التنازل عن الحق، علاج من الرهاب الاجتماعي، استقرار مادي يخرجك من "وضع المراهق المتردد" إلى "وضع الرجل المتحكم".
وتمنياتي لك بالتحسّن.
وإليك بعض الروابط، التي قد توافق حالتك جزئيا أو كليّا وستعرف نفسك في تفاصيلها
مشكلة صديقي : قلق اجتماعي وربما اكتئاب
قلق اجتماعي متأخر البداية أم قلق واكتئاب ؟
اضطراب قلق اجتماعي: رهاب اجتماعي نماذجي
شخصية تجنبية أم فرط قلق اجتماعي ؟
قلق اجتماعي أو متعمم : الخروج من القوقعة
التعليق: السلام عليك يا "سامي"... بعد بسم الله الرحمن الرحيم أودُّ أن أُحَيِّيك على شيءٍ ربما أنك لا تعلم بوجوده في نفسك ألا وهو أنك تدرك على وجه الدقة نقاط ضعفك، وتستطيع أن تقف على حقيقة مشكلاتك، وهذا مستوى من الوعي والإدراك يفتقد إليه كثيرٌ من الناس.
إلَّا أن هذا الإدراك لم يُفدِكَ أو يكن له أثرٌ على جودة حياتك، وذلك لأن تحديد المشكلة لا معنى له وحده، ولا دور له في تحقيق الحل إن لم يتبعه السَّيرُ على خطواتٍ مرسومة ونهجٍ منطقيٍّ للتخلص من المشكلة.
أستطيع أن أُمَيِّز بسهولة من خلال وصفك لمراحل حياتك المتتابعة أنك لم تكن يوماً تسعى بشكلٍ جاد للتخلص من حالٍ لا ترضى عنه رغم معرفتك بأساليب ذلك غالباً... كنت لا تُجِيدُ كرة القدم ولا الطائرة، فلماذا لم تُجرِّب ألعاباً مختلفة؟ ألم تكن تعلم أنه ليس بالضرورة أن يكون الجميع موهوبين في هاتين اللعبتين؟ لماذا سارعت بوصف نفسك بالفشل؟ هل يُريحك ذلك؟... كنت تكره شكل جسمك وتقوُّس ظهرك، فلماذا لم تتبع حمية غذائية لتتخلص من دهونك؟ ولماذا لم تبحث عن بعض التمارين الرياضية لتصحيح القوام؟، بل أنك تحايلت على نفسك وقررت أن ترتدى ملابس واسعةً بدلاً من ذلك، هل يعقل هذا بالله عليك؟! أم أنك رضيت بنظرات التَّنمُّر أحياناً والشفقة أحياناً أخرى ورَكَنَتَ إلى ذلك؟
هذا النمط من الهروب من المشاكل بدلاً من محاولة حلِّها لم يتوقف عند مرحلتك الإعدادية، فحتى بعد وصولك لمرحلة ما بعد الثانوية ظللت نفس الشخص الخجول الذي تُعجِزُهُ أبسط المواقف... وحدث لك أن لم تُوَفَّق في اختبارات أكاديمية الشرطة، فهل حاولت أن تُنَمِّي مهارات "الثقة بالنفس والثبات الانفعالي" في نفسك؟ هل حاولت أن تقرأ أو تحضر مساراً علمياً (ولو على الإنترنت) حول كيفية تخطي المقابلات الرسمية؟... أنا شخصياً أشك أنك فعلت ذلك، وإلا لما كنت تكتب إلينا اليوم عن أنك على نفس الحال منذ وعَيتَ نفسك.
ثم إن الأمر لم يتوقف عند حد الهروب من المشاكل، بل إنك بدأت في مرحلة أخطر تحاول فيها أن تبرر هروبك من مشاكل وأن تُعزِيها إلى غيرك، حتى أنك تحاول أن تُرجِع كل ما أنت فيه خجل وضعف إلى الوراثة وأبيك وجدِّك، فهل هكذا سترتاح؟ هل ستتوقف عن جلد ذاتك حينما تقرر أن تؤمن بأن ما أنت فيه ليس بيدك، وأن حالك ليس ناتجاً عن تخاذلك أنت (وحدك)؟
الآن دعني أؤكد لك يا صديقي أن خجلك وضعفك، احمرار وجهك، كل هذا بيدك لا بيد غيرك، وتعرضك للتنمر طوال حياتك لم يكن إلا بسبب ضعف ثقتك بنفسك وتُقَهقُرِكَ الداخلي الذي كان يعكسه كلامك وسكوتك، حركاتك وسكونك، بل والذي ربما يصدمك سماعه هو أنك غالباً لم تكن محل تنمُّر ولم يكن يهتم بك إلى هذا الحد، ولكن عدم نضوجك الفكري واهتزاز ثقتك بنفسك هما ما خيَّلا لك ذلك، وبدأت أنت (الضعيف) في تبَنِّيه فهكذا صرت تترجم تصرفاتهم وكلماتهم بل وحتى نظراتهم، وإلا فلماذا كنت أنت من بين الجميع معرَّضاً للتنمر؟!
أما إذا كنت تريد أن تعرف ما إذا كنت ستظل جباناً طوال حياتك كما عنونت استشارتك... فالحقيقة أن الإجابة عندك أنت وحدك ولا دخل لي ولا لغيري فيها، لذلك دعني أنا أسألك "هل ستظل جباناً طوال حياتك؟"، إذا كنت تريد ذلك فهذا قرارك وتلك حياتك لكن لا تشكي وتبكي لنا أو لغيرنا بعد الآن وتحمَّل تبعات قرارك، أما إذا كنت تريد أن تتخلص مما أنت فيه وتنتقل إلى حالٍ أفضل (وهذا ما نتمناه لك نحن أيضاً) فالآن هو أنسب وقت لكي تخطو خطوات جادة وتبذل أَزيَدَ مما في وسعك في سبيل هذا التغيير، ولا ينبغي عليك أن تتأخر أو تترك نفسك رهن الأحداث والتقلبات بعد اليوم ظناً منك أنك قليل الحيلة (لأنك ليسكذلك فعلاً)، وأنا أتوقع أنك بإذن الله ستنجح في هذا التغيير لأنك كما قلت لك سابقاً عندك درجة عالية من الوعي والإدراك ستعينك في رحلتك. وكأول خطوة في هذا التغيير احرص على أن تجد لنفسك عملاً، ولاتترك نفسك عاطلاً فارغاً تحركك الأفكار حيث شاءت... ولا تطاوع نفسك في ترك الفتاة التي تحبها وتحبك خوفاً من المسؤوليات، فتلك المسؤوليات لم يولد أحد مننا وهو مهيَّأٌ ومستعدٌ لتحملها، ولكنها صفة نكتسبها من تراكم التجارب والخبرات.
أخيراً لقد كنت سعيداً وأنا أكتب لك هذه السطور لأنك قررت أخيراً أن تتحدث عن مشاكلك وما يؤذيك، لكني سأكون أسعد حينما تكتب لي المرة القادمة أنك خرجت مما أنت فيه وأصبحت شخصاً لا تُعَرقِلُه القلاقل، ولا تعجزه المواقف.
ولا تنسى أن تدعو لنفسك ولي يا صديقي.
أحمد عصام الدين