الهُوال Posttraumatic Stress Disorder
حتى يصاب الإنسان بالهُوال لابد من أن يتعرض لحدث يهدد وجوده أو سلامته يشعر فيه بالهَول والعجز، ويشعر أنه ضعيف أمامه ولا حيلة له حيث يصيبه هذا الهول الذي هو أقصى درجات الخوف والرعب بنوع من شلل الإرادة فيستسلم ويسيطر عليه الشعور بالعجز وقلة الحيلة وهو مزيج مشاعر شديد الإيذاء ويتسبب برض نفسي Trauma.تختلف شدة الرض النفسي الناتج عن الشعور بالهَول والعجز بحسب شدة التهديد الذي يشعر به هذا الشخص والأدق هو أن نقول بحسب رؤية الشخص لشدة التهديد لوجوده كلياً حيث يخشى الموت، أو جزئياً حيث يخشى أن يفقد عضواً من أعضائه، لأن الأذى والرض النفسيين يكونان على قدر الخطورة المُدْركة أكثر من الخطورة الحقيقية.
الهُوال حالة نفسية يكون الإنسان فيها في أعلى درجات الاستنفار التي يشعر بها من يتعرض للتهديد إنساناً كان أو حيواناً حيث يكون بدنه مستعداً لأن يهاجم الشيء الذي يهدده أو مستعداً لأن يهرب لينجو بنفسه وهو ما نعبر عنه بقولنا Fight or Flight وبالعربي يكون مستعداً ليضرب أو ليهرب. هذا الاستعداد للهجوم أو الهروب يتطلب أن يستنفر الجسم طاقاته كلها فيتسرع قلبه ويرتفع ضغطه، وقد يتسرع تنفسه، وتتحفز عضلاته فيرتجف، وقد يجف لعابه أو يتبول أو يتغوط لا إرادياً. في هذه الأحوال يكون نشاط الجهاز العصبي الودي على أشده كي يساعد الكائن على المحافظة على نفسه والبقاء حياً وسالماً.
وفي الهوال قد يتبلد الشعور بالألم ريثما يخرج الشخص من موقع الخطر حيث يشعر بألم جراحه أو أية إصابات حدثت له. وعند تلبس الكائن الحي بحالة اضرب أو اهرب تتوسع حدقتا عينيه لتساعده على الرؤية بوضوح أكثر من المعتاد في حياته اليومية حيث لا يخشى على نفسه.
وفي الاستنفار الحيوي هذا يكون الكائن في حالة توجس وحذر وترقب فينظر ويصغى ليلتقط أية إشارات تدل على وجود تهديد يهدد وجوده. وكثيراً ما تتأثر قدرة الكائن على التذكر أثناء إحساسه بالتهديد والهَول المرافق له فتحتد ذاكرة البعض وتضعف ذاكرة غيرهم لحد التعتيم الكامل لما حدث فلا يذكرون من الموقف الراض شيئاً أبداً. إنه في موقف الاستنفار الحيوي عند إدراك المخاطر يظهر حرص الجسم على تنشيط الآليات الحيوية التي تساعد على البقاء وذلك على حساب الوظائف الأخرى التي لا يتوقف عليها بقاء الكائن الحي.
إن الاستجابة للتهديد التي تستنفر الكثير من وظائف الجسم الحيوية تستمر عادة حتى يزول الهَول والخوف والخطر لتعود تلك الوظائف لحالة الهدوء والراحة وذلك خلال نصف ساعة بعد زوال التهديد عادة، لكن عند التعرض للشدائد الراضّة نفسياً فإن الاستنفار الحيوي الدفاعي يستمر مع أن الخطورة زالت أو انخفضت.
في الأحوال العادية وعندما يشعر الكائن أن الخطر قد زال يتنشط الجهاز العصبي نظير الودي الذي يعيد الجسم إلى حالة الاسترخاء ويريحه من حالة الاستنفار لجميع طاقاته المرهقة للنفس والبدن.
لو بقيت النفس والبدن في حالة استنفار تدوم طويلاً بعد زوال التهديد فسيكون ذلك مرهقاً للنفس والبدن إرهاقاً يتحول إلى أعراض مرضية نفسية وبدنية تتكون من اجتماعها وفق ترتيبات مختلفة التشخيصات المختلفة للاضطراب النفسي الناجم عن الصدمة النفسية وهذه أهمها مع ذكر معايير تشخيصها.
1. الهُوال Posttraumatic Stress Disorder
لتشخيص حالة مريض بأنها هوال يجب أن تجتمع فيها المعايير التالية:
المعيار الأول: أن يكون الشخص قد تعرض لاحتمال الموت الفعلي أو التهديد بالموت، أو لإصابة خطيرة، أو العنف الجنسي وفق واحد أو أكثر مما يلي:
1 - التعرض مباشرة للحدث الصادم .
2- مشاهدة الحدث يقع للآخرين.
3- أن يعلم أن حدثاً صادماً قد وقع لأحد أفراد أسرته أو أحد أصدقائه المقربين.
4- في حالات الموت الفعلي (توقف القلب مثلاً) أو التهديد بالموت لأحد أفراد الأسرة أو أحد الأصدقاء المقربين، والحدث يجب أن يكون عنيفاً أو مفاجئاً كما في الحوادث غير المتوقعة.
5- التعرض المتكرر أو التعرض الشديد للتفاصيل المكروهة للحدث الصادم. على سبيل المثال، أول المستجيبين لجمع الأشلاء البشرية، ضباط الشرطة الذين يتعرضون بشكلٍ متكرر لتفاصيل الاعتداء على الأطفال.
المعيار الثاني:
وجود واحد أو أكثر من الأعراض المقتحمة التالية المرتبطة بالحدث الصادم، وبدأت بعد وقوعه:
1- تقتحم الذكريات الصادمة ذهن المصاب بشكل متكرر وقهري وتفرض نفسها عليه ولا يستطيع طردها من ذهنه.
لكن هذه الذكريات للحدث الصادم في الأطفال الأكبر من 6 سنوات تظهر من خلال اللعب المتكرر الذي يكون حول موضوعات الحادث الصادم أو أشياء مرتبطة ببعض جوانبه.
2- رؤية أحلام مؤلمة متكررة يتعلق محتواها أو المشاعر التي فيها بالحدث الصادم. لكن عند الأطفال يكون هنالك أحلام مخيفة محتواها غير واضح وليس متعلقاً بالحدث الصادم بوضوح.
ردود فعل انفكاكية Dissociative على سبيل المثال: flashbacks ومضات الذاكرة حيث يشعر الفرد أو يتصرف كما لو كان الحدث الصادم يتكرر يحدث من جديد فيرى نفسه في الموقف الصادم الذي تعرض له يرجه لعدة ثوانٍ تكون شاقة على المريض، وقد تحدث ردود الفعل هذه بشكلٍ متواصل، ربما وصلت إلى فقدان كامل للوعي بالمحيط لأنه طيلة الوقت يعيش في ومضات تذكر بالصوت والصورة والعواطف للموقف الذي صدمه.
- إنزعاج نفسي شديد أو مستمر لفترات طويلة عند التعرض لمنبهات داخلية أو خارجية تذكر المريض بالحدث الصادم، والمقصود بالمذكرات الداخلية تلك التي تنشأ في نفس المهوول مثل الذكريات أو الكلام على ما حدث. أما المذكرات الخارجية فهي التي توجد خارج المريض وهي أشياء يراها أو يسمعها أو يشمها أو يلمسها أو يتذوقها وتحيي في نفسه ذكرى الصدمة والهول الذي مر به وقتها.
- ردود فعل فيزيولوجية شديدة (خفقان ودوخة وسرعة تنفس وتعرق غزير ةارتفاع الضغط....) وذلك عند التعرض لمنبهات داخلية أو خارجية ترمز أو تشبه جانباً من الحدث الصادم.
- تجنب أو محاولة تجنب الذكريات المؤلمة، والأفكار، أو المشاعر أو ما يرتبط بشكلٍ وثيق بالحدث الصادم. وكذلك تجنب أو بذل الجهد لتجنب عوامل التذكير الخارجية (الناس، الأماكن، والأحاديث، الأنشطة، والأشياء، والمواقف) التي تثير الذكريات المؤلمة، أو تستدعي الأفكار، أو المشاعر عن الحدث أو المرتبطة بشكلٍ وثيق بالحدث الصادم.
- تحولات سلبية في القناعات والمزاج المرتبطين بالحدث الصادم، تبدأ أو تتفاقم بعد وقوع الحدث الصادم، تتجلى في اثنين أو أكثر مما يلي:
- عدم القدرة على تذكر جانب هام من جوانب الحدث الصادم بسبب النساوة الانفكاكية وليس بسبب عوامل أخرى مثل إصابات الرأس، والكحول، أو المخدرات.
- معتقدات أو توقعات سلبية ثابتة ومبالغ بها حول الذات، والآخر، أو العالم مثل:
"أنا سيئ"، "لا يمكن الوثوق بأحد"، "العالم خطير بشكلٍ كامل"، "الجهاز العصبي لدي مدمر كله بشكلٍ دائم".
قناعات ثابتة، مشوهة عن سبب أو عواقب الحدث الصادم مما يؤدي بالفرد إلى إلقاء اللوم على نفسه/نفسها أو غيرها.
حالة عاطفية سلبية مستمرة على سبيل المثال: (الخوف والرعب والغضب، والشعور بالذنب، أو العار).
تضاءل ملحوظ للاهتمام أو للمشاركة في الأنشطة الهامة.
مشاعر النفور والانفصال عن الآخرين.
العجز المستمر عن أن يخبُر ويعيش المشاعر الإيجابية على سبيل المثال: عدم القدرة على الشعور بالسعادة والرضا، أو بمشاعر المحبة.- تغير ملحوظ في درجة الاستثارة وردود الفعل المرتبطة بالحدث الصادم، يبدأ أو يتفاقم بعد وقوع الحدث الصادم، كما يتجلى في اثنين أو أكثر مما يلي سلوك متوتر ونوبات غضب دون وجود سبب يستفز أو قد يستفز بشكلٍ خفيف لا يستحق كل هذا الغضب الذي عادةً ما يقود إلى الاعتداء اللفظي أو الجسدي تجاه الناس أو الأشياء.
ويتبع>>>>: الهُوال_2 (PTSD)
واقرأ أيضا:
القرآن يتحدى / توصيات مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب