طبائع الاستبداد و"صرعى الاستعباد"
أزمة ثقة بالنفس وخوف شديد وإحساس بالضياع
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛
الأستاذ أحمد عبد الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أريد أولا أن أشكرك على تواصلك معي في رسالتي السابقة، واليوم أعود أكتب إليك مرة أخرى ألتمس منك النصيحة والمشورة فأنا أشعر بالضياع التام وللتذكير كان عنوان الاستشارة السابقة طبائع الاستبداد و"صرعى الاستعباد"، وأنا اليوم مازلت في حيرتي وأمامي أحد خياران:
الأول: الزواج
والثاني: الهجرة
ولم أحسم أمري بعد ومشكلتي التردد الشديد والخوف أنا لا أحب أن أعيش وحدي وفي نفس الوقت لم أنشأ نشأة تساعدني على تحمل مصاعب الحياة مع أنني تعرضت لأبشعها ، يكفي أن عشت طوال عمري منذ طفولتي في خوف مستمر ، وأخشى أن يتحول هذا الخوف إلى غضب عارم يحرق الأخضر واليابس وأول من يحرقه غضبي هو أنا وأنا وأسرتي سنكون الخاسرون وليس أحد غيرنا.
يبدوا فعلا أنني فقدت كل ثقة في نفسي عندما تعرضت لموضوع الزواج فقد شعرت بخوف شديد من تحمل مسؤولية زوجة وأبناء. فاتجهت إلى الخيار الثاني وهو الهجرة إلى بلاد كما قلت أنت في شيء يقال له إنسان وحقوق إنسان وفيها ما هو أجمل فيها الحرية أجمل حورية يعشقها الرجال.
وأزمتي الأخرى أنني أعيش بلا غاية وبلا هدف وبلا رسالة أو بالأحرى أنا مؤمن بقية ولكن لا أعرف ترجمتها إلى واقع ولا أجد الأخوان الأعوان على هذه الغاية وهي أن أحيا مسلما بكل معنى الكلمة أن أحيا للإسلام كما تعلمت من الكتب منذ نعومة أظفاري وبل الإسلام هو الغاية التي قتل في سبيلها والدي رحمه الله وتقبله عنده شهيدا ولا أزكي على الله أحد.
أنا يا سيدي لا أستجلب العطف بهذا الكلام وإن كان من حق ذلك ولكن أبحث عن حل وعن مخرج وعن حالة رضي أتعايش معها وحتى أستطيع تحمل هذه الحياة الصعبة التي نحياها. وهناك جانب آخر في حياتي وهو جانب مهم أريد أن أتحدث عنه وهو (ذنوبي) فقد اقترفت ذنوبا أخاف منها كل الخوف وأخشى أن تكون هي السبب في طول المعاناة التي أنا فيها وبالتحديد منها ذنب اقترفته في حق أحد أقاربي فقد أسئت معاملته في أحد الأيام ويومها كما كل يوم كنت في حالة إحباط وضياع فحصلت مشادة في الكلام من دون قصد مني ولا منه ولكن هذا ما حدث وبعدها مباشرة شعرت بإحساس فظيع بالذنب وبتأنيب الضمير وبعدها ياللمفاجأة بعهدها بأربعة أيام مات هذا الرجل ومن يومها زادت حالتي سوءا وبت خائفا من انتقام الله عز وجل خوفا شديدا مع علمي أن الله يغفر الذنوب جميعا.
هذه الحادثة أحببت ذكرها لأنها تشكل جزءا من مأساتي ومعاناتي وشعرت كأنني سقطت في هوة عميقة لا قرار لها. هل يعقل أنا الذي ما تركت الصلاة منذ نعومة أظفاري وأنا الذي أتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار أفعل هذه الفعلة القبيحة ، ومن يومها كرهت نفسي وأتوقع في كل لحظة أن تنزل علي صاعقة من السماء تأخذني.
بالله عليكم ماذا تقولون لإنسان أغلق أبواب الدنيا في وجهه وهاهو يخشى أن يكون باب السماء أغلق في وجهه وهو يعاني في حياته من فشل ذريع على المستوى الشخصي والأسري والعلمي والوظيفي ومرت من حياته أكثر من 35 عاما وقيمته تساوي صفر. وفوق كل ذلك ما سبق وأن ذكرته في بلد غابت فيه الحرية ومجتمع تائه لا يحس أحد بأحد وقد فقد كل معنى لمسمى مجتمع لأن الطاغوت أتى على كل الخيرين والمصلحين فيه، فأصبح كقطيع غنم يتجمع ولكن كل في همه وكأن بينهم بلدان شاسعة وصحارى واسعة هذا هو الظلام الذي أعيش فيه لن أزينه بتفاؤل ولكن أكذب عليكم وعلى نفسي وأقول أنني أستطيع تجاوز كل هذه الأهوال.
ولكن كتابتي وبوحي في رسالتي هذه هي محاولة للخروج من هذا الظلام بمساعدتكم قبل أن أصل إلى النهاية وهي الانهيار التام وعندها ستنهار معي أسرتي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
07/07/2006
رد المستشار
أهلا بك ثانية أيها الأخ الكريم، ومعذرة على تأخري بالرد عليك لما تعلمه من أحداث، حيث ننشغل بالتفكير والسعي خلال هذه الفترة عسى أن نخرج منها غانمين بمشيئة الله.
إذا كان وجودك في بلدك يعني أن وقتك يضيع، ومشاعرك السلبية تتفاقم، وفي نفس الوقت فإن الدعم الاجتماعي والأسري من حولك، وكذلك سبل العلاج النفسي ما زالت قاصرة، أو دون المستوى المنشود، ولديك فرصة للخروج من هذا كله، فهل هناك سؤال أصلا، أو هل هناك محل لسؤال من قبيل هل أبقى أم أهاجر؟!
ما هي مميزات البقاء؟! لم يصلني منها شيء، فهل أنا فاهمك وفاهم ظروفك بشكل سليم؟!
خوفك من السفر لأنك لم تتعود أن تعيش وحدك، ولم تنشأ النشأة التي... إلخ، فمتى ستنشأ هذه النشأة؟! ومتى ستتعود الاعتماد على نفسك؟! وإلى متى ستظل تبكي على عمرك الذي يمر أمام عينيك، وتتحسر على ما فاتك، وتقول فعل بنا الظالمون، وأفسد حياتنا الطاغوت.... إلخ!!
متى ستطوي هذه الصفحة، وتفتح غيرها؟! ومن تنتظر يا أخي أو ماذا تنتظر لإصلاح حياتك، وإدارة تفاصيلها؟!
وإلى متى ستظل رهين المخاوف، وحبيس الهواجس والتردد؟!
وإلى متى ستظل ميتا في دهاليز الماضي المظلم، مستسلما في كهفه الكئيب؟! والوقت يمر بسرعة!!
إذا كنت في بلدك لم تستطع أن تصنع من نفسك شيئا لظروفك التي تحدثنا فيها من قبل، ولا ترى أفقا تتغير فيه هذه الظروف فلا خيار أمامك سوى الرحيل، وسيجري عليك ما يجري على كل غريب.
في أقطار الدنيا يتوزع مواطنو بلدك، بعضهم فر بدينه، وبعضهم ذهب يلتمس حياة آدمية بعيدا عن الفوضى والتخلف، أي القاسم المشترك الأهم بين بلداننا العربية!! هم بالآلاف في أوربا وكندا وأمريكا، بل أحسب أن بعضهم قد وصل إلى أمريكا اللاتينية، وسمعتهم جيدة، وناجحون والحمد لله، فالتمس لنفسك مكانا يضم بعضهم، فإن الأخوة في الغربة تدفئ وتطعم وتأوي حتى تتمكن من الوقوف على قدميك، ولا بأس أن تطلب هناك العلاج والتأهيل النفسي، فهو حقك، وليس عيبا، وهو معروف هناك ومنتشر من حيث هو علاج للصدمات المشابهة، والقهر وآثاره، وتدريجيا ستجد خطواتك مرسومة أمامك من حيث العمل والسكن وصلاح الحال، ولا أزعم أن رحلتك ستكون نزهة ترفيهية طبعا، ولكن من ستلاقيه هناك من تعب وجهد سيكون خطوة على طريق الاستقرار بمشيئة الله.
أعراض توترك والاكتئاب الذي تعاني منه هي التي تضاعف من شعورك بالضياع، والذنب على خطأ يحدث كل يوم في التعامل بين البشر، والأعمار بيد الله من قبل ومن بعد.
أشعر بأنك تعودت على حالك هذا، وتستصعب تغييره!!
وكأنك تدور في حلقة مفرغة تسلمك مشاعرك السلبية، وتاريخك البائس إلى المزيد من العثرات، فمتى ستخرج من هذا البئر العميق؟!
تابعنا بأخبارك، والله معك.