المحتوى الذنبي ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني25
  
 علاج وس.وق. الذنوب:
  من المهم التنبيه في البداية إلى سمة تفكير في كل هؤلاء المرضى تجعلهم لا يقبلون الخطأ من أنفسهم -ولو احتمالا- ويهولون وقعه ونتائجه، ويتوقعون أن يعاملهم الله جل وعلا بنفس الطريقة، ليس غريبا أن تسمع من أحدهم مقولة مثل   "أعرف أن الله يسامح لكن أنا لا يمكن أسامح نفسي" وكثيرا ما يفرطون في القسوة على أنفسهم في وجوب العقاب حتى أنهم يظهرون كباحثين عن التجريم والتحريم والأحوط لا الأيسر كغالبية البشر، وبينما توجه الشريعة السمحاء إلى إنسانية الخطأ والنسيان  (أي خطأ الأداء، بما فيه أداء العبادات) فكل بني آدم خطاء ولا أحد منزه عن الخطأ، فإن المريض يسعى إلى إزالة احتمال الخطأ أو التقصير بنسبة 100% وهو ما يستحيل عمليا في أغلب الأحيان، رغم ما يسببه من مشقة هائلة في حياته اليومية فضلا عن أداء العبادات.
  
  الشق المعرفي للعلاج:
  تبدأ العملية العلاجية بمناقشة مفهوم الذنب والاستغفار، أولا بتطبيع الوقوع في الذنب من كافة البشر، ثم تعريف المريض بماهية الشعور بالذنب من الناحية النفسية فهو   (عاطفة ذاتية تتضمن تقييمات سلبية للذات، ومشاعر الضيق، والفشل والإخفاق مع إحساس بالإثم، لأن الشخص انتهكَ مبدأً أخلاقيا ما) ثم بأنواع الشعور بالذنب  (أو الذنب الأخلاقي Deontological Guilt عند انتهاك المعايير الاجتماعية -الأخلاقية/الدينية- ولا يشترط وجود ضحية، والذنب الإيثاري Altruistic Guilt عند انتهاك مبادئ شخصية كالإيثار ولابد في هذا النوع من الذنب من ضحية)، كذلك يشرح الفرق بين الشعور الصحي بالذنب وشعور الذنب المرضي كما تشرح الاكتشافات العلمية الحديثة التي تظهر حساسية مرضى الوسواس القهري العالية لخبرة الذنب الأخلاقي، ويناقش بعد ذلك مفهوم الذنب والاستغفار في الديانة الإسلامية.
  
  فالشعورَ بالذنب في العقيدة الإسلامية لا منشأَ لهُ إلا بعصيان الله عزَّ وجلَّ أي أنهُ حادثٌ  "أي ليسَ موجودًا من الأصل، ولكنه يعرض بعد الوقوع في الذنب"، ولا يعني ذلك أن الإنسان لا يجب أن يذنب، بل على العكس من المسلم به أنه سيذنب، فجميل أن يسعى الإنسان إلى الاستقامة، وهجران الذنوب كلها، لكن هذا مستحيل، فالإنسان لا ينفك عن الخطأ، لا معصوم إلا الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلم:   ((كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) ...  صدق عليه الصلاة والسلام
  
  هذا قانون إلهي في الإنسان، ومن حِكَم خلق الإنسان هكذا أن يشعر بضعفه وحب الله تعالى له إذ يقبله على ما فيه، وهو دواء للتكبر والإعجاب بالنفس، ولما كان الإنسان خطاء، لا ينفك عن ذلك، كان العدل والكرم الإلهي أن يجعل باب التوبة مفتوحًا لكل مذنب وهو مفتوحٌ مباشرةً أمامَ العبد دونَ الحاجة حتى إلى إفشاء سره، يخطئ فيتوب ويستغفر، فيُمْحَى ذنبه، وينتهي الأمر، أي أن الشعورَ بالذنب حسب العقيدة الإسلامية حادثٌ وعارضٌ أيضًا  "لأنهُ ينتهي بمجرد الاستغفار والتوبة"، والشواهد الشرعية من القرآن والسنة المطهرة على ذلك كثيرة مثلا:
 يقول عز وجل  {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} صدقَ اللهُ العظيم  (الزمر:53)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "التائب حبيب الرحمن والتائب من الذنب كمن لا ذنب له" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
  
 وعن أبي هريرة، عن النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَحْكِي عَن ربِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى قَالَ:  (أَذنَب عبْدٌ ذَنْبًا فقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِم أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ ربِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تبارك وتعالى: أَذْنَبَ عبدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ، وَيَأخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَي رَبِّ اغفِرْ لِي ذَنبي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالى: أَذْنَبَ عَبدِي ذَنبًا، فعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنبِ، قد غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ) متفقٌ عَلَيهِ.
 وعنه  قَالَ: قالَ رسولُ اللَّه ﷺ: وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَجَاءَ بِقومٍ يُذْنِبُونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّه تَعَالَى، فيَغْفر لَهُمْ رواه مسلم.
 وعن أَبي أَيُّوبَ خَالِدِ بنِ زيدٍ  قَالَ: سمعتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يقول: لَوْلا أَنَّكُمْ تُذْنبُونَ لَخَلَقَ اللَّهُ خَلقًا يُذنِبونَ، فَيَسْتَغْفِرُونَ، فَيَغْفِر لَهُمْ رواه مسلم.
  
 بعد ذلك من المهم مناقشة حدود الذنب الخاص بالمريض المعين من وجهة نظره هو، مثلا ما هو الصحيح وغير الصحيح في تعامل الجنسين معا؟ أي ما الذي يمثل ذنبا بالضبط في موضوع اهتمامه، هل من الطبيعي أن تحدث للإنسان تخيلات جنسية؟ هل حدوث إثارة أحيانا تجاه المحارم أمر طبيعي؟ هل معنى ذلك أن الشخص يريد ذلك؟ أو أنه سيفعل؟  أو يمكن أن  يفعل؟ ونفس الأسئلة تنطبق في حالة وساوس الدفعات الجنسية التي يمكن أن تحدث في أي مكان أو أي موقف للمريض،  ومن المفيد السؤال عن جدوى التحاشي فيما سبق هل أدى إلى تناقص الوساوس أم زيادتها؟ أو مثلا حدود مسؤولية الشخص في التعاملات المالية؟ وهل الشخص مسؤول عن أخطاء الموظفين في شركته؟  هل يمكن أن يذنب الإنسان دون وعي منه؟ هل كل الذنوب سواء؟ لماذا شرعت التوبة وشرع الاستغفار؟ 
  
  وفي حالة الوس.وق. الجنسية من المهم أن نتأمل العلاقة الوثيقة بين الجنس والذنب بشكل عام فالوساوس الجنسية قد تكون مزعجة لأنها جنسية محرمة، جنسية عدوانية، جنسية غير ملائمة   (مثلا تتعلق بالمحارم) أو شاذة   (بنفس الجنس أو بالأطفال)، جنسية كفرية، جنسية ذاتية، أو لمجرد أنها أفكار جنسية لكنها في كل هذه الأحوال تستدعي الشعور الكثيف بالذنب وربما الخزي، ومن المهم خلال العمل المعرفي الاتفاق أولا على ما هو جنس مقبول دينيا بالنسبة للشخص وما هو غير ذلك، والعمل على فك الارتباط بين الذنب والجنس بعد ذلك، من المهم العمل على القيام بواجبات الحياة بشكل طبيعي مع عدم التحاشي. وهناك أيضًا من مرضى و.ذ.ت.ق الجنسي المعذبون بالصور الجنسية الشخصية التي -غالبا في لحظة ضعف واندفاع- تم تصويرها وحفظها على الهاتف أو تصويرها وتبادلها مع أحدهم أو تصويرها ورفعها على الإنترنت. ومن المهم حقيقة أن أشير إلى أن الصور لا يشترط أن تكون جنسية بالمعنى الشائع لتحدث أعراض الاضطراب فهناك من تعاني لأنها رفعت صورة لها تبين وجهها!! وهناك من أرسلت لأحدهم صورة بشعرها وبعضا من عنقها!! مثلما هناك من رفع لنفسه/ا صورة وهو يمارس الاستمناء/الاسترجاز، ومن رفعت صورا عارية لأجزاء من جسدها أو لكل جسدها، أي أن مشاعر الذنب الغامرة أهم في التشخيص من المحتوى الفعلي للصور.، وهناك ما لا يمكن إغفال علاقته بالذنب والتعمق في التكفير عنه وإن صنفناه وتصنفه الأغلبية ضمن عرْض و.ت.غ.ق أي التلوث والغسل ويتعلق بآثار ممارسة الاستمناء وما يمكن أن ينجم عنه إما أن تحمل واحدة من الأرحام لأنها تلوثت بالمني! كما في حالة    أختي أم بنتي؟: أمي حملت مني! وسواس قهري، وحالة   من المنديل أم الغسالة؟ وسواس الحمل!! أو بانتشار النجاسة وهو ما يشترك فيه الآن الذكر والأنثى   (الاستمناء/الاسترجاز) بسبب المذي والإفرازت والأمثلة عليه لا تحصى على مجانين، والعمل على مفهوم الذنب في تلك الحالات كثيرا ما يهمل العمل عليه مع المرضى أثناء العلاج -رغم أهميته المحورية- بسبب إرجاع الشعور بالذنب إلى الاكتئاب وليس للوسواس وترك العمل عليه للعقاقير غالبا.
  
 وأما وسواس الحلف والأيمان فيشرح للمريض أنه كغيره من الوساوس، يكون قهريًا، والقهر يتنافى مع الإرادة، وإذا انتفت الإرادة انتفت المسؤولية والمحاسبة. فلا داعي للخوف، ولا داعي لأي من احتياطات الأمان التي يلجأ لها المريض، فالحل الوحيد هو أن يتجاهل كل ذلك لأن حلفه وأيمانه من الوسواس وكلها لغو لا محاسبة عليها ولا كفارة فيها....، وهو ليس مطالبا بإزالة فكرة الحلف من رأسه، بل المطلوب أن يكمل حياته دون خوف من تلك الفكرة ودون استجابة لها لا بالحلف القهري ولا مقاومته، وأنه لا فرق بين أن يتلفظ أو لا يتلفظ لأنه مريض غير مكلف بما يكلف به الصحيح.
  
 الشق السلوكي للعلاج:
 وأما الخطوة الثانية فتشمل الاتفاق على خطوات وكيفية التعرض ومنع الاستجابة بناء على التحليل السلوكي الذي يبين متى يلجأ المريض إلى القهور وأهدافها، وهل هي قهور تحاشٍ فقط أم وقهور التزام، فمثلا في حالة قهور تحاشي الخروج غضا للبصر يتم تحديد خطوات التعرض والمشي في الأماكن التي يتحاشاها المريض ما دام تحاشيها يؤثر عليه أو على أدائه بصورة سلبية، مع أهمية الاتفاق على طريقة الاستجابة للوساوس المتوقعة أثناء التعرض ولاحقا بعد التعرض والتدرب على مهارة التجاهل النشط، وفي حالة تحاشي مخالطة الناس أو الحديث في أي شيء ديني يتم التدرج في التعرض لذلك مع التدرب على التجاهل النشط. وفي حالة وسواس التحرش بالمحارم أو وسواس زنا المحارم من المهم الانتباه إلى أهمية عدم التحاشي، فيجالس أخته أو أمه أو خالته...إلخ كما كان قبل الوساوس
  
 كذلك في حالة قهور الالتزام يتم التعرض بالتدريج لمحفزات القهور مع الامتناع عن القيام بها أو بأيٍّ من السلوكيات المحيدة، فيتدرب المريض مثلا على السير في الطريق دون إلزام نفسه بإزالة الأذى عن الطريق   (فهي سنة وتارك السنة لا يأثم، إنما يثاب على الفعل...)، أو التعامل مع الناس دون إلزام نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر   (فهو فرض على الكفاية أي أنه لا يجب على كل إنسان بعينه، وذلك في الأمر بالواجب والنهي عن المحرم أما في الأمور المسنونة أو المكروهة فهو مندوب  (مستحب) فقط لا واجب).... إلخ أو أن يتعامل ماليا مع الآخرين بشكل طبيعي دون تكرار سؤالهم عن تلقيهم حقهم كاملا، أو أن تجالس زميلاتها فلا تشاركهن في الغيبة لكنها في نفس الوقت لا تنهرهن ولا تؤنب نفسها بعد العودة للبيت، أو التوقف عن الإفراط في لوم الذات وتأنيب الضمير وجداول المحاسبة واستبدال ذلك أحيانا بالاستغفار، وهكذا بحسب ما يستوجب علاج الحالة من أمثلة.
  
 أي أن مناجزة الشعور بالذنب تتم أساسا من خلال تطبيعه ثم القبول به، باستخدام استراتيجيات معرفية، وسلوكية كالحوار السقراطي وفطائر المسؤولية والكلفة/العائد، والتدريبات التجريبية    ....إلخ. كما تتضمن التدرب على التعاطف مع الذات والقبول بإنسانية الخطأ أيا كان. والتدريبات التجريبية التي تهدف إلى تعريض المرضى للشعور بالذنب، والانتباه إلى الحوار الداخلي الذي ينتج عنه الشعور بالذنب، والتخلي عن أي محاولات لتقليل الشعور بالذنب.
  
 مثلا بعد تحديد 4 من المواقف التي يشعر فيها المريض بالذنب، مثل عدم الاستجابة بسرعة كبيرة لطلب الحصول على معلومات في الشارع، والاصطدام بلا مبالاة بشخص في مترو الأنفاق وعدم إعفاء نفسه على الفور. طُلب منه عدم منع الشعور بالذنب، بل الكشف عن نفسه له وتركيز انتباهه على أفكار اتهام الذات   («الآن هذه المرأة المسنة ستأخذ منحى خاطئًا بسبب تسرعي في إعطاء التوجيهات لها؛ سأفقدها الكثير من الوقت بما يسبب لها الإرهاق») وما يرتبط بها من عواطف وانفعالات يقال للمريض أن يراقب أفكاره وعواطفه دون أن يفعل أي شيء يغيرها أو يمنعها، ويلاحظ شدتها ومدتها وتحملها، وانتظار تناقصها التلقائي.
  
 ومن الأمثلة كذلك أن يتوقف المريض ولو بالتدريج عما أفرط في إلزام نفسه به، مثلا عدم صلاة الفجر أحيانا في البيت وليس في جماعة، المرور على الشحاذين دون أن يتصدق، عدم الالتزام أحيانا بالقيام أو قراءة الأذكار،  على أن يتعامل مع مشاعر الذنب والأفكار التي ينتج عنها ويركز انتباهه عليها وعلى المشاعر المصاحبة لها بنفس الطريقة أعلاه. أي أنه لا يتحاشى وإنما يواجه ويتعلم التحمل.
 ويتبع>>>>>: وساوس المعاملات ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني27
      
 واقرأ أيضًا: 
 استشارات عن التعمق القهري! / استشارات وسواس العقيدة
 
                                                                     
                        		                    
 تعليقات الأعضاء
 تعليقات الأعضاء