المكتوب عندما يكون مرغوبا ينتشر ويدوم، والمرغوب أن يعزز رهبة الكرسي ويعظم الجالس عليه، وينزهه من المثالب ويصنع منه أسطورة لا وجود لمثلها.
ولهذا فإن المدوّن مرغوب من قبل الكراسي المتسلطة، فهو يمثلها ولا يكتب عن الأحداث بموضوعية وحيادية، فالكتابة كانت صنعة يتكسب بها أصحابها، ولا فرق بين الكاتب والشاعر في مبتغاهما آنذاك.
فالتأريخ المكتوب يمثل الكراسي ويعزز سلوكها وينزهها من المظالم والآثام ويجعلها موجودات فريدة لا تُضاهي، ولا يقترب منها أي إنسان.
الإعلاميون أو المبوقون الدعائيون لأي كرسي عبر العصور هم الفقهاء والشعراء وأصحاب الأقلام بأنواعهم، وهؤلاء يتملقون للكراسي وينافقون، ويقولون ما ليس في قلوبهم، لكنهم يفعلون ذلك للإرتزاق والحظوة.
وذلك من طباع البشر المحكوم بأمارة السوء التي فيه، وهي القوة القاهرة المهيمنة الموجهة التي تأخذ أصحابها إلى حيث تريد، لتأمين رغباتها ونزعاتها المفلوتة.
فمن النادر أن يشذ البشر عن الرغبات وإرضاء الحاجات عندما تتوفر أمامه، وتكون في متناوله. وهذا الميل يفسر نسبة الغش في كتب التأريخ، لأن معظم الكتاب كانوا يعتاشون على ما يكتبونه، ولابد لهم أن يقدموا ما يرضي نظام الحكم ويساهم بمكافآة جزيلة، فكمية ما يحصلون عليه يتناسب مع حسن مديحهم وجمال ثنائهم وتبجيلهم للكرسي السلطان.
فهل يُعقل أن يكتبوا بصدق ونزاهة وحيادية؟
إنهم بالتأكيد سيميلون إلى حيث يستطيعون أن يغرفوا أكثر.
ومعظم كتب التأريخ مهداة للمتنفذين والحكام، لتنال رضاهم وسخائهم.
أعاجيبٌ بها الأقلام جادت
ملائكةً شياطينا أحالت
مثالبهم بقرطاسٍ تباهت
وعن خبثٍ وإجرامٍ تناءت
ينافق كلهم من أجل مالٍ
وعن حقٍ بصائرهم تعامت
واقرأ أيضا:
خراب العالم!! / الرأس البليونيري!!