أنا طالب بالفرقة السادسة في كلية الطب البشري. بدأت مشكلتي عندما كنت في إجازة السنة الخامسة وقد سافرت إلى المدينة المنورة بدعوة زيارة من والدي لقضاء رمضان هناك وكانت فرحتي كبيرة جدا فالحمد لله قد أنهيت امتحاناتي بكل ثقة أني سوف أنجح بامتياز مثل كل عام بعدما أديت ما علي وتوكلت على الله وقلت لنفسي فرصة أن أتفرغ للعبادة في شهر رمضان في المدينة المنورة وأقوم بأداء عمرة أو اثنين وكنت سعيدا جدا بهذا الفضل من الله وكنت أحدث أصحابي وأصدقائي بهذا فيقولون لي "يا بختك يا عم مين قدك هاتقضي رمضان في المدينة وتعمل كمان عمرة" كنت آخذ ذلك على سبيل الهزار والضحك وكنت أقول لهم بأسلوب ضحك "قل أعوذ برب الفلق" بطلوا حسد……
المهم لا أخفي عليكم أني كنت أقوم بذنوب ونزوات الشباب الذين في سني...... و...... لكن كنت سرعان ما أستغفر الله وأشعر بالندم الفظيع وأسارع بالتوبة والاستغفار وكنت على ثقة بأن الله سيغفر لي.. وحاولت كثيرا الإقلاع عن هذه النزوات ولكن سرعان ما كانت تغلبني نفسي ويغلبني الشيطان فأعود إليها ثانية….
ولكن عندما سافرت إلى المدينة المنورة عزمت عزما قويا على الإقلاع تماما عن هذه الذنوب وقلت فرصة لن تعوض فأنا سوف أقضي رمضان في أطهر مكان في الأرض وفي خير أيام السنة والشيطان مقيد فيجب أن أستغل هذه الفرصة للإقلاع تماما عن هذه الذنوب…..
المهم حتى لا أطيل عليكم الحمد لله أقلعت عنها فعلا نهائيا لمدة 30 يوم بفضل الله "بداية من أسبوع قبل رمضان ثم جاء يوم 22 في رمضان لتبدأ مشاكلي حيث بدأت تأتيني وساوس وأفكار غريبة عن القضاء والقدر وأن الله قد قدر كل شيء قبل خلق الخليقة فلماذا يحاسبهم إذا؟؟ وساوس ظلت معي طوال الوقت ليلا ونهارا!!!! حتى كرهت حياتي وكنت أفكر بالانتحار كثيرا، ولكن أعود وأستغفر الله فأخاف أن أموت كافرا والعياذ بالله….. ورغم ذلك لم أستسلم وكنت أذهب لصلاة التراويح والتهجد في المسجد النبوي الشريف…. ولكن هذه الأفكار كانت لا تفارقني ولو للحظة… فكنت أحاول أن أتخلص منها بكثرة النوم فلا أستطيع النوم فأقوم وأتوضأ وأصلي وأكثر من الدعاء لعل الله يخلصني من هذه الحالة وكنت أرتاح قليلا ثم لا تلبث هذه الأفكار بأن تعاودني مرة أخرى.. فذهبت إلى المكتبة وقرأت في كتاب "شفاء العليل في مسألة القضاء والقدر لابن القيم" لكن الأفكار زادت وكثرت أكثر من الأول. فلم أجد حلا إلا أن أخبر والدي بهذا لعله يدلني على الطريق الذي يخفف عني………… ولكنه تجاهل ذلك وقال: إن دي كلها وساوس سيبك منها وهي فترة وهاتعدي… وكلام زي ده….
المهم طلبت منه أن يسأل لي عن شيخ كويس أخبره عن هذه الأفكار وأسأله عنها… فعلا بعد إلحاح مني وبعد أن رأى تدهور حالتي النفسية وقلة طعامي وكلامي معهم في البيت استجاب لطلبي وسأل عن شيخ فدله أصدقائه عن دكتور في جامعة الإمام محمد بن سعود في المدينة المنورة…. وهو رجل تقي وعالم ما شاء الله… جلس يتحدث معي ويناقشني في المسألة ويقنعني بحكمة الله وقدرته وعلمه الذي لا حدود له…. ثم رقاني بالرقية الشرعية ونصحني بالابتعاد عن القراءة في هذا الموضع ولو مؤقتا والقراء في مواضيع أخرى مثل السيرة النبوية العطرة وسير الصحابة وغيره وطمأنني بأن هذا هو صريح الإيمان وأني بخير…
ارتاحت نفسي قليلا ولكن ما لبثت أن عاودتني الأفكار مرة ثانية فذهبت إلى شيخ آخر فقال لي نفس المضمون وبشرني بأني بخير وأن هذه الأفكار والوساوس قد جاءت للصحابة وسألوا عنها رسول الله قال لهم: "الحمد لله الذي رد كيد الشيطان في وساوس". المهم... نزلت مصر بعد ما خلصت الأجازة وحاولت أنا أتخلص من هذه الوساوس لكن بدون جدوى… فلم أجد إلا صديق مخلص وحقيقي بارك الله فيه لأحكي له هذه الحالة التي أنا فيها فجلس يطمأنني ويناقشني ويحاول إقناعي بأن هذه الأفكار جميعا، لنا جميعا ولكنا نستعيذ بالله منها وتنتهي... وأعطى لي كتاب للدكتور مصطفى محمود فيه حوار مع ملحد عن مسائل القضاء والقدر وغيرها…… وجلسنا سويا نستمع إلى خطبة عن القضاء والقدر والرضا بقضاء الله فارتحت جزئيا ….. وحاول أن يخرجني من هذه الأفكار بأن نحفظ سويا سور من القرآن الكريم…. فبدأت بالفعل... لكن كل يوم كانت تزيد حالتي سوءا وكنت أشعر بخنقة وضيق في الصدر وعايز أبكي فأقوم فأصلي فأهدأ بفضل الله…
وحاولت أندمج مع أصحابي ولا أشعرهم بشيء غريب حتى لا تكثر أسألتهم وأتحدث في هذا الموضوع لكن كنت أشعر أني غريب وسطهم ووسط أهلي….. كنت أفكر بأني بذلك كنت أحاول أن أهرب من الأفكار بشيء هو مقدر علي ألا وهو الضحك والهزار مع أصحابي وبذلك كنت أشعر أن جميع حركاتي وسكناتي وكلامي وهزاري كلها مقدرة ومكتوبة علي فلا بد أن أقوم بها بإرادتي أم غصب عني…. حتى تذكرت أني العام الماضي أخذت مادة psychiatry "الأمراض النفسية" ومن ضمن ما أخذت مرض الوسواس القهري "Obssesive Compulsive Disorder" فقلت لنفسي كل الأعراض تتماشى مع هذا المرض كما أنه مصحوب بحالة إحباط حاد "Acute depression" وعدم الرغبة في الحياة لماذا لا أذهب إلى طبيب نفساني وأتأكد من ذلك..... ولكن كنت أتذكر بأن الدكتور الذي كان يشرح لنا هذا المرض ذكر بعض الحالات التي أصيبت بهذا المرض وتغيرت حياتها تماما إلى الأسوأ حيث ذكر لنا مثلا لطالبة كانت في الثانوية العامة وكانت الأولى في سنة ثانية ثانوي على المدرسة ثم بعد أن أصابها المرض رسبت في السنة الثالثة ثانوي. فصراحة كنت أخاف من هذا المصير أن أفشل في دراستي، بل وفي حياتي كلها بل في ديني ودنياي فقد كنت أخاف أن يكون الله قد قدر علي الموت على غير ملة الإسلام فأكون خالدا مخلدا في النار والعياذ بالله.. المهم استشرت صديقي الحبيب في هذه المسألة وشجعني على الذهاب إلى الطبيب النفساني وذهب معي....
وذهبت بتوفيق الله إلى الطبيب وشرحت له حالتي وطمأنني وأكد لي فعلا أن هذا المرض هو السواس القهري وبدأ معي قرص علاجي بـ faverin 100 (SSRI) & Anafraniol 25 mg وبدأت في أخذ العلاج والحمد لله تحسنت حالتي كثيرا خلال شهرين من بداية العلاج حتى الآن ولكن ما زالت الأفكار والوساوس تراودوني من حين لآخر وفي كل مرة تأتي لي فكرة جديدة أجلس أفكر فيها وأظل ألوم نفسي على مثل هذه الأفكار والتي مرة تأتي عن الصلاة والحج ومرة تأتي عن الخلق
والآن منذ إسبوعين هناك فكرة واحدة تراودوني وهي هل الدين بالوراثة "بمعنى أنا الحمد لله ولدت لأبوين مسلمين فأنا مسلم... طيب والناس اللي في الغرب اللي ولدوا وتربوا على أنهم مسيحيون فيعيشون على المسيحية ويموتون عليها فهل هم خالدين مخلدين في النار وما دوري أنا وغيري في تبليغ الدعوة وهل انتشر الإسلام بالسيف؟؟؟ ومازلت أخاف على نفسي أنا أموت على غير الإسلام وأنظر إلى الناس في الشارع وفي التلفاز وأغبطهم على ما هم فيه من السعادة والحياة الطبيعية والغيرة على الإسلام والتفاعل مع قضايا الأمة الإسلامية والعربية وهم يشعرون ويفتخرون بإسلامهم وكيانهم العربي على الرغم من أنهم قد يكونون يذنبون ويسهون على الصلاة ولكنهم مطمئنون بأنهم لو ماتوا ماتوا على الإسلام وأن الله سيغفر لهم أما أنا فرغم محافظتي على الصلوات كلها في جماعة حتى صلاة الفجر وصيام أيام التطوع ودعائي المستمر أن يتوفاني الله على الإسلام فأنا أشعر بخوف من قرائتي للقرآن الكريم وأنا أرى فيه عذا المكذبين والكافرين والمنافقين وماذا يضمن لي أن لا أكون واحدا منهم"
المشكلة الآن أن أفكارا جديدة تطرأ علي في كل يوم عن الخلق والدين والحساب والجزاء... ولا أستطيع التغلب عليها وأشعر بخوف من قرآءة القرآن........ أنا أبكي على حالي كل يوم وأحاول الانشغال عن هذه الأفكار لكن لا أستطيع!!! أرجوكم هل يمكنكم مساعدتي؟؟ أجيبوني بالنفي أو الإثبات بقي أمر واحد وأسف على الإطالة!!!!
أنا الآن في السنة الأخيرة من دراسة الطب.... لا أستطيع المذاكرة والتركيز في أي شيء رغم أن هذه هي أهم سنة لي في الدراسة فهي سنة البكالريوس أشعر بأني سوف أعيد هذه السنة أو سوف أأجلها..... وهذا أيضا يمثل عامل ضغط علي....... وأيضا أأكد لكم أني والله مازلت ممتنع عن تلك الذنوب حتى الآن إلا في حالات نادرة تغلبني فيها نفسي.....
وكما أود أن أستشيركم عن الذهاب إلى شيخ لكي يرقيني بالرقية الشرعية لعل الله يذهب عني هذه الوساوس ويرد إلي حبي وتعلقي بالإسلام ويبعد عني الخوف من الموت على غير ملة الإسلام والخوف من القرآن الكريم والصلاة رغم إيماني الكامل بالله ورسوله ورغبتي في العودة إلى القرآن والصلاة دون خوف أو ضيق......
أرجوكم إلحوقني آسف مرة أخرى على الإطالة..... التي لم أستطع أن أوصل لكم كل مشاعري فيها... وأعلم أنكم لن تبخلوا علي بالنصح والإرشاد. وجزاكم الله خيرا. "
18/6/2025
رد المستشار
الابن العزيز "Mohamed" أهلا وسهلا بك على صفحتنا استشارات مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك وإن شاء الله متابعتك خدمة الاستشارات بالموقع.
ما تشير إليه إفادتك وأكده لك الطبيب النفساني الذي عرضت نفسك عليه هو أنك تعاني من اضطراب الوسواس القهري، وقد أفضت في شرح أفكارك التسلطية (الوسواسية) من النوع التشكيكي الاجتراري (Obsessive Ruminations)، وضربت أمثلة للشكل الديني من التفكير الاجتراري الوسواسي، لكنك لم توضح لنا ولو بعضا من الأفعال القهرية التي تصاحبها غالبا وعليك أن تفهم معنى الفعل القهري وكذلك علاقته بالفكرة الوسواسية أو الحدث العقلي التسلطي.
كثير في قصتك إن لم تكن كلها يا ولدي تذكرنا بالعلاقة الملحوظة بين الالتزام الديني وبداية الوسوسة، وما أحسبك إلا مأجورا على معاناتك ما حافظت على التزامك برغم عذابك مع الوسوسة، وأنت بالفعل بفضل الله تؤدي عباداتك على أفضل وجه كما وصفت، وكذلك ها أنت توجهت طالبا للعلاج، وقد ظهرت علامات التحسن لديك باعترافك ولكن: فقط بقيت.... ولكن!
أعطاك طبيبك اثنين هما من أنجح العقاقير في علاج الوسوسة أحدهما م.ا.س. (S.R.IClomipramine HCL) والآخر م.ا.س.ا (S.S.R.I Fluvoxamine) وهما أقوى عقَّاران مجربان في هذا المجال وما دمت طبيبا –زميلا في القريب العاجل إن شاء الله- أنصحك بأن تقرأ حكاية الم.ا.س والم.ا.س.ا، وبعد شهرين من تناول هذين العقَّارين تقول أنت (وبدأت في أخذ العلاج والحمد لله تحسنت حالتي كثيرا خلال شهرين من بداية العلاج حتى الآن..... ولكن مازالت الأفكار والوساوس تراودوني من حين لآخر وفي كل مرة تأتي لي فكرة جديدة أجلس أفكر فيها وأظل ألوم نفسي على مثل هذه الأفكار والتي مرة تأتي عن الصلاة والحج ومرة تأتي عن الخلق)، وتسألنا (عن الذهاب إلى شيخ لكي يرقيني بالرقية الشرعية لعل الله يذهب عني هذه الوساوس ويرد إلي حبي وتعلقي بالإسلام ويبعد عني الخوف من الموت على غير ملة الإسلام والخوف من القرآن الكريم والصلاة رغم إيماني الكامل بالله ورسوله ورغبتي في العودة إلى القرآن والصلاة دون خوف أو ضيق)؟؟
وأقول لك أنا أنت تحتاج إلى:
1- برنامج علاج سلوكي معرفي للأفكار الوسواسية، ويجب أن يقوم به طبيب نفسي أو أخصائي نفسي عارف بالفقه إضافة إلى علم العلاج السلوكي المعرفي، لكي يساعدك على وضع حدٍّ لانزلاقك كلما ضحك الوسواس عليك بفكرة تبدو جديدة! ويكون في أثناء ذلك غير عاجز عن ضرب الأمثلة من تراثنا نحن وإعطاء الأدلة من السنة النبوية الشريفة وأقوال الصحابة عليهم رضوان الله وفي ذلك كثير لا تهمله، وكذلك لا تهمل قراءة القرآن ولا تغفل عن صلاتك خوفا مما تلاقي -رفع الله عنك وشفاك- لأن أداءك لعباداتك رغم مرضك –فوق أنك مأجورٌ عليه- فإنه يمثل واحدة من أهم، بل هي أهم دعامات العلاج السلوكي لأنها تعرض ومنع استجابة في حد ذاتها.
2- الاستمرار على العقاقير الطبية الموصوفة لك لأن الصبر على الم.ا.س يمحو الوسواس وتذكر أن شهرا وربما شهرين على الماس قد لا تمحو الوسواس، ومعنى ذلك أنه ما زال أمامك شهر حتى يصح لك أن تقول.... ولكن!
3- لا مانع لدي من الرقية الشرعية إذا استوفيت ضوابطها الشرعية وتأكدت من ذلك.... ولكن بشرط ألا يعتبر ذلك أبدا مغيرا للخطوتين 1 و2 السابق ذكرهما، أنا طبعا شعرت بتلميحك إلى ما تعرضت إليه من حسد وأنت تبلغ الناس برمضان في مدينة الحبيب المنورة وبالعمرة وقد تكون فعلا حُسِدْت ولكن لابد من التعامل مع معطيات عالم الشهادة (مرضك الواضح الأعراض والعلامات) بمعطيات عالم الشهادة (الطبيب والعلاج) بغض النظر عن الإدراكات الغيبية التي نؤمن بها وخذ المثل الذي أعطيناه لأم أحمد في نوبات الهلع وخلطة القلق والاكتئاب.
4- تواصل مع طبيبك المعالج وانتظم على علاجك وناقشه فيما نصحناك به وتابعنا بتطوراتٍ طيبة إن شاء الله.