نشرت مجلة لانسيت Lancet قبل أسبوعين (30/07/2024) تقرير خبراء بارزين عالمياً عن عوامل خطورة الإصابة بالخرف (السَّبَه) التي من الممكن تعديلها، والتقرير بحد ذاته هو تكملة لتقرير صدر قبل أربعة أعوام.
في بداية الأمر لابد من الإشارة إلى أن هناك عوامل خطورة لا يمكن تعديلها وتبقى الشيخوخة هي العامل الأول. كذلك فإن النساء أكثر عرضة لخطر الإصابة مقارنة بالرجال وهناك عامل وراثي يجعل السَّبَهَ أكثر احتمالا أو حتى حتمياً. كذلك أكثر الأخبار والنشرات المتعلقة بالخرف تبدو محبطة على الرغم من التطورات الأخيرة في علاج بعض المصابين بمرض الزهايمر، وهو السبب الأكثر شيوعا لهذه الحالة، وتبقى أغلب الحالات غير قابلة للشفاء وترتفع أعداد المصابين به بشكل لا مفر منه مع تقدم العمر. لكن هذا التقرير والعديد من البحوث العلمية تشير إلى أن 45% من حالات السبه يمكن الوقاية منها.
يشير التقرير الجديد إلى وجود 14 عاملاً يمكن تعديلها مضيفة عاملين جديدين هما فقدان البصر الذي لم يتم علاجه وارتفاع مستويات الدهون الضارة المعروفة ببروتين شحمي منخفض الكثافة Low Density Lipoprotein LDL.
تشمل عوامل الخطر القابلة للتعديل التدخين، البدانة، قلة النشاط البدني، ارتفاع ضغط الدم، السكري، والإفراط في شرب الكحول. أفضل طريقة للحد من خطر الإصابة الخرف هو أن يعيش المرء حياة صحية منذ فترة طويلة متجنباً التبغ والإفراط في شرب الكحول وممارسة الكثير من التمارين الرياضية، ولكن متجنبا تلك التي تؤدي إلى ضربات متكررة على الرأس أو نوبات ارتجاج. مثل الملاكمة والرجبي وكرة القدم الأمريكية.
اتباع نظام غذائي صحي يساعد على الحد من خطر الإصابة بالسَّبه وتشير اللجنة إلى ضرورة تناول ثلاث حصص أسبوعية على الأقل من جميع الفواكه والخضروات الطازجة والأسماك، عدم استعمال مشروبات محلاة بالسكر، وتجنب اللحوم الجاهزة التحضير والنقانق Sausages. كذلك هناك الحاجة إلى ممارسة تمارين العقل من خلال تعلم آلات موسيقية أو لغة أجنبية أو حتى حل كلمات متقاطعة.
ليس من المستغرب إضافة مشاكل البصر إلى قائمة عوامل الخطورة، ولكن آلية الإصابة بالسبه بسبب ضعف السمع والبصر غير واضحة. هناك فكرة مفادها أن جميع هذه الأمراض لها سبب مشترك، ولكن ما نعلمه أن أجهزة السمع فعالة للغاية في الوقاية من السبه (الخرف). النظرية الأكثر شيوعاً هي أن ضعف السمع يؤدي إلى زيادة الحمولة المعرفية وارتفاع الجهد الذي يبذله الإنسان لفهم ما يدور حوله. يبقى السكري عاملا مشتركا للإصابة بضعف البصر والسبه.
هناك بعض العوامل التي هي خارج سيطرة الإنسان مثل عدد سنوات التعليم وكلما ارتفع مستوى التحصيل العلمي انخفض احتمال الإصابة بالسبه. كذلك هناك تلوث الهواء حيث لا مفر من الانتقال من منطقة عالية التلوث إلى منطقة أخرى.
آلية تلوث الهواء في خطر الإصابة بالخرف لم يتم حسمها. الخطر مصدره جسيمات دقيقة معروفة باسم pm 2.5 والتي يقل قطرها عن 2.5 مليون جزء من المتر والتي إذا استنشقها الإنسان فإنها تزيد من خطر الإصابة بسكتات دماغية وقلبية وأمراض الرئة. كذلك فإن هذه الجسيمات تدخل في مجرى الدم وتوثر على جدران الأوعية الدموية مما يجعلها أقل كفاءة في تطهير المخ من النفايات.
الدراسات الطولانية حول أسباب السبه تستغرق سنوات طويلة ومعقدة في تنظيمها وتثير مشاكل أخلاقية حول ترك بعض الحالات القابلة للشفاء بدون علاج. أراد بعض الخبراء إضافة أنماط النوم السيئة في منتصف العمر إلى القائمة، ولكن ذلك لم يحدث. في نفس الوقت هناك بعض الدراسات التي تشير إلى أن الأرق مرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالسبه.
انخفض معدل الإصابة بالسبه في البلدان الغربية الغنية بمقدار25% في العشرين سنة الماضية والسبب في ذلك هو تغيير في العوامل التي يمكن تعديلها أعلاه. لكن هناك تقارير من الصين واليابان تشير إلى تضاعف معدل الانتشار الإجمالي للخرف من 4.9% في عام 1985الى 9.6% في عام 2014 وهناك ارتفاع واضح في انتشار مرض ألزهايمر.
لا أحد يشك في ارتفاع انتشار السبه في السنوات القادمة مع تقدم البشر في السن ويجب أن تكون الوقاية من الخرف (السبه) أولوية الجهات الصحية والسياسية.
واقرأ أيضا:
الدماغ المكتئب!2 / دماغ الثناقطبي Bipolar Brain