السلام عليكم ورحمة الله
نوهتم أنكم تحبون تسجيل قصص وتجارب النجاح، ولقد وجدتها فرصه سانحة أن أشارك أختي صاحبتي مشكلة: الشك والحقيقة ورقعة الشطرنج.. زوجي دنجوان ومشكلة الإسلام المظلوم وعوالم الشات..، أعتقد أنني قد لا أضيف جديدا، ولكن قيمة حديثي أنه تجربة واقعية آتت ثمارها، وهو ما قد يبعث الأمل في نفوس الأختين الفاضلتين.
وأعتقد أن نقطة البداية في تعامل الزوجة التي تكتشف خيانة زوجها تكمن في الكف عن الشعور بمرارة الخيانة وجراح الكرامة والكبرياء وغير ذلك، وهو ما يروّج له الإعلام عندنا؛ فالزوج الذي يخون زوجته يكون في هذه اللحظات إنسانا ضعيفا وكلنا ضعفاء إلا من عصم الله، هذا الزوج خان العهد الذي بينه وبين الله سبحانه ومن هان عليه عهده مع الله فلا يصح أن نلومه على خيانة عهد المودة مع زوجته.
أنا أعلم تماما مرارة هذا الإحساس وقسوته، فهو والله أمرّ من العلقم وجراح القلب النازفة تظل تقطر ألما لفترة طويلة، والخوف على الحبيب من غضب الله والخوف من فقدانه إلى الأبد على طريق الغواية أشد إيلاما، لكن الفرحة بعودة الطائر الشارد إلى عشه، والشعور بالرضا لأن الله سبحانه مكنني من التحليق خلفه وعزف لحن الحب الجميل على أسماعه واستمالته بكل الوسائل، حتى أعدته إلى عشنا وإلى ثمار حبنا الكبير (أولادنا الأحباء)، لم يعنّي على التغلب على هذه الآلام ولمّ شتات نفسي في أشد اللحظات قسوة إلا لجوئي لله واعتصامي به وطول السجود بين يديه، وأنا أدعوه أن يمدني بقوة وأن ينزل عليّ سكينة من عنده وأن يلهمني الصبر.
لا أنكر أنني حتى الآن – وبعد مرور ما يقرب من عام - ما زلت أشعر ببعض الغصة في حلقي، وأشعر أن عَبراتي توشك أن تنسكب كلما تذكرت هذه الأيام، ولكن شتان بين هذا الشعور وبين قسوة أيام المحنة الأولى.
بعد الاكتشاف هناك مرحلة الاختيار التي يجب أن تأتي بعد سكون النفس قليلا والتماسك من هول الصدمة، وكان الاختيار بين أمرين: إما الاستمرار مع الستر وسلوك كل سبل العلاج، أو الانفصال. ساعتها فكرت في أنه - زوجي وحبيبي - يوشك أن يقع في الهاوية؛ وأنه على شفا حفرة من نار، فهل يتخلى المحب عن حبيبه هكذا وبكل بساطة؟ أين عهد المودة بيننا؟ كيف أتخلى عن حب العمر وأتركه للضياع بهذه البساطة؟ ولماذا لا يتحول هذا الحب لسياج يحميه من الوقوع في الزلل؟ وماذا لو كان ابني هو الذي يسلك طريق الغواية ويتبع خطوات الشيطان؟ هل كنت سأتركه أم أظل بجواره وأحيطه بحبي وأطرق كل السبل لأنأى به عن خسران الدنيا والآخرة؟ ألست أنا التي تردد أن على المرأة أن تعتبر زوجها أكبر الأبناء وتضعه دوما في بؤرة اهتمامها؟ لماذا لا أحاول معه ولماذا لا أستخدم كل أسلحتي الاستخدام الأمثل لأظفر بزوجي في الدنيا وفى الآخرة.
في هذه الفترة كنت أتابع صفحة "استشارات مجانين" بانتظام، وأتعلم من المشاكل الموجودة بها، وأحثه على قراءة بعضها أو أحكي له ما يفيد من هذه الموقع مجانينها، وقرأت مشكلة أختنا بعنوان: الإسلام المظلوم وعوالم الشات، وشعرت أنها شبيهة جدا بمشكلتي. كما راسلت الإخوة في الباب أكثر من مرة جعل الله جهدهم في ميزان حسناتهم، وكان خلاصة ما توصلنا إليه استخدام:
1. الحب والتودد أو بمعنى أصح الإغراق في الحب، وإشعار زوجي أنه أعز إنسان في حياتي، والتأكيد على أنني لا أستطيع العيش بدونه.
2. الإشباع الجنسي ومعرفة كل ما يحبه وكل ما يريده وكل ما يثيره من حركات وكلمات، والتعبير عن شوقي الدائم له، وإظهار سعادتي الغامرة بالدقائق التي تجمعنا معا وبكل وسائل التعبير، وتعلم كل فنون الإثارة والإغراء لأجله ولأجل حبنا الكبير، وببساطه شديدة التحول إلى ممثلة إغراء بين يديه – إن جاز هذا التعبير.
3. رفع الإيمانيات بكل الوسائل الممكنة، وأهمها بالنسبة لي كانت حوارات من القلب - وبكل الحب والرقة - تذكره بحلمنا الجميل أن يجمعنا الله معا وبكل من نحب في مستقر رحمته.
4. تجنب التقريع واللوم والتجسس، رغم أن الشك كان يقتلني في أحيان كثيرة، والتذكرة كلما ضعف برحمة الله وفرحته بتوبة العبد، وبأنه سبحانه يغفر الذنوب جميعا ويحولها لحسنات إذا تاب العبد ورجع وأناب.
5. التأكيد على رفض الحرام بكل أشكاله، فإذا أراد الزواج الثاني فليتزوج على أن يتحمل تبعات اختياره في الدنيا والآخرة، ومع التأكيد على أنني لن أقبل أي ظلم، سواء أكان ماديا أو معنويا لي ولأولادي، فإن كان قادرا على العدل والوفاء بالتزامات أسرتين وزوجتين فليتوكل على الله.
6. مشاركته اهتماماته وهواياته حتى أصبحت الإنترنت صديقة لنا، والبحث عن اهتمام مشترك يحتوينا معا، وأحمد الله أن وفقنا لعمل يشغل كل ما هو متاح من وقتنا وذهننا وأدعو الله أن ينفع به الإسلام والمسلمين وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم.
الأختان الحبيبتان: لقد عاد زوجي لي ولأطفالنا أفضل مما كان، عاد وهو يقدّر لي وقفتي بجواره، عاد وهو يحمد الله أن وليفته كانت حريصة عليه وعلى عشهما وأنها لم تعمل على هدم المعبد على رؤوس الجميع، عاد وهو يتيه فخرا وحبا لي، عاد وهو أكثر قدرة على العطاء العاطفي والمادي لي ولأولادنا، فلله الفضل المنة من قبل ومن بعد.
ولقد صغت خلاصة تجربتي في تعامل الزوجة مع أي مشكلة تواجهها مع زوجها في معادلة بسيطة الكلمات ولكنها عميقة جدا في تأثيرها: استعانة بالله فهو خير معين + أمل في فرج الله لا يتطرق إليه يأس + حب وعطاء بلا حدود + صبر بكل ما تحمله هذه الكلمة من معان + فهم عميق لطبيعة الزوج (فما يصلح مع زوجي قد لا يصلح مع غيره) وحكمة شديدة في التعامل، مع إصرار على تغيير العيوب ولكن برفق، فالحكمة تقتضي أن نضغط على العود ضغطات متوالية ومستمرة ولكن بقوة محسوبة تُصلح ما فيه من اعوجاج بدون أن تكسره.
أختاي الحبيبتان: الحمد لله الذي منّ علينا بهذا الباب الذي جعلنا نتواصل من خلاله عبر حجاب الإنترنت، وأدعو الله أن يُتم عليكما نعمته، وأن تفرحا قريبا بصفو الحال مع أزواجكما،
وجزى الله عنا خيرا كل من ساهم بجهد في إنشاء واستمرار هذا الموقع وهذه الصفحة.
6/11/2024
رد المستشار
والحمد لله الذي منّ علينا بالفهم في دينه ودنياه ورزقنا القدرة على التفهيم ووصف العلاج الناجح أحيانا. هو سبحانه صاحب الفضل الأول والأخير، والمستمر دوما، وهو الذي جعله حقا على نفسه سبحانه "وكان حقا علينا نصر المؤمنين".
أحسنت يا أختي الكريمة في الفهم عنا، وفي التماسك أمام مشكلة تفتت حياة العديد من النساء والأسر بسبب هشاشة تكوين النفوس، وضعف القدرة على مواجهة المحن بعقل ثابت، وإرادة صلبة، وللأسف فمن المتوقع بسبب غياب العقل والإرادة وشيوع الانحلال، وقلة الحيلة ونقص الوعي والتقوى... أن تزداد حالات الخيانة الزوجية في الأعوام القادمة!!!.
زرت أهلنا في لبنان الحبيب منذ أيام، وهناك قال لي أحد الإخوة ممن رافقوني في زيارة لبعض مؤسسات العمل الأهلي، وكنت قد أخبرته عن تجربتنا في هذه الصفحة/النعمة... فسألني: أليس من الأجدر أن تكون لدينا من البرامج ما يحول بيننا وبين الوقوع في الخطأ بالوقاية بدلا من مقاساة آلام وتكاليف العلاج؟ وتأملت في كلماته فوجدت أن ما يصلح للعلاج فإنه يجوز – مع بعض التعديل - أن يصلح للوقاية، ومن كلمات رسالتك وتفاعلا معها أقول:
- أليس من الأفضل أن تنتبه الزوجة وينتبه الزوج إلى مداخل الشر، ومنابع الخيانة ومصادرها وتهتم الزوجة بنفسها وزوجها فتكون له أمّا في الحنان وممثلة إغراء - على حد تعبيرك - في العلاقة الحميمة بينهما وسترا وغطاء ولباسا يعينه على التقوى جسدا وروحا وعملا في المجتمع؟! لماذا نحتاج إلى قارعة دائما لنراجع أنفسنا ونصلح أخطاءنا؟!.
- أليس من الأفضل أن نفهم من البداية مخاطر وآفاق الإنترنت ، والعالم الجديد الذي يفتحه أمامنا بذلك نافذة على دنيا أرحب وأوسع، ومدخلا لفوائد كثيرة، وجسرا لتجاوز الكثير من نواحي الضيق والتخلف الذي نعيشه... ولكنه أيضا يمكن أن يكون نافذة للشيطان بتضييع الوقت، وتسهيل المخادنة ونشر الفجور.. وبالتالي ينبغي أن نتدرب ونتعاون أزواجاً وزوجات، أباءً وأبناء، إخوة وأخوات، زملاء وزميلات علي تعظيم وتبادل المنافع، ومحاصرة المضار المحتملة لهذا الوسيط المعلوماتي والإعلامي العجيب الخطير؟!.
- أليس من الأفضل أن نتعلم من البداية فن الحياة، ومهارات إدارة العلاقات، وآداب المحبة وأصولها، وواقعية الدين ومرونته، وأسرار النفوس وحباياها فنتعامل مع المفاجآت بحنكة، ونتلقي الصدمات بحكمة؟! سائلين الله العافية للجميع.
أليس من الأفضل أن نتدرب على ملاحقة الكراهية وأشباحها ودواعيها، والتعبير عن الحب ومشاعره وتجلياته وإظهار الاهتمام والعناية بالشريك... والإنسان مفطور على الاعتراف بالجميل؟!!
- أليس من الأفضل أن تفطن الزوجة العاملة إلى المأزق الذي هي فيه، فهي مكدودة في عملها وعلمها ومنشغلة بأولادها وبيتها، ثم هي فيما تبقّى من وقت تحاول أن تلتقط ساعة نوم أو أنفاس سكينة ثم تعود لتندب حظها حين تلتفت فلا تجد زوجها إلى جوارها فتذهب تصفه بالخيانة والانحراف... إلخ، وهي التي غابت عنه أولا، وغفلت عنه في غمرة مشاغلها؟!!.
والحق أنني لا أعرف حلا بسيطا لهذه التركيبة المتشابكة وإن كنت أرى -وكتبت هذا وقلته- أن استعانة المرأة بشبكة اجتماعية داعمة من العائلة وجماعة الأصدقاء وغير ذلك يساعدها ويعطيها فرصة أوسع، ووقتا أكبر ولكنها ينبغي أن تكون عازمة وجاهزة فيكون الاهتمام بالزوج "مع سبق الإصرار والترصد"، وليس حسبما تتيح الظروف.
- أليس من الأفضل أن نعلم أن المجال الاجتماعي العام هو دائرة أساسية في حياة كل إنسان سويّ، ناهيك عن المسلم الذي يرجو رحمة ربه، والقيام بمسؤولية إيمانه، ولو كانت هذه هي القناعة المستقرة لدينا جميعا لما رأينا التدين الفردي الشكلي طاغيا بهذا الانتشار.. ولتحولت طاقات الحماس الديني ورغبة إرضاء الله عز وجل إلى قوة هائلة لخير الناس: من يبذل ومن يستفيد، فيكون المجتمع المسلم بحق متكاملا ومتكافلا لا يصرخ فيه جائع إلى لقمة أو إلى شهوة... ولدينا أطنان من فوائض الغذاء تذهب إلى القمامة.. وملايين من الشباب والفتيات في دائرة الاكتئاب والقلق والوساوس الجنسية والدينية وبقية أمراض النفوس... لحرمانهم من الأسرة ودورها، والجنس ونعمته.
أختي الكريمة:
لو تركت العنان للقلم يتجاوب مع ما تفضلت به من تفاصيل لما توقف، ولكن حسبي أنك فهمت الكثير قبل فوات الأوان، وأبيت إلا أن تشاركينا والقراء في قصة نجاحك، وهي سنة حسنة لك أجرها، وأجر من عمل بها، ولله الفضل كله، ومنه الخير كله، وعليه التوكل والاعتماد.