السلام عليكم ورحمة الله
أرجو منكم في البداية أن تعذروني، حيث إنني لا أجيد كتابة المقدمات، ربما لأني لم أعتد على ذلك، أو ربما لأنني لم أفكر يوما في أن أكون في هذا الموقف الذي يجعلني أستعين بأحد ليعينني على حل بعض المشكلات الخاصة بي. لن أطيل عليكم، أنا أبلغ من العمر 21 عاما، أعاني من بعض المشكلات سأعرضها عليكم كالتالي:
أولا- العصبية الشديدة: وهذه من أكبر مشكلاتي حيث إن أتفه الأسباب يمكن أن تستفزني وتدفعني إلى الغضب، مما يترتب عليه الكثير من التصرفات الحمقاء والتفوه بألفاظ نابية، أحيانا أندم عليها حين أستعيد وعيي، خاصة أن تلك التصرفات والألفاظ لا تليق بمستواي الاجتماعي أبدا، مما يجعلني أضحوكة للجميع عند التصرف بهذه الطريقة، لم أكن هكذا سابقا، كثيرا ما كنت أوثر السكوت والإعراض عن الرد ولكنني لم أعد أحتمل الوقوف صامتا خاصة في بلد مثل بلدي، حيث إن صمتك وإعراضك قد يكون سببا في تجرؤ الناس عليك أكثر، والأغرب من ذلك أنني أضيع الكثير من وقتي وأنا مستشاط غضبا من ذلك الآخر الذي أغاظني، أقوم بقتله في خيالي ألف مرة، بل فكرت جديا في القتل سابقا ولكنه لم يتعد مجرد التفكير.
ثانيا: أما المشكلة الثانية التي أعاني منها فهي سوء الظن بالآخرين: حيث إنني لم أعد آتمن معظم من أعرفهم ولا أثق بهم، أنا لست مصابا بجنون الارتياب، لأني طالما مددت يدي للآخرين عند احتياجهم لي، ولكن معظمهم يتهرب مني عند احتياجي إليهم، ناهيك عن الكثير من المعاملات التي تظهر فيها معادن الناس الحقيقية والتي طالما خيبت أملي، والمشكلة هنا تكمن في أنني أصبحت ألاحق الجميع بالاتهامات، وأشكك في نواياهم حتى طال سوء ظني من لا أعرفهم أيضا، وهذه الأمور لم تؤثر هذا على علاقاتي بالآخرين، ولم تتأثر تعاملاتي معهم، فما زلت أتعامل مع الجميع بالحسنى قدر استطاعتي، ولكنني لم أعد أنتظر من أحدٍ الكثير، ولكن ما يؤذيني هو افتقاد الأصدقاء المقربين، فأنا نادرا ما أجد من أتكلم معه عن نفسي أو مشاكلي، ربما لهذا لجأت إليكم حيث إنني لم ألمس فيمن حولي الخبرة والحكمة الكافية لإرشادي .
ثالثا: والمشكلة الثالثة هي تناقضي في التفكير والتصرفات، أو بمعنى آخر ضعف نفسي أمام أهوائها رغم أنني أُسست على الحق وإيماني به لا شك فيه، ولكنني أضعف أحيانا أمام الكثير من المغريات مما جعلني أقع فيها، لم أقع في الكبائر وأحمد الله على ذلك، ولكنني كنت أقرب ما يكون إليها، أعتذر عن عدم ذكر ما وقعت فيه، أعرف أنكم تحتاجون دائما إلى المزيد من التفاصيل ولكنني أحتفظ بهذه لنفسي!! ربما لأني أشعر بالخزي منها فعلا .
بقي شيء آخر أريد أن أقوله فيما يخص هذه المشكلة هو أن كثيرا من تلك التناقضات تحدث لي على حسب الحالة النفسية، فأنا أفضل ما يكون ومعنوياتي مرتفعة، وأسوأ ما يكون عندما تكون معنوياتي منخفضة إلى أقصى درجة.
رابعا: أما المشكلة الرابعة فهي "السلبية"، ولا أقصد بها سلبية الآراء والأفكار، لكنها سلبية الأفعال والأعمال فكثيرا ما أتخلى عن الكثير من الأشياء التي يجب علي فعلها وذلك ابتداء بدراستي وانتهاء بالكثير من الكتب التي أريد قراءتها بل حتى ممارسة الرياضة، وكذلك الالتحاق بدورات تعليم برامج الحاسوب التي طالما يحثني أهلي على الالتحاق بها. أما أسباب ذلك التكاسل فهي تفضيلي لمتعتي وأهوائي على المصلحة الخاصة في كثيرٍ من الأحيان، بالإضافة لقلة الصبر ووهن العزيمة (وهذه أسوأ عيوبي على الإطلاق)، فضلا عن بعض الحجج التي تطلق عليها أمي اسم شماعات مثل أنني لا أريد الالتحاق بدورات الحاسوب مثلا لأنني لا أريد أن أرهق أبي ماديا؛ حيث إن المتميز منها يتطلب أموالا كثيرة.
خامسا: ومشكلتي الخامسة هي أني دائما أتردد في اتخاذ القرارات، فقد أقضي نصف الساعة في التفكير والمقارنة والتفضيل بين هذا وذاك، وقد لا أختار أيا منها في النهاية.
سادسا: أما المشكلة السادسة فهي ضعف التركيز الشديد، وضعف التذكر أيضا، ولا أدري لماذا حل بي هذا، رغم أنني كنت أتمتع بقوة حفظ تعجب منها الجميع حتى شيخي الذي كان يحفظني القرآن عندما كنت في الخامسة من العمر حيث كنت أحفظ ما أقرؤه من آيات جديدة بالنسبة لي بعد مرة أو مرتين من قراءتها لأول مرة.. أما الآن فأصبحت تشكل المواد النظرية في دراستي عائقا كبيرا؛ حيث إنه لم تعد لدي القدرة على الحفظ على الإطلاق.
أما بالنسبة للتركيز فقد أقضي ثلاث ساعات في دراسة فصل واحد يتكون من 25 صفحة مثلا، قل استيعابي كثيرا ولم يعد كما كان، غالبا ما يشرد ذهني في أثناء المذاكرة بالذات في أشياء عجيبة، على سبيل المثال: التفكير في أمور فعلتها في صغري، وأتعجب من نفسي وأتساءل: "كيف كنت بهذا الغباء؟" و"لم فعلت هذا؟"، التفكير في مستقبلي وكيف سيكون، تخيلي نفسي أبا ولدي ابن أو ابنة: كيف سأربيه وأجعله متفوقا على أقرانه، ناهيك عن التفكير الكثير في حال الأمة وكيفية الخروج من حالها البائس.. كذلك بعض الأفكار التي تراود الكثير ممن هم في سني، كالتفكير كثيرا في زوجتي، وكيف ستكون، وهل سأحسن اختيارها أم أسيئ فأقع في تلك المشاكل التي أسمع وأقرأ عنها في كل مكان؟ كيف ستكون مضاجعة امرأة، وهل سأحسن هذا أم أكون مغفلا، هل سيطول حبي لها أم ستنقلب بمرور الوقت إلى علاقة روتينية بحتة كما أرى حولي؟ هل ستسير أموري في الحياة عامة كما أريد، أم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن؟ أعتقد أن هذا عينة كافية من أفكاري.
سابعا: لا أعرف ماذا أسمي هذه المشكلة لكن سأقص عليكم ما قد يفيدكم في تلك المشكلة التي لا أستطيع التعبير عنها بمصطلح محدد: ابن عمتي أحد الشباب الذين لا اتجاه لهم في الحياة، أو هو بمعنى أصح إمعة، وقد اختلط في هذه الأيام بشباب يدعون أنفسهم متدينين ولكنهم مضيقون ومتزمتون وحمقى إلى أقصى ما يكون، وقد ظهر هذا في آرائه وكلامه وأفكاره وإفتاءاته أيضا!!.
أصبح يكذّب هذا ويبدّع ذاك، ويفسق أولئك، سأقص عليكم بعض ما قاله في أمور مختلفة تناقشت فيها معه، على سبيل المثال قوله "أن مررت بقبور النصارى فالعنهم"، "لا يليق بعمرو خالد التحدث في أمور الدين وهو يلبس بدلة وكرافته"، "لا يجوز للمرأة ارتداء قمصان النوم؛ لأن في هذا تشبها بالكافرات"، وعاب على الشيخ يوسف القرضاوي ووصفه بكذا وهو العالم الجليل وذلك لأنه استضافته مذيعة في إحدى البرامج؛ ولأنه نعى البابا يوحنا بولس حينما مات، ناهيك اتهامه لجميع الدعاة تقريبا بالتقصير!.
وعندما سألته عن مصادره وقراءاته أتى لي بأسماء غريبة وكتابٍ أغرب، وفي نهاية النقاش التزمت أنا الصمت لإدراكي أنه جاهل والوقت أغلى من أن يضيع مع شخص مثله، ولكنني كلما تذكرت تلك الحادثة وأحداثا أخرى مماثلة آثرت فيها الصمت ثار غضبي وتمنيت لو رأيته في الحال وأخبرته أنني أبغضه بغض المؤمن للنار، وأن أبصق في وجهه بل أقتله لأنني أرى في ذلك تخليصا للبشرية من شرور فكره الأحمق، ولكن لم تحن الفرصة؛ فلم أقابل ابن عمتي هذا منذ ذلك اليوم ولكنني نويت مقاطعته نهائيا لأنني لن أحتمل نقاشا آخر معه أو حتى النظر في وجهه بعد الآن.
أرجوكم لا تقولوا لي أن أحاول إقناعه بالحسنى فلن يستجيب حتى وإن اقتنع بكلامي فلن يعترف بهذا، أو حتى يكنه في صدره، سيجادل ويكذب عنادا واستكبارا، ربما تسألونني: كيف حكمت عليه بهذا؟ وسأقول لكم: إنني ربما ما زلت صغيرا ولكنني تعاملت مع الكثير من الناس وتعايشت مع الكثير من الأفكار والآراء واختلطت بجميع طبقات المجتمع تقريبا، أستطيع فهم من يحاورني من نبرة كلامه ونظرات عينيه، وقلما أخطئ في تقديري للآخرين، وبناء على هذا قلت رأيي، وما أرجوه منكم أن تفيدوني بحكمتكم عن طريق كلمات أتذكرها كلما استشطت غضبا في حالة تذكري أمرا كالذي سبق ذكره.
سأتوقف عند هذا الحد حتى لا أرهقكم بأعبائي الكثيرة، وأعتذر على الإطالة، وأرجو ألا تقسو علي في ردكم، أو يحمل تعبيركم بعض السخرية أو التهكم، أعلم أن أسلوبي يبدو مستفزا في بعض الأحيان ولكن بدون قصد؛ لذا أرجو أن يتسع صدركم لي.
2/7/2024
رد المستشار
أخي العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنت محبط كثيرا من الناس، ولا تثق بهم على وجه العموم وخبراتك معهم (أو صورتهم لديك) جعلتك لا تطمئن إلى نواياهم، بل تتوقع منهم الشر غالبا ولذلك تسيء الظن بهم ولا تثق بأحد ولا تأتمنه على أسرارك، ولذلك صرت وحيدا خائفا محبطا غاضبا ساخطا، وقد يصل غضبك في بعض الأحيان إلى نوع من العدوان اللفظي (التفوه بألفاظ نابية لا تتفق ومستواك الاجتماعي)، ويصل في أحيان أخرى إلى تصرفات حمقى بل إلى رغبة في القتل، وهذه هي ثلاثية: الإحباط الذي يؤدي إلى الغضب الذي يؤدي بدوره إلى العنف.
ونظرا لتراكم المشاعر السلبية بداخلك فإنها تحدث ضغطا داخليا هائلا يجعلك قابلا للانفجار الانفعالي مع أي ضغط نفسي أو اجتماعي تواجهه، وهذا ما يظهر على السطح في صورة عصبية شديدة وصفتها أنت بأنها أكبر مشكلاتك. وهذا الضيق والضجر بداخلك يجعلان قبولك للآخر صعبا خاصة إذا كان الآخر يتبنى موقفا مصادما لك كمثال ابن عمتك الذي يكره الدعاة المعتدلين، ويسبهم ويشكك في نواياهم ويتبنى مواقف شديدة التطرف تجاه النصارى (حتى الأموات منهم) ويأخذ موقفا متصلبا يصعب نقاشه فيه فضلا عن تغييره، وأنا لا أنصحك بنقاشه لأن لديه نوعا من التطرف الفكري يجعل النقاش معه غير ذي جدوى غير أنه سيحدث لديك حالة من الإحباط والغضب ويوقظ بداخلك مشاعر عدوانية تضاف إلى ما لديك من عدوان تجاه الآخر.
وهناك مشكلة مشتركة لديك ولدى ابن عمتك (مع اختلاف شكلها ودرجتها وتوجهها) وهي العلاقة بالآخر تلك العلاقة المشحونة بالرفض والكراهية وسوء الظن وعدم الثقة، وهذه تشكل سمات بارانوية تجعل صاحبها يتبنى موقفا عدائيا تجاه الآخر المختلف، ويتبنى قانون القوة والسيطرة ويرفض قانون الحب والتعاون.
أرجو أيضا أن تلاحظ توقعاتك السلبية حتى في ردنا عليك وطلبك أن لا نسخر منك أو نتهكم أو نقسو عليك، وهذا نموذج لتوقعاتك السلبية من الآخر أيا كانت صفته أو قربه منك. وهذا الموقف يجعلك تمتلئ بالمشاعر السلبية التي تنفجر مع أي ضغط نفسي أو اجتماعي، وهذا يؤدي إلى حالة من عدم الارتياح الشخصي وعدم التوافق مع الناس، وحالة من القلق النفسي. كل هذه المشاعر والمواقف السلبية هي التي تؤثر في وظائفك النفسية المختلفة فتجعلك ضعيف التركيز وغير قادر على الحفظ أو المذاكرة.
والعلاج يتمثل في مراجعة موقفك من الآخر بحيث يكون واقعيا فيرى فيه جوانب الخير وجانب الشر ويحاول أن يتعامل مع جوانب الخير فيه كلما كان ذلك ممكنا، وأن لا تركز تعاملك مع الجوانب السيئة في البشر. وهذا لن يحدث إلا إذا قمت بخطوة أولية وهي قبول نفسك بما فيها من خير وشر ثم محاولة توسيع رقعة الخير فيها والكف عن إسقاط الجوانب العدوانية التي لديك على الناس فتراهم دائما أشرارا وعدوانيين ومتآمرين، وأن تنمي بداخلك قانون الحب الذي يقوم على التراحم والتكافل والتعاون وعمل الخير وإعمار الحياة، وأن تدرك أن الآخر ليس شيطانا ولا ملاكا وإنما يحمل بداخله (كما تحمل أنت) دوافع للخير ودوافع للشر، وكلما جاهد الإنسان نفسه في تنمية دوافع الخير لديه كان خيرا واستطاع أن يدرك الجوانب الخيرة في الناس والحياة.
أما إذا اتسعت مساحة الشك والعدوان وعدم الثقة فإن الإنسان يسقط الكثير منها على الآخرين فيراهم أشرارا بالضرورة ويتوجس منهم خيفة ويرفضهم ويكرههم ويجد نفسه في صراع دائم معهم، ويشقى هو مرتين: مرة بمشاعره السلبية التي تضطرم داخل نفسه، ومرة أخرى بمعاناته مع الناس.
والعقيدة الصحيحة وبرنامج العبادات يساعدان كثيرا في تصحيح الخريطة الذهنية التي تعطينا التصور لأنفسنا وللآخر فنحن من خلق الله كرمنا الله على سائر مخلوقاته، وبداخلنا قابلية للخير وأخرى للشر، ومنحنا الله إرادة حرة ومنهجا قويما لندعم خيارات الخير ونقاوم خيارات الشر، والعبادات تهيئنا وتساعدنا على ذلك، وفعل الخيارات (لوجه الله) يوسع بداخلنا مساحات الخير وينشط استقبالنا للخير لدى الآخرين.
التعليق: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي جمال قد تعاني من 3 أنواع مشاكل رئيسية الناتجة عن: سوء التغذية، قلة التحصن بالأوراد الشرعية، إهمال الرياضة والسهر والنوم بعد الفجر، فالأول: عليك بالتغذية الصحية والتقليل من الأطعمة الجاهزة والسريعة ويكتفي بالعسل الطبيعي مع كوب ماء كل صباح، أو 7 تمرات على الريق، أو ملعقة زيت زيتون طبيعي بحسب طاقتك المالية، وعليك بالتحصين نفسك لازماً إلى الأبد ما دمت حياً من كتاب "حصن المسلم" وعقب كل صلاة مفروضة، والكتاب متوفر مجاناً في الإنترنت، وختم القرآن كل شهر بحيث تواظب على قراءة كل يوم جزء بطريقة التدبر والتفكر، وممارسة الرياضة المشي لمدة ساعة يومياً في جو نظيف مثل حدائق أو متنزهات لكسب أوكسجين، خلال شهرين سوف ترى نتائج إيجابية، وهذا الجدول لابد على كل إنسان يواظب عليه، لأن النفس والشيطان يتعب قلب بني آدم، ويسبب له الهموم والغموم والضيق والغضب، وسوء التغذية يدمر الجهاز الهضمي والعقلي والذهني، مما يسبب له تصرفات غير سوية، و إهمال الرياضة يثبت عمل الهرمونات والغدد المسؤولة عن السعادة و التفكير والإبداع والهدوء.