السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي هي أنني عاطفي جدا، وألاحظ أن معظم تصرفاتي وقراراتي لا تأتي عن قناعات ودراية بل بدوافع عاطفية بحتة، والغريب في تلك العاطفة أنها موجهة إلى شريحة معينة من الناس وليس إلى الجميع.
فعاطفتي موجهة بشكل خاص إلى من هو في سن والدي، وليست إلى الشباب أو إلى الجنس الآخر أو إلى أي فئة أخرى، وهذه العاطفة في اعتقادي أنها بريئة، وأنها جاءت نتيجة الإحساس باليتم في السنوات الأولى من حياتي وفقدان الأمان والحنان في مراحل حياتي السابقة.
والغريب في ذلك هو التفاعل الكبير من تلك الفئة نحوي وتلك الرعاية التي حظيت بها من البعض، بل وصل الحد إلى التعلق بي من قبل الكثيرين وبخاصة الأثرياء الذين يواجهون مشاكل عائلية أو يبتلون بعدم القدرة على الإنجاب؛ حيث إني أتمتع بشخصية ذات جاذبية قوية وأتمتع بقدرات ومواهب كثيرة جعلت كل من حولي يحترمونني ويقدرونني.
ورغم أن هذه العاطفة نشأت أثناء طفولتي فإنني ما زلت أعيشها حتى الآن، ومنذ فترة قريبة تعرفت على شخص ثري، وكانت معرفتي به في بداية الأمر طبيعية، ولكن حاجته هي التي كانت تجعله يتردد علي بشكل مستمر، وكثيرا ما كان يثني علي ويجاملني وكنت أبادله الاحترام، ووجدت نفسي أحبه أكثر فأكثر حتى وصل الأمر إلى حد التعلق الشديد به وصرت لا أطيق مفارقته.
وقد عرض عليّ الزواج بابنته فوافقت مباشرة دون أن أعلم عنها شيئا بل حبا فيه، وصرت أشعر بالضيق عندما يغيب عني، وأتمنى أن أخفف ولو قليلا من حدة هذه العاطفة، وأحاول أن أتذكر الجوانب السيئة في ذلك الشخص حتى أكرهه دون جدوى، أرجوكم أن تنصحوني كيف يمكن أن أحدَّ من تلك العاطفة وأن أصبح شخصا طبيعيا مثل الآخرين؟
18/8/2013
رد المستشار
الأخ العزيز، كلما قرأت إفادتك شعرت بأبعاد حركية نفسية متعددة، وشعرت بأن كثيرا من مفاهيم الطب النفسي "المفهومة" تحتاج إلى مزيد من الفهم؛ لأن الكائن البشري ما يزال يفاجئنا بين الحين والآخر بطريقة جديدة لمعاناة غير جديدة! فكثيرون هم من عانوا من اليتم وإن لم يفقدوا الحنان والأمان في حياتهم دائما بسبب ذلك.
رغم هذا فإن معاناتك فريدة، أولا لأنك كمن يعرف الحركية النفسية لمعاناته (أي يملك استبصارا رائعا بحالته)، ربما وصلت إليه بحكم سعة اطلاعك مثلا أو بحثك في هذا الأمر تحديدا، الله أعلم، لكنك في نفس الوقت لا تبدو مستعدا لتعديل سلوكك غير السوي بناء على معرفة أسبابه، مع أن المفترض عكس ذلك، فرغم قولك إنك تحاول التخلص من ذلك التعلق الزائد عن الحد والمرفوض من داخلك أنت نفسك، فإنك أولا لا تستطيع، وثانيا تتصرف في حياتك مدفوعا بذلك التعلق، دون حساب للعواقب ودون حسبان لحقوق الآخرين، فأين هي زوجتك في حياتك؟ ما هو المكان الذي تحتله تلك الزوجة المسكينة التي تزوجتها لتقربك من أبيها زلفى!!!
وتحملني إفادتك إلى بعد آخر هو بعد الظلم الذي يوقعه الرجال في مجتمعاتنا بالمرأة، بنتا كانت أو زوجة كما هو الحال في حكايتك، أو أختا كما في حالات أخرى كثيرة، فأنت -كما تصف نفسك- لا تحمل مشاعر الحب والتعلق (البريئة) كما وصفتها إلا تجاه الرجال من الفئة العمرية التي تقابل من هم في مقام والدك رحمه الله، إذن أنت لا تحمل مشاعر الحب والتعلق البريئة تلك نحو زوجتك التي هي أيضًا ابنة ذلك الرجل الذي لا يقل تعلقه بك عن تعلقك به! فهل هي الضحية؟ وفي أي شيء تراها أذنبت؟
ثم ما معنى أنك تزوجت دون أن يكون لديك قدرة على الميل لزوجتك؟ وكيف لا تأتي على ذكر شيء عن علاقتك بها حتى في إفادتك، هل كل ما لها هو جزاها الله خيرا أنها ابنة ذلك الرجل؟ عن أي معان غريبة نتحدث نحن، فأنا أعرف أنك تطلب الزواج من ابنة رجل تحترمه وتجله، وتشعر أن النسب معه يشرفك، لأنه رجل ناجح وكريم ومشهور بين الناس بالصلاح مثلا ولذلك فأنت تطلب مصاهرته فإذا رأيت البنت فأعجبتك فبها.
وأما قولك: "وقد عرض عليّ الزواج بابنته فوافقت مباشرة دون أن أعلم عنها شيئا بل حبا فيه" فإنه في الحقيقة قول يستدعي كثيرا في نفوسنا من الأسف والاستغراب أيضًا؛ لأن للزوجة حقوقا منها أن يشعر بها زوجها لا أن يتخذها لتقربه من غيرها زلفى!
قد يكون لحرمانك من نشوة القرب من الوالد يرحمه الله دور في تشكل ذلك الميل داخلك للذكور الأكبر منك سنا، ولعلك أدمنت تلك النشوة قليلا وحلمت بتحقيقها في الواقع، لكنك اصطدمت بقوانين الدين والمجتمع.. فلم تجد أمامك غير الالتفاف عليها من خلال الزواج بابنة من تحب!
والمأساة الحقيقية هي أن الإشباع الحقيقي لا يمكن الحصول عليه من أحد غير الوالد وحنانه، والذي تحول عندك إلى رغبة في الجنسية المثلية (كبديل عن مشاعر الحب من الرجل الأول في حياتك: والدك)، ولهذا فإن المحرك الأساسي للرغبة هنا هو محاولة شراء الحب من أبيك.. ولأنه لا يوجد في الأرض من يمكنه تعويضك عن هذا (إن كنت تريده من أبيك) فلن تحس بالإشباع في أي من هذه العلاقات إذا حدثت فعلا.
من جانب آخر، من الممكن أن تكون لديك مشاعر عدوانية ناحية المرأة، والتي قد تظهر في عدم رغبتك جنسيا في زوجتك.. فهل تشبه تلك الزوجة والدتك في أي شيء؟ شكلا، أو في طريقة التصرفات؟ أي شيء؟ هل كان هناك ما يتعبك في المعاملة مع والدتك؟ هل يحدث نفس الشيء أو شبيهه مع زوجتك؟
أنا في انتظار إجابتك على هذه التساؤلات، وأحيلك إلى عدد من الروابط التي ستجد فيها ما يشبه حالتك:
سجن الميول المثلية: قضبان وهمية!
عتاب وشكوى وميول مثلية
ولكن تبقى لنا إشارة أخيرة إلى ما يحمله قولك في إفادتك:
"وصرت أشعر بالضيق عندما يغيب عني وأتمنى أن أخفف ولو قليلا من حدة هذه العاطفة وأحاول أن أتذكر الجوانب السيئة في ذلك الشخص حتى أكرهه دون جدوى"، فأنت تتكلم كلام من يعاني من وسوسة الحب أو التعلق، التي تعامل معها علماء المسلمين الأوائل (كأبي زبد البلخي وابن حزم وغيرهم) كأحد أصناف الوسواس، أي الوسوسة فيما يحبه المرء ويتمناه، وفي حالتك أنت تتخذ المشاعر توجها يخالف الطبيعي وهو التوجه المثلي، فتصبح المشكلة أكبر لأن الوصل غير ممكن، والاستجابة لهذه المشاعر غير الطبيعية في مثل مرحلتك العمرية قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه (إن لم يكن قد أدى بالفعل).
عليك إذن أن تراجع نفسك وأن تحسن صلتك بربك سبحانه وتستعين به، ثم انظر في تحسين علاقتك بزوجتك والوفاء بحقها عليك، سواء من ناحية المشاعر أو السلوكيات، ولا تهمل متابعتنا بشيء أكثر من التفصيل، وأهلا وسهلا بك دائما على مجانين.
التعليق: هل ما زلت يا د. وائل تربط المثلية بالجنس؟؟ هل ما زال هذا الاعتقاد في الطب النفسي عموما يربط المثلية بالشذوذ الجنسي أم هل أدركوا أن هناك مثلية عاطفية فقط وكذلك هناك مثلية جنسية؟؟
منذ انضمامي من فترة إلى أحد المنتديات التي بها قسم خاص بعلاج الشذوذ الجنسي وهنالك الكثير من المفاهيم التي تغيرت عندي بما يخص المثلية بل وهناك الكثير من المواضيع التي تم طرحها في هذا المنتدى التي قد غيرت مفهومي كثيرا عن المثلية والتي لم أكن أدركها نهائيا وهي أغلبها نقاشات ومحاورات بين مجموعة من الأخوة والذىن انضممت إليهم مؤخرا نحاول فيها تجاوز المثلية ونحاول معرفة وإدراك الأمر وكيفيته ونشأته
وهناك العديد من القصص المشابهة لما ذكره الأخ صاحب الاستشارة وهناك الكثير من التعلق المشابه لما ذكره صاحب الموضوع ولكنه مع ذلك قد تختلف الفئة العمرية ومع ذلك فالتعلق يكون عاطفيا فقط