عواقب التدليل في الصغر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في البداية أحب أن أهنئكم على هذا الموقع الرائع، جزاكم الله عنا كل الخير لا أعرف من أين أبدأ فأنا لا أريد الإثقال عليكم، ولكني سأحاول أن أكون موجزة. فالموضوع بدأ من صغري عندما دللتني أمي جداً، والحمد لله لقد عشت طفولتي بالطول والعرض والارتفاع وكل الزوايا. ولكن عندما بدأت تتفتح مداركي على الحياة بدأت أواجه أشياء لم تكن في الحسبان؛ فأول شيء حدث لي بعد أن بلغت سن العاشرة أني اصطدمت بحقد وغل وكره شديد من بعض المقربين لي من عائلتي بسبب تدليل أمي لي وأنا صغيرة.
وبعدها اصطدمت مع أهلي بشكل عنيف بسبب.... لا أعرف ما هو السبب فأنا كنت أصغر من إدراك ذلك، ولكني وبسبب صغر سني لم أستطع التصرف في هذه الصدامات. ففقدت الثقة في نفسي وبدأت رحلة العذاب في سن 13 سنة؛ حيث أصبت بأرق شديد واكتئاب ووسواس قهري قال عنه الأطباء أنه وسواس قهري فكري ولكن في بداياته المهم، بدأت رحلة العذاب مع العلاج النفسي ولكن في الخفاء بدون علم أهلي لأنهم ما كانوا ليتفهموا شيء كهذا، لقد كنت كلما شكوت لهم من أعراض مرضية عادية اعتبروها إهانة لهم واتهاماً مني لهم مباشراً بأنهم مقصرون في حقي، فلك أن تتخيل مدى سوء علاقتي بأهلي في هذه الفترة الحرجة والحمد لله من قبل ومن بعد.
وظللت على هذا الحال حتى بلغت سن 19 سنة وأصبحت في العام الجامعي الثالث، وفي هذا الوقت حدث لي أمر غير حياتي كلها حتى الآن، لقد رزقني الله تعالى حب أحد زملائي في الكلية. وأنا تعمدت أقول رزقني لأني الحمد لله مؤدبة ولست ممن تقيم علاقات غرامية مع الشباب أو تؤمن بهذه العلاقات الفارغة، بالإضافة إلى أن هذا الشاب بالذات كنت أعرفه من العام الجامعي الأول وكنت أكرهه بشدة على مدار عاميين، حتى حدثت لي مشكلة كبيرة في العام الثالث وتخلى عني الجميع وفوجئت به يساعدني في حل المشكلة بكل سهولة؛ فتعجبت كثيراً وبدأت نظرتي تتغير له.
ولقد استخرت الله كثيراً فيه ووالله ما استخرت الله أبداً فيه إلا وانشرح صدري بشكل غريب ورأيت رؤيا من أجمل ما ترى. وهذا ما كان يجعلني أتعجب أكثر لأني لا أرى فيه مقومات الرجل العظيم المهم، بعد أن أحببت هذا الشاب بصراحة ذهبت عني كل الأعراض المرضية النفسية بلا عودة ولله الحمد. وأوقف لي الأطباء العلاج وعشت فترة من أجمل مراحل عمري والحمد لله. فبدأت أحاول بناء ثقتي في نفسي والتقرب لأهلي مرة أخرى -حيث أني والله لم أتوقف عن المحاولة أبداً- وتحسنت علاقتي كثيراً بأمي ولله الحمد.
وحاولت أبني ثقتي في نفسي بطريقة سرد مميزاتي وتكبيرها في نظري؛ فتولد لدي نوع من الغرور لم أدركه إلا من أيام قليلة، غرور يعوق مسيرة حياتي ولا يفيدني في شيء. وكنت أعتقد أن هذا الغرور هو ثقة زائدة، حتى اكتشفت أنني لا أملك أي ثقة في نفسي، بدليل أنني لا أتحكم في انفعالاتي ولا أعرف كيف أواجه أي مشكلة مهما كانت صغيرة الحجم، وكل مشكلة صغيرة تدمرني نفسياً بدون داع بالإضافة إلى أنني لا أستطيع التقدم ولا خطوة واحدة في مجال الدعوة الأسرية الذي أحاول العمل فيه بالرغم من إشادة كل أساتذتي في دبلومة الإرشاد الأسري بتفوقي وتميزي. وبعد تفكير طويل ألهمني الله تعالى أنني لست واثقة من نفسي ولكني مغرورة والآن أنا أحاول بناء ثقتي بنفسي بشكل سليم.. فماذا أفعل؟؟؟؟
ملحوظة هامة: الوضع الحالي بالنسبة لي هو أن أمي توفيت منذ ثلاثة أعوام متأثرة بمرض السرطان، ومن عدة أشهر بدأ الأرق يعاودني بشكل عنيف ومازلت أحاول مقاومته، وعلاقتي بأبي بدأت تتحسن تدريجياً ولكنها مازالت مذبذبة، أما علاقتي بأخواتي وهن ثلاث بنات يكبرني في السن ومتزوجات وبباقي أفراد أسرتي فأحب أن أقول لكم أن هناك أقنعة كثيرة سقطة أمامي من بعد وفاة أمي الحبيبة.
واكتشفت أن الكره والبغض القديم الذي كان بداخلهم مازال موجودا لدى البعض، ولولا أني أعرف أنكم لن تصدقوني لقلت لكم أنني كلما حاولت التقرب لهم خطوة ابتغاء لمرضاة الله عني بعدوا عني آلاف الخطوات وكأنهم يرفضون تماماً تصديق فكرة أنني قد أكون تغيرت للأحسن وندمت على تدليل أمي لي عند الصغر -الذي لا يد لي فيه- هل تعلمون أنه يوجد سيدات في عائلتي كانوا يدعون الله أمامي ألا تصبح بناتهن مثلي؟؟. هل تعرفون كم يجرح هذا نفسي ويدمي قلبي؟؟ والله والله والله أنا لا أخشى شيء سوى حساب الله يوم القيامة لي بسبب عدم رضا أبي وأهلي عني.
والله والله أنا أقاوم نفسي وأجاهد من سنين وسأجاهد لآخر لحظة في عمري لكسب ودهم ولكن لا فائدة. قد أكون أنا المخطئة في طريقة توددي لهم، قد أكون مازلت مدللة وأنانية وهذا مؤكد أما عن علاقتي بالشاب الذي أحبه فالحب لله أنا لا أعرف عنه شيئاً، والحمد لله أكثر على أنني لست قلقة من هذا وواثقة في أن الله سيرزقني الزوج الصالح سواء كان من أحب أم غيره. صدقوني لم تعد تفرق معي كثيراً المهم، كيف أبدأ في بناء ثقتي بنفسي بشكل سليم؟؟؟؟ ولو لديكم نصيحة من أجل تحسين علاقتي بأهلي يكون ألف شكر لكم، فأنا لا أريد أن أثقل عليكم أكثر من هذا
وأعتذر بشدة ومن صميم قلبي على الإطالة
جزاكم الله عنا كل الخير.
09/09/2007
رد المستشار
الابنة الفاضلة "ح ح أ"؛ تحية طيبة وأهلا ومرحبا بك مع عقلاء المجانين.
شكرا جزيلا على كتابتك رسالتك بهذا القدر من الإجادة للغة العربية، وكذلك السلاسة والوضوح في الكتابة؛ لدرجة أنني غير مصدق ومندهش أن تأتيني استشارة على مجانين دون أن أصحح فيها خطأ إملائيا واحدا!!؛ لذا وجب عليَّ التنويه والإشادة بهذا "الحدث الجميل"، كما أنني أنحني وأرفع القبعة مقدما لكل من سيكتب استشارته بلغة عربية خالية من الأخطاء الإملائية، لأن ذلك يريحنا بالفعل كمستشارين في التفرغ للرد على الاستشارات.
ابنتي العزيزة؛
أظن يا ابنتي أن هناك خللا ما قد حدث في العلاقات الأسرية بينكم ومنذ سنوات طويلة؛ قد يكون السبب فيه الوالدة رحمها الله، وقد يكون للوالد دور فيه ولأخواتك كذلك، وهذا كله لا ينفي دورك في حدوث هذا الخلل، ودراستك للإرشاد الأسري ستساعدك في التغلب على تلك المشاكل بإذن الله، ولكن المهم الصبر والمثابرة مع الأهل والمعارف حتى تستعيدي ثقتهم المفقودة في حسن نواياك نحوهم، وإذا كان بعض المعارف كما تقولين يدعون الله ألا تكون بناتهم مثلك: "هل تعلمون أنه يوجد سيدات في عائلتي كانوا يدعون الله أمامي ألا تصبح بناتهن مثلي؟!"، فهذا معناه يا ابنتي أنك كنت حقا وبالفعل كما قلت أنت أنانية ومدللة ومغرورة وصعبة الطباع، وإلا لما دعا أقاربك -الله عز وجل- بأن: لا يجعل الله بناتهم مثلك!!، وهذا ما يجعل الكرة الآن في ملعبك، وعليك أن تثبتي لهم وبثبات وبمصداقية عاليين أن التدين والتعلم ومرور الأعوام قد غيروا من طباعك إلى الأفضل، وأن الغرور والغطرسة والتسلط قد ذهبوا من طباعك بلا رجعة، وأنك تعلمت من حكمة الشيخ العربي الحكيم الذي أوصى ولده قبل موته قائلا: "ألِن جانبك لقومك يحبوك، وتواضع لهم يرفعوك، وأحسن إلى صغارهم يحببك كبارهم وينشأ على مودتك صغارهم"،
تذكري يا ابنتي أنه في حالتك يكون تأكيد الذات بالتواضع للأهل والأقارب، وبلين الجانب لهم والتودد إليهم، ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم، وبالعطف على صغار أخواتك ولو بكلمة عطف طيبة أو هدية بسيطة أو مكالمة تليفونية لمن يعاني منهم من أزمة أو مشكلة في حياته، أو بتقديم مساعدة (لن تضرك) لمن يحتاج المساعدة منهم، وصدق الشاعر "الحطيئة" الذي قال:
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس.
وكذلك أرجو منك الاهتمام بوالدك وقول كلمة طيبة له عندما ترينه أو تجلسين معه، كما أوصيك بالتسامح والعفو قدر استطاعتك مع أهلك بالذات، ومع كل من تتصورين أنها قد أساءت إليك منهم في يوم من الأيام.
ابنتي الغالية؛ لقد جبل الله تعالى الناس على حب من يخدمهم ويساعدهم، ولا يشعر بالسعادة في الحياة إلا من يبادر بمساعدة الناس سواء بمقابل أحيانا أو بدون مقابل "عاجل" في معظم الأحيان، وهذا العطاء شرط من شروط الإحساس بالسعادة في حياتنا الدنيا، وكما قلت أنت: أن خطيبك الذي كنت تمقتينه -في الصفين الأولين من دراستك الجامعية- أصبح حبيبا لك عندما وقف بجانبك في موقف واحد فقط تخلى فيه كل الزملاء والزميلات عنك وبقي هو داعما لك، والبشر كلهم مثلك يحبون من يخدمهم كذلك، وأعلى درجات التدين الصادق يا ابنتي هي تقديم المساعدة والعون للناس قدر الاستطاعة، وليس الطنطنة والدندنة بكلمات فخمة ورنانة قد لا يفهمها كثير من الناس ولا تعنيهم.
ابنتي العزيزة؛ لا يُعقل أبدا أن ترتبطين بإنسان لا تعرفين عنه شيئا إلا أنه ساعدك في أحد المواقف!، فعليك التحري عنه والسؤال بكل الطرق والوسائل المتاحة لك؛ وبالذات عن دينه وأخلاقه، وذلك لتجنب الوقوع في مشاكل بعد الزواج، أنت في غنى عنها؛ وحينها كما يُقال: "ولات حين مناص"، وليس معنى أنني متدينة وأخاف الله أن حظي ورزقي دائماً سيكون في الصالحين!، لأن من الأزواج من هم رزايا وبلايا وفتن يختبر الله درجة إيمان زوجاتهم بهم وبدرجة احتمالهن لفتنهم، ومن الزوجات من هن فتن كذلك لأزواجهن، ولك في زواج فرعون موسى من سيدة نساء العالمين السيدة "آسية" عبرة وعظة، ففرعون وإبليس من أسوأ أهل النار على الإطلاق، بينما "آسية" زوجته من فضليات وقمم نساء أهل الجنة.
ابنتي؛ ابتهل إلى الله تعالى في أيام وليال رمضان المباركة أن يرزقك السعادة في الدارين، وأن يحبب فيك خلقه الصالحين، وأن يحبب الصالحين لك وفيك، وتابعينا بأخبارك.