التعمق في العبادات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني22
علاج وس.وق. المحتوى التعبدي (التعمق في العبادات):
نظرا لأنه في أكثر الحالات تأتي الشكوى من وس.وق. التعمق ضمن صورة أشمل من أعراض اضطراب الوسواس القهري، فإن ما سنذكره هنا إنما هو الجزء المعرفي السلوكي الخاص بهذا النوع من الوس.وق والذي يطبق ضمن الإطار السلوكي المعرفي العام، ويتضمن بعض المعارف والتدريبات الخاصة بمناجزة أشكال التعمق الديني في معرفة الأحوال والأحكام و/أو في العبادات كما بيناه سابقا، فأما المعارف فهي الشواهد الشرعية التي تدحض السلوك التعمقي سواء في السؤال أو في العبادات، وأما التدريبات فهي التطبيقات المناسبة لطريقة الت.م.ا (التعرض ومنع الاستجابة).
قد يكون علاج هذا النوع من الوس.وق. هو الأصعب من بين أشكال الوس.وق. الدينية كلها ليس فقط لشدة الأعراض القهرية وإنما لأن المريض نادرا ما يشعر بعدم صحة أفكاره أو أفعاله أو يراها غير مناسبة، فهو عادة أقل استبصارا وأشد تمسكا بقناعاته خاصة وأنها تتماشى مع سمات شخصيته التي تنزع لفرط الالتزام والانضباط والكمالية، فعندما يظهر اضطراب الوسواس القهري في شخص ذي سمات وسواسية عادة ما يؤدي التفاعل بين الاضطراب والسمات إلى صورة فريدة (الشدة فوق المعتادة للأعراض والشكوى الصادقة من المعاناة ومن السلوك القهري مع العجز المربك عن تغيير السلوك القهري، وضعف الاستبصار في نفس الوقت) ومن المهم التذكير هنا بأننا كثيرا ما نجد نفس الأعراض الوسواسية (التعمق في العبادات) لكنها مقبولة ذاتيا (تماما) من الشخص في حالات الشخصية القسرية (المتزنة أو المضطربة)، وغني عن البيان أنه كلما ازدادت السمات القسرية في شخصية مريض الوسواس القهري كلما كان التغير أصعب وكانت رحلة العلاج بالتالي أطول.
أولا التعمق في السؤال:
من المهم في علاج المريض المتعمق في السؤال أن تتم مناقشة مفاهيم دينية عديدة مثل مفهوم الإيمان الصحي والصحيح، فبينما يتطلب الإيمان الصحي قبول الأمور التي لا يمكن إثباتها أو نفيها، أي القبول والاعتقاد بأمور دون دليل قاطع (أي الإيمان بأمور رغم إمكانية الشك) ويقول تعالى في محكم التنزيل في وصف المتقين (ٱلَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ) (الآية 3 البقرة)، وكأن المعنى أن المتقين يؤمنون بما هو قابل للشك لأنه أمرٌ غيبي وهذا أول ما يصفهم به رب العالمين، رغم ذلك يسعى المريض إلى القضاء على الشكوك بنسبة 100%، وغني عن الذكر أن الشك المقصود هنا لا يشترط أن يكون الشك العقدي العام وإنما الشك في أي من تفاصيل الأخبار الغيبية.
يناقش بعد ذلك مفهوم الشك الديني (الشك في المعتقد) لدى المريض، فوجود الشك مشروع وليس مناقضا لوجود الإيمان! يتعرف المريض على الشك الصحي أو الشك المشروع (والذي يدفع إلى التفكر والتدبر مع تسليم الشخص بمحدودية قدرته على الإدراك)، مقابل الشك المرضي (والذي يستدعي التوقف عن العبادة حتى يزول) أي التفريق بين الشك الذي لا يؤثر على عمل الإنسان التعبدي ويدخل في حديث النفس المعفو عنه والشك الذي يتوقف الإنسان بموجبه عن العبادة.
وقد وردت في ذم التعمق في السؤال لتحري الطهارة (أي السؤال دون حاجة لعدم وجود علامة على النجاسة)، نصوص عديدة منها:
- (أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ عَصَبِ الْيَمَنِ، قَالَ: نُبِّئْتُ أَنَّهُ يُصْنَعُ بِالْبَوْلِ، ثُمَّ قَالَ: "قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّعَمُّقِ") رواه الحربي في غريب الحديث. وأيضًا عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: (هَمَّ عُمَرُ "أَنْ يَنْهَى عَنْ ثِيَابِ حِبَرَةَ لِصَبْغِ الْبَوْلِ"، ثُمَّ قَالَ: "كُنَّا نُهِينَا عَنِ التَّعَمُّقِ") رواه عبد الرزاق في مصنفه.
- (عن يحيى ابن سعيد أن عمرَ رضي الله عنه خرج في ركبٍ فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضًا، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض! هل تردُ حوضك السباع؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فإننا نَرِدُ على السباع وتَرِدُ علينا) رواه الإمام مالك في الموطأ.
وللتعامل مع هذه الحالة معرفيا لابد من مناقشة مفاهيم النجاسة والتطهير والنهج الفقهي الصحيح في التعامل مع الوساوس المتعلقة بها وهو ما تقدم شرحه ضمن وساوس وقهور العبادات، وأما سلوكيا فإن التدريبات اللازمة تشمل التواجد في أماكن وبيئات مختلفة قد الإمكان والصلاة فيها مع الامتناع عن السؤال عن طهارة ثوب أو شيء أو مكان دون وجود ما يستدعي ذلك أي علامة نجاسة، وتشمل السير حافيا في البيت بما في ذلك المطبخ والحمام والشرفة... إلى آخر ما يجده المعالج مناسبا للحالة المعينة.
كما وردت نصوص كثيرة في ذم أنواع التعمق في السؤال سواء فيما يتعلق بالأمور الغيبية أو بالأسئلة الفقهية الخلافية أو كثرة السؤال عن المسكوت عن حكمه من الأشياء فالأشياء إما مأمور بها، أو منهي عنها، أو مسكوت عنها، فما سكت عنه الله ورسوله فإنه معفو عنه، إلا أن هناك من تصيبه آفة التعمق والغلو في تحري المسائل الفقهية (سواء تعلقت بالاستنجاء والطهارة، أو بالزواج، أو الطلاق، أو التوحيد، أو الشبهات.... إلخ..) ثم بسبب إعجابه بطريقة تفكيره أو انخداعه بأهمية ذلك التفكير تجده لا يتوقف طوال الوقت الذي يمكنه التوقف فيه عن التفكير والسؤال حتى يصل إلى مرحلة لا يستطيع فيها التوقف!
وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "دعوني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجتنبوه، وإذا أمرتُكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتُم". متفق عليه.
وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال". رواه البخاري ومسلم.
والأسئلة المنهي عنها أو المكروهة أي المقصودة في الحديث الشريف هي الأسئلة الاستنطاقية والتكلفية التي تهدف إلى التشديد أو الخروج عن نطاق التعاليم الأساسية أو الأسئلة التي لا تفيد السائل ولا تنفعه في معاشه أو معاده، وإنما يجب التركيز على العمل والتطبيق بدلًا من الإكثار من السؤال عن تفاصيل لم تطلب، ومن المهم التذكير بفارق كبير بين بين أسئلة الموسوس اللحوح التعمقية. تساؤلات أصحاء العقول العابرة والتي قد تتعلق بأي شيء لكن صاحبها يتوقف عنها بمجرد معرفته بكراهة السؤال.
ويتبع>>>>>: التعمق في العبادة ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني24
واقرأ أيضًا:
استشارات عن التعمق القهري! / استشارات وسواس العقيدة