السلام عليكم.. أنا من المتابعين لموقع مجانين وأقول جزاكم الله خيرا وسدد خطاكم.. فقد استفدت الكثير منكم وجعل الله ذلك في ميزان حسناتكم.
لا أريد أن أقول إن عندي مشكلة لكنها حيرة وأرجو أن تدلوني على الحل الأصوب..
أنا طالبة جامعية عمري 21 سنة، كنت أدرس في إحدى الجامعات الحكومية وكنت من النشيطات في العمل الطلابي، وكنت قد أقمت علاقات اجتماعية واسعة ولدي من الصحبة الصالحة ما جعل حياتي الجامعية الأولى من أجمل أيام حياتي.
وكنت محبوبة من الجميع لما أتمتع به من مهارات التواصل مع الناس كالهدايا والزيارات والمكالمات والرحلات وغيرها، لكن ذلك كله كان على حساب دراستي ولم أوازن إلى أن انتهى بي الأمر بفصلي من الجامعة بعد سنتين ونصف من الدراسة.
ذهبت لأكمل الدراسة في جامعة خاصة في تخصص آخر قريب من تخصصي الأول أي لن يتأخر تخرجي إلا فصل، ومن المهم أن أذكر أنني وقفت مع نفسي عند فصلي وحاسبتها ووجدت أنني قد طغى اهتمامي بالصحبة والنشاطات على أشياء مهمة كعلاقتي بالله ودراستي وعزمت أن أعطيهما حقهما من الاهتمام واسمحوا لي أن أورد بعض النقاط هنا:
1- أعرف أن من السهل الإفراط والتفريط ومن الصعب التوازن، وفي الجامعة الخاصة آتاني بعض الفتيات من "صناع الحياة" ومن "مجلس الطلبة" حتى أعمل معهم فرفضت؛ لأنني أعرف من تجربة أنك في العمل الطلابي في موقعين إما أن تكون خارج الدائرة أو أن تكون في المركز وذلك لقلة العاملين من حيث العدد ولكثرة المهام.
وقد قيل لي أن من الناس من يستطيع الموازنة في الأمرين والتفوق بهما لكن الناس قدرات وأنا لا أستطيع ذلك؛ لأنني أحب العمل الطلابي وأكره الدراسة ومن الطبيعي أن أميل للذي أحبه، ومن بعد فصلي وأنا متمسكة بعدم المشاركة في النشاطات لحين تخرجي.
2- في الجامعة الحكومية كنت في كلية يكاد لا يكون بها شباب، ومستوى الالتزام أعلى وإن لم تجد ملتزما وجدت من عنده أخلاق، وإن لم يكن لديه لا دين ولا أخلاق تجد العادات والتقاليد وهكذا كانت بيئة مريحة، لكن في جامعتي الحالية كليتي صغيرة جدا وشبه معزولة عن الجامعة ويغلب عليها الشباب الذين يفتقرون إلى الأخلاق والدين وحتى العادات والتقاليد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
3- بالنسبة لكليتي فيغلب عليها الشباب أما تخصصي فيغلب عليه البنات، وهذا مريح لي، ومع أنني في الجامعة هذه منذ 7 شهور لم أجد صديقة -لا أريد أن أقول أخت في الله- فذلك الشرط بعيد المنال. أحيانا أطلب من بنت أن تدلني على الحمام فأكتشف أنها تدخن، ومرة تأتي فتاة وعلى يديها شاش وتسرد قصة طويلة على إصابتها وأحزن ثم أكتشف في اليوم الثاني أنها كذبة نيسان (أبريل)!!!! وفتاة تركت الحجاب بعد شهرين من دوامي بدعوى أنها لم ترتاح له، وأخرى مسيحية، وأخرى تقرأ القرآن في الفراغات البينية وملابسها تصف كل شيء وليست متحجبة.
4- في الجامعة الحكومية كنت مع بنات المصلى وهم ملتزمات لكن غلب على نشاطاتنا ودروسنا الهم السياسي والاجتماعي، ولم يكن هناك تربية إسلامية جادة في النواحي الروحانية وعلاقة الإنسان بربه. فقد أتوا ليبرهنوا على شمولية الإسلام ونسوا أهم شيء في الإسلام. وقد قيل لي أن بنات الجامعة الخاصة فرصة دعوية كبيرة لك لم لا تستثمريها؟ وأنا أعلم أن هؤلاء الفتيات فيهن الخير الكثير وما ذكرته لكم إنما هو الجهل والغفلة لا أكثر لكن الدعوة وخاصة الدعوة الفردية تحتاج إلى وقت ومتابعة وسؤال. هي كالبذرة لا يكفي طمرها في التراب، وكانت الناس تعاتبنا في الجامعة الحكومية أنكم تهتمون بالفتاة فإذا التزمت تركتموها وبما أنني وحيدة بينهم في التزامي فأخاف التأثر وإن اهتممت بهم أخاف أن تؤثر على دراستي فماذا أفعل؟
5- أما أهم ما في الأمر وآخره وآسفة على الإطالة أن هناك شخص واحد أرى فيه الالتزام -طبعا الملتزم في جامعتنا من يصلي ولا يصاحب فتاة ولا يدخن- وهذا الشخص في كليتي وليس في تخصصي لكن للأسف هو شاب وهو كإخوتي ملتزم ملتح ويلبس القماش ولا يدخن ولا يصاحب.
في الفصل الثاني وهو أول فصل لي لم أنتبه كثيرا من صدمة فصلي من الجامعة وصدمة بنات تخصصي وكنت أتعرف على الجامعة والناس، لكن في الصيف هذا الصيف نزلت مادة وكان الشاب معي في المحاضرة، وبصراحة كنت أفضل الوحدة على صحبة بنات تخصصي، وكنت في أوقات الفراغ أذهب إما للمكتبة أو للإفطار والحمد لله كان معدلي الجديد مرض. أسعدني وأسعد أبي، لكنني كنت ألاحظ أنه يراقبني، لا أدري أهو الوهم، أم الفراغ أم الحقيقة؟ فتجاهلت الأمر بمجاهدة نفسي على غض البصر، وأحيانا أنزل الدرج ويكون هو يريد طلوعه وما إن يراني حتى ينزل ويغير طريقه ولا أمر بمكان يقف فيه إلا يغادره عند مروري.
وفي إحدى المرات كنت أريد دخول "الدكانة" لأشتري وكالعادة ترك المكان ما إن رآني وعند دخولي. وكان في "الدكانة" مرآة جانبية ووالله من غير قصد رأيته في المرآة وهو ينظر لي لفترة وتأكدت أن ذلك ليس وهم، وأحسست بالضيق لأن مجاهدة نفسي الآن ستكون أصعب والشيطان وجد بيئة جيدة للعمل؛ أولا فلا توجد صحبة صالحة وثانيا لا أمارس أية نشاطات، وثالثا عم بعمل إشي ما بحبه وهو الدراسة.
ماذا أفعل بقي سنة ونص على تخرجي أنا "برضه" إنسانة.. والشيطان يزين لي التفكير فيه وبحاول ما أفكر لكن شو البديل؟
أشيروا علي جزاكم الله خيرا.
6/4/2025
رد المستشار
من فضل الله سبحانه وتعالى عليك أنه وضعك في هذه التجربة الصعبة؛ فالإنسان أحيانًا يعاني من مشكلة في شخصيته ولا سبيل لعلاج هذا الخلل إلا بعملية جراحية.
والمشكلة الحقيقية في شخصيتك، وفي طريقة تفكيرك، والتي تهدد حياتك كلها، هي: طريقة "إما.. أو" التي تسيطر عليك في تناولك للأمور، إما الإفراط أو التفريط.. إما الاندماج في العمل الطلابي لدرجة الرسوب والفصل، أو التفرغ للدراسة وهجر كل الأنشطة.
حتى في حديثك عن الناس فهم إما ملتزمون دعاة أو جهلة غافلون، وفي حديثك عن علاقاتك إما الوحدة المطلقة أو الأخوة في الله والصداقة الحميمة!
تقولين بكل ثقة: "أعرف" أن الإفراط والتفريط أمر سهل، أما التوازن فهو أمر صعب!
وتقولين بكل شك: "قيل لي" إن بعض الناس قادرون على التوازن.
تتحدثين عن "التوازن" على أنه أمر صعب بعيد المنال لا يمكن أن يكون في استطاعتك؛ لأنك لست من أولئك الناس القليلين القادرين على التوازن! ما هذا الكلام؟!
لذلك فأنا أكرر أنك كنت في حاجة إلى هذه العملية الجراحية القاسية، وهذه التجربة المؤلمة؛ لأنه قد آن الأوان أن تتعلمي "التوازن"؛ لأن التوازن شيء "نتعلمه" و"نتدرب عليه" ولا نولد به.
آن الأوان أن تعرفي أن الحياة ليست أبيض أو أسود، وأن المساحات الأغلب هي المساحات الرمادية، وأن "الوسط" أوسع كثيرًا من الأطراف، وأذكر لك بعض الأمثلة:
1ـ البنات المحيطات بك: ربما هن لسن داعيات إسلاميات، وربما منهن من لا تصلي، أو من تدخن، أو من هي ليست محجبة، ولكن يستحيل أن لا توجد بينهن فتاة أو اثنتان أو ثلاثة، أو أربعة، ذات أخلاق طيبة (حتى وإن لم تكن كاملة الالتزام ظاهريا)؛ لذلك فإن أول نصيحة لك هي: فتشي عن هؤلاء البنات.
2ـ علاقتك بهؤلاء الزميلات: ليس بالضرورة أن تكون علاقة "داعية" "بمدعوات"، وكأنك أنت من تقومين معهم بالدعوة الفردية، وهن يقمن بدور المتلقيات! فلماذا لا تأخذ العلاقة الشكل الوسط: الإخوة الإنسانية، أو شكل التواصي بالحق والصبر، أو شكل التشجيع المتبادل على الخير، والحب، والرحمة، والتعاون المتبادل أيضًا؟! وهذه هي النصيحة الثانية: كوِّني علاقات إنسانية إيجابية، وليس بالضرورة علاقات دعوية إرشادية.
3ـ درجة الزمالة والصداقة: ليس بالضرورة أن تصلي معهن لأقصى درجات الحب في الله من تفاهم وإيثار، وعطاء، ولكن لا بأس أن تكوني أيضًا في المساحة الوسط من الحب والإخوة، لا الغربة الكاملة، ولا التلاحم التام!! وهذه هي النصيحة الثالثة.
4ـ العلاقة بين النشاط والدراسة: ألم يحن الوقت لتتعلمي التوازن في هذه أيضًا؟ فهل يعقل أنك تهجرين الشيء الوحيد الممتع الذي تستمدين منه حيويتك؟ لقد آن الأوان أن تحاولي مرة أخرى، وأن تكوني أكثر توازنًا هذه المرة، وأن تضعي خطوطًا حمراء للنشاط لا تتجاوزينها.
وهذه هي النصيحة الرابعة، وآن الأوان أن تعودي لنشاطك مع صناع الحياة، وأن تتعلمي هذه المرة وتتدربي على أن تكوني أكثر توازنًا.
وأختم نصائحي بما بدأت به: لا بديل عن اكتساب القدرة على "التوازن"؛ فهذا السلوك ستحتاجينه طوال حياتك، وإذا لم تكتسبيه فإنك تحكمين على حياتك كلها بالفشل والضياع (التوازن في التفكير- التوازن في العلاقات- التوازن في الحكم على الناس- التوازن في الوقت وترتيب الأولويات).
يقول الله تعالى: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ المِيزَانَ أَلاَّ تَطْغَوْا فِي المِيزَانِ وَأَقِيمُوا الوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُوا المِيزَانَ}، فلا نستطيع أن نعيش بلا ميزان، وبلا توازن.
أما سؤالك عن الشاب، فسأجيب عليه في ثلاث نقاط: لماذا؟ هل؟ ماذا؟
لماذا تنشغلين به؟ السبب أن هذا هو السن الذي يزداد فيه الميل تجاه الجنس الآخر، بالإضافة إلى ما تعانين منه من فراغ ووحدة؛ مما أدى إلى تأجج هذا الاحتياج الفطري، فهذا هو سبب الانشغال.
هل هذا حب حقيقي محكوم عليه بالنجاح؟
والإجابة هي: غالبًا لا، فليس هذا حبًّا حقيقيًّا، وإنما هو كما ذكرت نتيجة الفراغ، والاحتياج الفطري المتأجج، كما أنك لا تعرفين أي شيء عن هذا الشخص، وليس منطقيا أبدًا أن نحكم على أحد من مظهره، وليس معنى أنه ينظر إليك أنه يحبك، وإن كان يحبك لقالها، وحتى إن قالها فليس هذا كافيًا؛ لأن هناك شروطا أخرى مثل: أن يكون كفئًا من الناحية الاجتماعية، وأن يمتلك الباءة، وأن يكون على قدر معقول من التدين "الحقيقي" وليس الظاهري، والأهم من هذا كله أن يدخل البيت من بابه، وأن يتم التعارف بينكما في إطار شرعي.
لذلك لا قيمة للنظرات أو حتى الابتسامات، وإنما العبرة باتخاذ موقف واضح وخطوة شرعية، فإن لم يحدث هذا فلا معنى لانشغال البال، وتضييع الوقت في أحلام وهمية.
والسؤال الأخير: ماذا أفعل معه؟ والإجابة في كلمة واحدة: تجاهليه!
ولكن المهم أن يكون هذا التجاهل من الداخل، وليس من الخارج فقط.
ابنتي.. الله سبحانه وتعالى كما وضعك في هذه التجربة فإنه قادر على أن يعينك؛ فلا تحرمي نفسك من طلب هذا العون منه؛ فإنه سبحانه وتعالى نعم الوكيل ونعم النصير.