التحليل النفسي لشخصية بشار الأسد1
3- سمات انطوائية: تمثلت في عزلة عن الواقع، وإنكار له، والعيش في عالم شديد الذاتية والخصوصية، وتقلص انفعالي، وخجل وانطواء، وسخرية من المآسي والخراب الذي حل بسوريا، وانفصال بين ما يقوله وما يفعله، ومحاولة مضنية لسد الفجوة بين الذات المثالية والذات القيادية المستحدثة، وكانت ملامحه الطفولية تفضح ذاته الطفلية الهشة فيحاول أن يكون قاسيا وعنيفا وعنيدا حتى يرهب كل من يطمع في الولوج إلى ضعفه.
ثالثا: آليات الدفاع النفسية السائدة:
ظهرت في أحاديثه ومواقفه استخدامه لآليات دفاع نفسية مثل السخرية من الآخرين والحط من قيمتهم لكي يبدوا هو البطل الأوحد، والإنكار للواقع لكي يتمكن من أن يخلق واقعا ذاتيا وهميا يسعد به، والإسقاط بمعنى أن ينزع عن نفسه كل النقائص والعيوب ويرميها على غيره لكي يسخر منها ويحتقرها وهو مرتاح البال ويضحك ملء فمه، والعقلنة بمعنى الدخول في أفكار شبه فلسفية شديدة الجفاف والاغتراب ومغرقة في التفاصيل الباهتة المملة، والانفصال العاطفي بعيدا عن الناس وعن الأحداث المأساوية فهو لا يتعاطف مع ضحاياه ولا يشعر بآلامهم ولا يندم على إيذائهم بل ينظر إليهم أنهم عبيد مارقين ولا يستحقون غير ذلك فيسحقهم بكل الأسلحة الفتاكة ويلقي بهم في السجون تحت وطأة أشد أنواع التعذيب والقتل (كان يفرم الجثث في سجن صيدنايا بعد سجن أصحابها لسنوات في زنازين كالقبور تحت أشد أنواع التعذيب)، وقد وصل إلى حالة من السادية تسمح له بالاستمتاع بالقسوة والقهر والقتل بل ويسخر ممن وقع عليهم ذلك، ويضحك من قلبه وهو يتجول بين الأنقاض والخراب الذي صنعه، ويتهم السوريين بأنهم من فعلوا بأنفسهم ذلك، ولذلك يشعر بالقرف منهم ومن سوريا كما عبر هو بنفسه.
قراءة نفسية للتسريبات:
بعد هذا الاستعراض للنشأة والتركيبة النفسية والسمات الشخصية نعود لقراءة لقطات التسريبات التي أذاعتها قناة العربية على مراحل لأحاديثه مع مستشارته (أو عشيقته أو صديقته أو أمه المعنوية أو كل هذا ان شئت)، والتي تأتي أهميتها من قدرة "لونا" على تشجيعه للتعبير عن ذاته الحقيقية في أجواء حميمية متقبلة ومشجعة وداعمة ومطمئنة فنلمح:
1 – اللغة الساخرة المتهكمة من الأماكن والأشخاص والأحداث: وهي تشير إلى الإنهاك النفسي، والشعور بالدونية (يغطيه بالاستعلاء اللاهي غير المسؤول)، والعدوانية المكبوتة (لعنته على الغوطة مع أنها جزء من الوطن الذي يحكمه، وهو الذي حولها إلى خراب وهجر أهلها)، ومحاولة لتفريغ داخلي لمشاعر متضاربة في أجواء تبدو مرحة وساخرة من كل شيء.
2 - السخرية من صورته: حين أعلن أنه لا يرى صوره المنتشرة في البلاد بعينه ولا يدركها بعقله، وقد يعكس هذا انقسام الأنا فموقعه كرئيس مستبد باطش لا يتناسب مع حقيقته المنطوية الهشة الضعيفة الموسوسة، ويتبع ذلك كراهية الذات المقنعة التي دفعته إليها الظروف ورغبة الأب في استمرار دكتاتوريته وخلوده، ويعكس أيضا فقدان أو رفض المعنى الرمزي للسلطة.
3 - الألفة غير الرسمية: فقد كانت مستشارته (أو المفترض أنها كذلك) تكسر حواجز الوظيفة وتأخذ الحوار إلى مساحات وجدانية حميمية غير متوقعة في الحديث إلى رئيس جمهورية طاغية دموي مستبد، وهو يستجيب لذلك ويتحدث بتلقائية طفولية سمجة وغير بريئة، وهذا يعكس احتياج عاطفي لم يشبع أدى إلى ذوبان الحدود المهنية، والبحث عن شاهد داخلي يخفف عزلته الشخصية وتناقضات ظاهره عن باطنه، والتورط في تصريحات تهز صورته وتحطم كيانه كرئيس للدولة ومسؤول عن كل شيء فيها، وتلقي بشبهات قوية عن طبيعة علاقته بها والتي تأخذ العقول إلى أبعد احتمالات العلاقات المشينة لشخص في هذا المنصب.
4 - الصراع الداخلي المركزي: صراع بين بشار الفرد الطيب الهش المنطوي، وبشار الرئيس القائد الصورة، وهو صراع غير محسوم يؤدي إلى تشوه أخلاقي، وتبرير العنف المفرط، وفقدان التعاطف مع الضحايا، والشعور بالقرف ليس من ذاته التي صنعت كل المآسي والخراب ولكن من سوريا الوطن والناس، وبالتالي التوجه نحوهم بالتعذيب والقتل والسخرية والاحتقار.
السلطة كإدمان نفسي: من متابعة حياة أصحاب السلطة الدكتاتورية المستبدة نصل إلى أن السلطة المطلقة بلا حدود هي نوع من الإدمان الشديد غير القابل للشفاء، وهي هنا بالنسبة لبشار كانت عبارة عن مخدر نفسي لصراعاته وانشقاقاته، وهي منظم للقلق لديه، وتعويض عن هشاشته الداخلية وعدم جدارته للمنصب الذي يشغله والذي ورطه فيه أبوه لتحقيق حلمه في الخلود السلطوي الذي خطفه منه الموت الحتمي، وفي هذه الحالة يصبح أي تهديد لهذا الإدمان يقابل بالإنكار (كأي مدمن)، واعتبار من يهدده إنما هو خائن يهدد سلامة الوطن وبالتالي يستحق أقسى درجات العقاب والتعذيب والقتل فالزعيم المستبد يتوحد مع الوطن، بل ربما يرى هو أن الوطن توحد معه وأخذ قيمته منه، ولهذا يبلغ في القسوة والقهر مع مناوئيه أقسى حد للحفظ على الوطن أو بالأحرى للحفاظ على ذاته المنتفخة الهشة.
ونخلص في النهاية أننا أمام شخصية مأزومة، وحاكم غير كفء محكوم بالخوف أكثر من القوة، وإنسان محاصر داخل صورة صنعت له وهو لا يحبها، ولكنه مع ذلك أصبح مدمنا لها ولم يعد قادرا على مغادرتها، وفي النهاية تدفع الشعوب ثمنا فادحا أمام تشوهات شخصية من يقودها، وربما تثور عليه وتخلعه في ظروف ما، ولكنها للأسف قد تضع نفسها تحت أنياب دكتاتور آخر بوعي أو بغير وعي يسومها أشد العذاب، وكأن الشعوب العربية (دون سائر الشعوب) لديها رغبة خفية تجعلها تعيش في دورات استبدادية بلا نهاية تصنعها بنفسها أو تشجع على صناعتها، وكأنه نوع من إدمان العبودية المختارة.
واقرأ أيضًا:
ترامب الجديد عاد لينتقم من أمريكا والعالم / حبة الغلة... القنبلة الكيميائية
