التعمق في العبادة ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني24
  
 ثالثا المحتوى الذنبي:
 يتعلق المحتوى الذنبي بمفهوم الحلال والحرام في الأفعال والأقوال والمأكول والمشروب والمعاملات الإنسانية، ويصطبغ بفرط الشعور بالمسؤولية وفرط التورع في الأفعال والأقوال والمأكول والمشروب ومع الأحياء والجمادات وفرط التعمق في تحاشي الذنوب المحتملة، وفرط التعمق في الاستفتاء عن الأحكام...إلخ، وتدور الوس.وق في هذه الحالات إما حول الخوف المفرط والتحاشي للذنوب أو حول الشعور المفرط بالذنب   (والذي عادة ما يكون إما ذنبا صغيرا أو تافها أو لا يخطر بالبال أنه ذنب! بل إنه في بعض الأحيان يكون حصول الذنب موضع شك من المريض!) أو حولهما معا، فأما النوع الأول فتحتاج الوس.وق فيه أن تكون واضحة الشدة والتطرف بما يميزها عن الخوف الصحي من الذنوب وأما النوع الثاني فلا يحتاج لأن تفاهة الذنب في تناقضها مع جسامة الاهتمام به والمعاناة بسببه تشي بسهولةٍ بالطبيعة المرضية للحالة.
  
 ونظرا لارتباط الشعور بالذنب في أذهان أغلب الأطباء النفسانيين بالاكتئاب الجسيم منه بالوسواس القهري فإن من المهم بيان الفرق بين شعور الذنب الاكتئابي Depressive Guilt ويتميز باللوم الذاتي العميق واتهام الذات المفرط، والشعور بعدم القيمة والركود والاعتزال، وشعور الذنب الوسواسي   Obsessive   Guilt ويؤدي إلى أفعال تكفيرية عن الذنب عادة تكون مختلة أو إلى حد مختل، إذ يهدف النشاط الوسواسي القهري إلى منع أو تحييد احتمال أن تكون مذنبًا، فمثلا في بعض حالات الاجترار الوسواسي لذكرى ذنب معين أو عواقب محاولات التذكر القهري لتفاصيل الحدث لإثبات الذنب من عدمه أو تخفيف المسؤولية أو تعظيمها في أغلب هذه الحالات نجد الموسوس بعد تكرار الاجترار ومحاولات التذكر فتولد الشك فتكرار المحاولة....إلخ، يصل إلى أنه أذنب أو غالبا أذنب وعليه إصلاح ذلك الذنب أو التكفير عنه بالتصحيح أو الاعتذار أو الاستغفار، فإذا كان التصحيح أو الاعتذار ممكنا فإنه يصدر من الموسوس بشكل مبالغ فيه ومتكرر يصل إلى حد التنفير في أغلب الأحيان، وإذا لم يكن أي منهما ممكنا -وهو الواقع غالبا- فإن الموسوس يكون أكثر ما يكون معرضا للاكتئاب الجسيم خاصة وأنه غالبا ما لا يقتنع بأن الاستغفار دون رد الحق أو الإصلاح أو الاعتذار يكفي وإن اقتنع فإنه يبقى معرضا للشك في ذلك ويكرر سؤال أهل العلم وربما وصل إلى الاستفتاء القهري، ومعنى ذلك هو أن وجود شعور الذنب الوسواسي والمحفز للسؤال أو تكرار الاعتذار لا ينفي وجود شعور الذنب الاكتئابي والمحفز لليأس والركود.
  
 قهور التحاشي التعمقية:
 أكثر وساوس الذنوب بداية من الرشد المبكر وحتى ما بعد الأربعين من العمر تتعلق بالجنس بداية من الإفراط في غض البصر والابتعاد عن المثيرات، وحساب النفس حتى على نظرة الفجأة بل ويبلغ الإفراط في التحريم ببعضهم تحاشي السير على ظل امرأة بل والنظر إليه غضا للبصر   (فهناك توهم لذنوب في سلوكيات اعتيادية)، مرورا بالتخيلات الجنسية المتعلقة بالمحارم أو بغيرهم وحدوث إثارة أحيانا، وصولا إلى الشعور المفرط بالذنب بسبب ذكرى لعب جنسي في الطفولة على سبيل المثال، أو ذكرى تحرش أو ممارسة جنسية محرمة حقيقية أو متخيلة!! بدءًا من العادة السرية    (الاستمناء أو الاسترجاز) أو الجنس الهاتفي أو تبادل الصور أو الفيديوهات الجنسية عبر النت، أو العلاقات الجنسية السيبرية وصولا إلى العلاقات الواقعية، في كل هذه الأشكال يكون الشعور بالذنب مناخا يصبغ الأعراض والأفعال القهرية بما ينبئ بسهولة بوجود مشكلة لدى الشخص في معالجة مشاعر الذنب عاطفيا ومعرفيا.
  
 ولا تقتصر وس.وق. تحاشي الذنوب على الأمور الجنسية وإنما تشمل كل ما يمكن أن يمثل ذنبا أو يرفع احتمالية الذنب فتجد مثلا من يسيطر عليه الخوف من أن يدخل مال حرام ضمن ربحه من مشروعه وكان يصر على محاسبة الزبائن بنفسه وكثيرا ما ينادي على الزبون بعد انتهاء المعاملة ليراجع ويتأكد أنه أعطاه حقه ولم يأخذ منه أكثر من حقه! ولما كبر مشروعه وأصبح لا يستطيع التعامل بنفسه بدأ يراقب المحاسب ويسأله كلما شك في أنه أخذ أكثر من الحق، كان لا يستطيع النوم أبدا قبل المراجعة وإذا راوده شك في شيء عجز عن النوم حتى الفجر، كما تجد من يتحاشى سلوكيات عادية بالنسبة لمعظم الناس مثل من يتحاشى التكلم في أمور دينية حتى وإن كان يعرفها مخافة الخطأ وصولا إلى تحاشي قراءة أو سماع أي شيء ديني، ومن تخاف أن ترد على أمها وهي تعرف الرد لكن ليست متأكدةً 100% خوفا من الكذب! ومن تتحاشى الجلوس مع زميلاتها دائما أبدا لأنهن يغتبن بعضهن أو غيرهن!     وهناك من يكاد يفرط في تحاشي كل ما فيه اختلاف بين الآراء الفقهية أو فيه    "شبهة"! كمن تتحاشى استخدام مرطب الجلد بسبب العطر الموجود فيه، ومن تتحاشى سماع الأغاني و/أو الموسيقى، أو مشاهدة أفلام، أو مسلسلات، أو مواد كرتونية بها عقائد كفرية...  إلخ. 
  
 قهور الالتزام التعمقية:
 هناك قسم لا بأس به من مرضى و.ذ.ت.ق هم من المعذبين بسبب تعاظم إحساسهم بالمسؤولية الدينية المتمثلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو إماطة الأذى عن الطريق، أو تعريف الجاهل بأمر من أمور الدين وهو ما يضعهم في حرج بين الصدام مع الآخرين أو اعتزالهم، أو صيانة الأسماء المقدسة على الأوراق والأغراض المختلفة والبحث عنها لحرقها لضمان ألا تهان، فهناك من يقرأ المكتوب على كل كيس أغراض أو كل ورقة بحثا عن لفظ الجلالة أو أسماء الأنبياء... إلخ. قبل أن يتخلص منها بإلقائها في سلة المهملات، وهناك أيضًا من يجد أنه لابد أن يقرأ كل منشور ديني على النت وإلا فقد أذنب ولابد أن يمرر كل مادة دينية ممررة   Forwarded  على الواتساب أو غيره، وهناك معذبون لأنهم نشروا شيئا دينيا فيه خطأ مطبعي ومضى وقت القدرة على تداركه أو إعادة تحريره لكنهم لا يستطيعون مسامحة أنفسهم وأغلب هؤلاء هم إما مرضى و.ذ.ت.ق أو من أصحاب الشخصية القسرية ومفرطي المثالية شديدي الالتزام.
  
 وهناك من يفرطون في مشاعر الذنب فيما يتعلق بحقوق الناس لأنه مثلا وهو صغير أخذ لعبة أحدهم، أو أنه أخذ صفحة من مجلة تخص رفيقه في اللعب، أي ذكرى ذنب قديم، وأحيانا لا يكون الحدث مؤكدا، وفضلا عن الذنب التاريخي والذنب التافه والذنب المحتمل قد نجد الانشغال المفرط بذنب غير مقصود عادة ما يكون شائعا برأي عامة الناس، كذلك نجد من هؤلاء من يصل إلى الانشغال 24×7 بالذنوب والتوبة والاستغفار منها إلى حد التأثير على قيامه بأنشطته الحياتية... إلخ، وهناك أيضًا ما يمكن أن نسميه التعمق في إرجاع الحقوق وهو عندما يكون الحق المقصود أتفه من أن يهتم به صاحبه، أو عندما ينفق الشخص لأجل إرجاع الحق أضعاف ذلك الحق   (أنفق 60 جنيه مثلا لأسافر إلى حيث أسدد ما قيمته جنيه واحد!) وتراه لا يقتنع أبدًا بأن إنفاق 30 ولا حتى 60 جنيها للفقراء في بلده أفضل من السفر البعيد لرد جنيه واحد!
  
 هناك من يشعر بالذنب لأسباب مثل التكاسل في أو العجز عن نجدة مريض قبل وفاته، أو بسبب سوء الظن أو التكبر رغم عدم ترتب أي نتائج سيئة على ذلك الظن أو الشعور، ومن يشعر بالذنب بسبب الاضطرار للكذب في ملء استمارة بيانات على الإنترنت وهو يريد أن يتخفى! أو بسبب عدم ترتيب الغرفة بعد القيام من النوم، أو بسبب إضاعة الوقت فيما لا يفيد   (لا تعلم ولا تعبد)، وهناك من يشعر بالذنب لفشله أو إخفاقه فيما ألزم نفسه به مثل صلاة الفجر في جماعة، ومن يفرط في إعداد والالتزام بجداول محاسبة النفس على كل تقصير.
  
 فكأننا والمريض محاصر بين قوتين إحداهما تدفع وتحث على البحث عن وتعظيم الذنوب... وذلك حين يأتي المريض وسواس أنه ربما ظلم أحدا ولا يتذكر فيشرع في التذكر والتذكر وهو في كل ذكرى معرض للشك والخوف والشعور بالذنب... أو وسواس أنه ربما سرق... ربما كذب ربما تحرش بصغير... وكلها تستتبع قهور التذكر ثم ربما قهور الاستفتاء، وربما الاعتذار أو الاستغفار... وفي كل هذا يكون الشك احتمالا قائما دائما ومسؤولا في كثير من الحالات عن التكرار القهري، وتجدهم مثلا ينشغلون في ما يتعلق بحقوق الملكية الفكرية للوسائط والبرامج والألعاب الإليكترونية وهي أمور لا تخطر ببال غيرهم على الأقل في دول العالم الثالث... فالأطفال والكبار يفعلون هذه الأمور على الإنترنت ولا أحد يبالي حرفيا لا أحد يبالي.
  
 وأما القوة الأخرى فتعمل من خلال الأفكار الوسواسية على تقليل القدرة على تصحيح الذنب أو التكفير عنه بأن تضع عراقيل كأن لابد من الاعتذار لصاحب القلم الرصاص الذي كتبت به الدرس أنت ولم تستأذنه    (بخصوص حادثة حصلت والمريض في الصف الثاني الابتدائي، أو مريض في اليمن يريد الاعتذار لامرأة اصطدم بها وهو يهرول في مطار نيويورك ولم يحسن الاعتذار خوفا من عدم اللحاق بالطائرة) ... فإن لم يجد الوسواس طريقا لإعاقة التوبة راح يشكك في صلاحية التوبة من هكذا ذنب!... وجعل كل ما يذكر الشخص بدينه أو بربه هو الذنب والعذاب.
 
 وسواس الحلف والأيمان
 ومن الوساوس والقهور ذات الصلة بوس.وق. تحاشي الذنوب أو بالإفراط في إلزام النفس بما يشق عليها تبرز وس.وق. الحلف والأيمان إذ يحاول المريض منع نفسه من ذنب ما، أو إلزام نفسه بفعل ما فيحلف أو يقسم بالله أن يفعل، أو ألا يفعل ثم يفشل في أن يبر بقسمه!! أي يحنث في يمينه وعندها يبدأ في السؤال عن الكفارة ومنهم من يخرج الكفارة أكثر من مرة لنفس الذنب، ويمكننا وصف نوعين منها هما: 
 1- وس.وق. الحلف والأيمان الأولية:
 حين تكون البداية بأن يحلف المريض أنه لن يفعل كذا (مثلا دخول مواقع إباحية أو الاستمناء)    أو أنه سيفعل كذا  (المذاكرة لمدة كذا) وعادة ما يكون الفعل أو عدم الفعل من الصعوبة بمكان، بحيث يخفق قريبا أو بعيدا فيدخل المريض عندها في مشكلة الحنث باليمين وما يستوجب، لكن المؤسف أنه إذا نجح لفترة مثلا في وقف مشاهدة الإباحية فإن الوسواس عادة ما يستغل ذلك أولا بأن تصبح الطريقة الوحيدة لمنع نفسه من الإباحية هي الحلف ثم بأن يورد الحلف على ذهنه مثلا عند كل قرار، بل وعلى كل شيء وعند كل خطوة... بل وأحيانا بصورة مضحكة مثل الحلف أنه سيبتلع ما في فمه من طعام! وكثيرا ما يحاول هؤلاء اللجوء إلى احتياطات تأمين مثل شغل اللسان بالكلام، أو الخوف من تحريك اللسان كي لا يقع الحلفان، وتحاشي سماع  "والله" حتى في الأغاني، وأخيرا هناك من يلزم نفسه بعد أي حديث مع العملاء على تذكر كم مرة حلف قائلا والله  (على وعد مستقبلي) فإذا تذكرها كلها سجلها في دفتر صغير وراح يستغفر ويتوب منها كل يوم فإذا سألته وهل تكذب على العملاء؟ يقول لا لكن أخاف ألا تفي الشركة بما وعدت!.
 
 2- وس.وق. الحلف والأيمان الثانوية:
 عندما تكون البداية محاولة من مريض الوسواس القهري أن يوقف بعض قهوره كتكرار الوضوء أو الغسل أو الصلاة.. إلخ بأن يقسم على نفسه بأن يفعل كذا أو يتصدق بكذا... أو أن زوجته ستصبح طالق... إلخ... وغني عن البيان هنا أن الأيمان الثانوية لا تحل المشكلة ولا حتى مؤقتا... لأنها ليست إلا استبدالا للقهر الأصلي بقهر جديد، عادت ما يكون بوابة لشكل جديد من الوسواس كوسواس الطلاق، أو وسواس تراكم الأيمان المنعقدة كما يسميها المريض.  
  ويتبع>>>>>: علاج وسواس الذنب ع.س.م.د RCBT الوسواس القهري الديني26
      
 واقرأ أيضًا: 
 استشارات عن التعمق القهري! / استشارات وسواس العقيدة
 
                                                                     
                        		                    
 تعليقات الأعضاء
 تعليقات الأعضاء