ترددت كثيرا قبل أن أكتب إليكم مشكلتي، فأنا أشعر بحرج شديد؛ ولكن لما سببته لي مشكلتي من تعاسة وكآبة، واعتقاد بأنني سوف أظل هكذا طوال عمري ما لم أحلها، دفعني لأن أكون صريحا جدا، وأتخلص من حرجي هذا حتى أستطيع حلها.
المشكلة أنني عمري ما عرفت بنات، ولم أكلم بنات أو أصاحبهم. عمري ما حبيت، ولا كان لي قصة حب مثل باقي الشباب. عمري الآن 24 سنة، وعمري ما كلمت بنت في التليفون مثلا، أو على النت. عمري ما كان لي صداقة مع بنت، ولا حتى علاقة زمالة، حتى في فترة الجامعة.
السبب في هذه العقدة أني كنت أرغب في تلك الأشياء، وبشدة، وأحلم بها كل يوم، وكنت أتحسر كلما رأيت الشباب والفتيات يتضاحكون مع بعضهم البعض، أو شابا مع فتاة يعيشون قصة حب سويا، أو حتى شابا يتكلم مع فتاة -كزميلة فقط في الأمور الدراسية مثلا- خاصة أن الجامعة كانت كلها كذلك، فأحس بحسرة شديدة، خاصة وأنا أرى كم السعادة في عيونهم، وكيف يستمتعون بحياتهم وبفترة مراهقتهم، فهي أكثر مرحلة يستمتع بها الشاب بمثل تلك الأمور؛ فالشاب يكون فيها في أوج عاطفته وشهوته، ويكون راغبا بشدة في مثل تلك الأمور، خاصة أن الأمر سهل في وجود هذا الكم الهائل من البنات في الكلية، وتكون تلك الأمور والعلاقات لها حلاوة لا يعادلها شيء.
فالشاب يستمتع بتلك الأمور ويحس بها لذة في تلك المرحلة -الثانوية والجامعية- أكثر من أي مرحلة أخرى، ربما الشيطان هو من يصور لي هذا، لذلك فإني أحس أني مش عايش، وأني فاتتني سعادة عظيمة.. فأحس بمرارة وحسرة تنغص علي حياتي كلها، وكنت أقعد أؤنب نفسي كثيرا، "ليه أنا خايب كده، مش زي باقي الشباب أعرف أتعرف على بنات مثلهم وأعيش حياتي مثلهم.. بقى معقول لا في فترة ثانوي، ولا الجامعة ما عرفتش ولا بنت؟!!"، المهم أني الآن تخرجت منذ سنتين، وأعمل أيضا في مجال ليس به نساء أو اختلاط، ولا أستطيع أن أرجع بالزمن للوراء لأعوض ما فاتني.
أحيانا أقول لنفسي -أهون عليها- بأن الحياة الدنيا ليس بها أي لذة، وأنها ليست دار النعيم، وأن السعادة واللذة الحقيقية في الجنة، ولذات الدنيا ليست بشيء مقارنة بنعيم الآخرة؛ ولكن هذا أيضا لم يغير أو يحل شيئا. وقد يقول قائل إني ما زلت صغيرا، وأقدر أعمل "إلي أنا عايزه"، ولكني غير مقتنع بهذا الكلام، فأنا عندي اعتقاد بأن مرحلة "الصياعة" -لا مؤاخذة في التعبير- خلاص عدت، ولا أستطيع أن أرجع بالزمن للوراء، وأني كبرت على ذلك، وأن مرحلة المراهقة والجامعة كانت فرصة، وكانت أنسب وأحلى مرحلة أمارس فيها تلك الأمور، ولقد مرت خلاص، والآن فقدت تلك المتعة العظيمة ولن أستطيع أن أشعر بطعمها طوال حياتي! وهذا سبب لي حسرة شديدة واكتئابا حادا نغص علي حياتي كلها.
أصبحت حياتي كلها بائسة، لا أشعر بالسعادة، وليس لي أمل بأن أشعر بالسعادة فيما بعد، بل حتى أني أدركت مؤخرا أني أصبحت لا أريد أن أكون سعيدا أصلا؛ فلا أريد أن أنجح في الحياة، وأحقق أهدافا و... و...، فلم تعد لي رغبة في أي شيء، ربما تستعجب وتقول لي كيف يكون مثل هذا الأمر سببا في كل هذا؟ ولكن هذه هي الحقيقة التي وصلت لها بعد أن تحدثت مع نفسي كثيرا، وفكرت مرارا وتكرارا، لماذا أنا تعيس هكذا وفاقد الرغبة في الحياة؟
أحيانا أسأل نفسي: طب وبعدين يا أحمد، تلك الأيام قد مضت بلا عودة، ولن يرجع الزمن للوراء، فهل ستوقف الحياة بالنسبة لك؟ هل ستستسلم لإحباطك واكتئابك؟" فلا أستطيع الرد.
كان معي في الكلية أيضا أصحاب مثلي، لم يكونوا يحادثون فتيات، ولكنهم لا يعانون مما أعاني منه، ولا يضخمون الأمر إلى هذا الحد، بل ولا يعيرونه انتباها، فما السبب؟ ربما لم يكونوا راغبين في الأمر بنفس القدر الذي كنت أرغبه، أو متعلقين به مثلما كنت متعلق به.. أحيانا أحقد حتى على الذين كانوا يقيمون علاقات أو يكلمون فتيات ثم يتوبون عن ذلك، وكلنا رأينا أمثلة كثيرة على ذلك، وتحسن توبتهم، فأقول إنهم عاشوا حياتهم ثم تابوا، وقبل ربنا توبتهم، وأنا لم أعش حياتي مثلهم، ولا أنا طائع لله مثل ما فعلوا بعد توبتهم، وحاسس أيضا أن الزواج لن يحل المشكلة!
لا رغبة لي حتى في الزواج، ربما لأن البنات يفضلون صاحب الخبرة، ومن له علاقات سابقة، وأنا لست كذلك.
هناك شيء آخر يتعبني نفسيا كثيرا، يمكن بالقدر ذاته، وهو أني في مقابل أني لم يكن لي أي علاقات في تلك المرحلة لم أنجز أي شيء، فلم أكن مثلا متفوقا في الدراسة، أو في أي مجال آخر.. فبالنسبة لطموحي وأحلامي في الحياة، كان لي هدف كبير ولكنه كان مرتبطا أيضا بتلك المرحلة، بمعنى أن أحققه في تلك المرحلة. لا أعرف لماذا حصرت حياتي كلها في تلك المرحلة، فلقد خلق الله مرحلة المراهقة وباقي العمر أيضا. ربما أريد أن أنتقم لكوني لم يكن لي علاقات مع البنات بأن أفعل إنجازا في المقابل. أي إني إن شغلت عن أفعال المراهقة تلك فلم أصاحب فتيات ولم أهتم بذلك، وأركز في شيء آخر، وأفعل إنجازا خارقا، فهذا معناه أني شاب غير عادي، ولدي إرادة قوية، وسينظر الناس لي بكل ذهول لأن هذا الشاب ليس عاديا وأكنى سوبرمان -يدل هذا أيضا على أني أهتم بشدة بنظرة الناس لي، وهذا ينافي إخلاص العمل لله تعالى-. وعندما أقرأ عن شخص ما فعل إنجازا عظيما في ذلك السن أحسده كثيرا، وأعجب به بشدة، وطبعا ألوم نفسي بعدها لأني لست مثله.
هناك أشياء وتفاصيل كثيرة أود أن أذكرها،
ولكن لا أريد أن أطيل عليكم، وجزاكم الله كل خير على ما تبذلونه من جهد ووقت لمساعدة الناس.
16/6/2025
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
أريد أن أزف إليك خبرا سعيدا:
مرحلة "الصياعة" لم تنته!! وفرصة الصياعة متجددة في كل وقت، فالإنسان يستطيع أن "يصيع" متى يشاء، ويحصل على المتعة، مثلا "الحب الأول" له مذاق ساحر، سواء عشته في سن الخامسة عشر أو في سن الخامسة والأربعين، في الحالتين تشعر بنفس المتعة!! هكذا يقول أصحاب التجارب!
كما أن البنات كثيرة ومتوافرة، وأنت تستطيع بمنتهى السهولة أن تصحب إحداهن إلى مسكنك بعد علاقة مدتها بضعة شهور!!.
والآن.. بعد هذه الأخبار السعيدة.. ماذا ستختار؟! أنا أتوقع أنك ستختار نفس اختيارك السابق، وأنك ستتمسك بالعفة وحسن الخلق.
أنت امتنعت عن الرذائل في الفترة السابقة ليس عجزا أو خيبة، ولكن كان هذا اختيارك النابع من تقوى الله، وأنت الآن بمحض اختيارك سوف تصر على نفس الطريق وبنفس الدافع.
أنا أتحدث بمنتهى الجدية، وأقول إنك لست مُجبرا أو مقهورا، بل القرار بيدك الآن وسابقا، ونتائجه واحدة في الحالتين.
فكر مرة أخرى، وتأكد من قرارك، هناك حديث نبوي شريف يهز قلبي كلما قرأته، يقول صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".
سر خطورة هذا الحديث أنه يشير إلى أن الإنسان قد يكون بداخله "قنبلة فساد موقوتة"، وعلى الرغم من التدين الظاهر عليه، إلا أن هذه القنبلة قد تنفجر في آخر لحظة، وعلى الجانب الآخر قد يكون بداخله بئر خير عميق قد يفيض في آخر لحظة أيضا، فيطفئ نيران خطاياه؛ لذلك فإن الإنسان في حاجة دائمة لاستكشاف نفسه من الداخل ونزع فتيل قنابل الشر الموقوتة بداخله، وحفر آبار الخير والنور.
الأمر بسيط وبعيد كل البُعد عن التعقيد، هو فقط يحتاج مراجعة صادقة للنفس، وتجديد البيعة مع الله سبحانه وتعالى، وترسيخ "اليقين" بالموت، والبعث والحساب، والجنة والنار.
إن رسالتك يا أخي الكريم تعتبر نموذجا مثاليا يمكن تدريسه عن "وسوسة الشيطان"، هذا "التزيين" الشديد للمتع الحرام التي لم تنهل منها، وهذا "القنوط واليأس"، من إمكانية الوصول للسعادة بالزواج، أو بالعفة، وهذا "الندم" على قرار العفة والتقوى والخير، وهذا "الاستهزاء" بالنجاح الذي حققته في حياتك -سواء على المستوى الأخلاقي أو التعليمي- أنت لست معقدا نفسيا، ولكنك فقط في حاجة لمواجهة هذه الوساوس بقوة وتفاؤل، وإيجابية، وأن تقول لنفسك: أنا لم أسر في طريق العفة ضعفا أو قهرا، بل بمحض اختياري العاقل الناضج الذي سيرفعني بجوار "يوسف الصديق" في الجنة، وأنا قادر -إذا أردت- أن أنحرف عن الطريق في أي لحظة، ولكنني أنا سأحصل على قدر طيب من السعادة في الدنيا من خلال المتع التي أباحها لي الله، أما السعادة الكاملة، فهي أيضا تنتظرني في الآخرة، كما أني لست فاشلا في حياتي، فقد أنهيت دراستي، كما أني أعمل عملا جيدا، كما أن لي خططا وطموحا لا يتوقف من أجل المزيد من النجاح.
أسأل الله أن يمنحك الهداية والتقى والثبات