حائِرٌ في اختيار عنوان
مشكلتي حياتِيَّة عامة، أو روحية لا أدري، أو أَشُكُّ أنَّها نفسِيَّة، لكن هذا مَتْرُوكٌ لكم.
أنا زُرْتُ د/ وائل في ديسمبر ٢٠٠٤ ويوليو ٢٠٠٥ مع والدي. أذكُر أنَّه شَخَّص إصابتي بوسواس قهري واكتئاب.
كنت مُتَفَوِّقًا في المرحلة المدرسية، بكل المواد أحصل على الدرجة الكاملة، كُرِّمْتُ على مستوى الإمارة عند انتقالي من المرحلة المتوسطة للثانوية، وكذلك في امتحان الثانوي. لا أذكر أنِّي نزلت عن المستوى الثاني على الصف. لم أكُن أُذَاكِر بِكَثْرَة، لكن ربما كنت مُنسَجِمًا مع الحياة (عكس الآن).
مشكلتي مُتَدَاخِلَة بِشِدَّة، فأنا أُعانِي من تَقَلُّب المِزَاج والقلق ووساوس عقلية وتَوَتُّر. أُحِسُّ بِعَدَم تَلاقي وانسجام أبعاد من نفسي، فبعض الأبعاد مُتَفَوِّق فيها ومُنجِز إنجازًا أَصِفُه بالهائل (أقصد بالإنجاز أني قرأت واستوعبت مفاهيم عقلية كثيرة)، ربما لا تُصَدِّقُوني أو تنسبون هذا إلى أبعاد اضطراب نفسي، لكن لا أَظُنُّ أنِّي مُخطِئ.
بعد تشخيصي بالوسواس العقلي من دكتور وائل عُدتُ إلى السودان، واقترح والدي أن أُتَابِع مع دكتور نفسي في السودان. كنت أعيش في بيت جدي مع خالتي، حيث كنت حضرت للسودان من السعودية بعد إنهائي الثانوية. هنا نقطة هامة، فقد كانت علاقتي طيبة مع خالتي هذه، لكنها تُوُفِّيَت أواخر ٢٠١٨ رحمها الله. هناك دكتور نفسي قريب لنا رَشَّح لوالدي دُكتورًا نفسِيًّا في السودان عام ٢٠٠٥ بعد رجوعي من عند دكتور وائل في مصر.
مَكَثْت مع الدكتور هذا ٥ سنين من أواخر ٢٠٠٥ حتى ٢٠١٠. في البداية أخبرته بالتشخيص الذي أخذته من دكتور وائل. في ذلك الوقت لم أَكُن أُدَقِّقُ في التشخيصات كثيرًا، ثم سُرعَان ما أصبحت غير مُرتَاحٍ من تشخيص الوسواس لي. كنت أناقش الدكتور هل مجرد وجود تفكير مضطرب يجعل الشخص مُوَسْوِسًا؟! لم تُرِحْنِي هذه الفكرة، ولا أرتاح لها حتى الآن. الذي أفهمه من اطِّلَاعِي وذَوْقِي الشخصي وحِسِّي في النظر للأمور أن الشخص قد يكون مًكتَئِبًا أو قَلِقًا بالمعنى العَامِّي للكلمة أو حتى مُصابًا بـ "Delusion" مع بَصِيرَة، ويكون لديه شكاوى في تفكيره، لكنه ليس مُوَسْوِسًا. من اطِّلاعي على استشارات مجانين وموقع إسلام ويب ومواقع كثيرة بالإنجليزية والعربية أنَّ المُوَسْوِس لديه فكرة أو سلوك يُرِيدُه أن يختفي، لكن هذا السلوك يُعَاوِدُه، وكذلك قَلَق المُوَسْوِس مُعتَدِل إلى حَدٍّ ما.
أنا عانيت من الوسواس لفترة وجيزة (ربما عامين) عند زيارتي لدكتور وائل، وأوَّل عام ونصف مع الدكتور الثاني السوداني، ثم انقلبت الأعراض دَرَاماتِيكِيًّا!
أولًا: زاد عندي القلق والتوتر، وأصبح غير مُرتَبِط بموضوع أو اثنين أو ثلاثة حتى، بل يتَلَبَّس كثيرًا من التفكير، مع اكتئاب وفترات راحة. يعني خلال شهرين أو ثلاثة أَمُرُّ بكل هذه الأطوار (القلق والتوتر والاكتئاب) مع بعض أو لوحدهم، والسواء النسبي. كل هذا والدكتور مُتَحَيِّر، وأحيانًا يقول لي أنَّه وسواس وكَثْرَة تفكير و"Preoccupation" بالأفكار.
لكن بعد الاكتئاب كنت ساكنًا في بيت جدي كما ذكرت مع خالتي غير المُنجِبَة للأطفال، وخالة أخرى لديها ٧ أبناء، وزوجة خالي المُتَوَفَّى وأبنائها. جدير بالذكر أنهم كلهم (أقصد أبناء خالتي الأخرى وزوجة خالي) يكبُرُونَنِي كثيرا في العمر (أنا من مواليد ١٩٨٦، وأحكي عن فترة عام ٢٠٠٦، وكان عمري حوالي عشرين عامًا).
ثمَّ في ٢٠٠٦: زادت الأعراض، حيث أنِّي كنت أشعر بحساسية عالية (لم أَكُن مُنتَبِهًا لها وقتها، هذا تقييمي الحالي لوضعي آنذاك). رفضت إِكمَال الدراسة الجامعية (كنت قُبِلْتُ في كُلِّيَة الطب). لم أشعر بإشباع، وكنت أُفَكِّر أن علماء كنيوتن وغيره في نهضة أوروبا أنجزوا إنجازات فكرية تَنُمُّ عن بَصِيرَة وإلهام كبير في عمر يُقارِبُ الـ٢٤، وأنا أقترب من هذا العمر، فهل سأُنجِزُ مثلهم؟!
للاختصار من ٢٠٠٦ إلى ٢٠١٠: مَرَرْت بأعراض أقرب للاكتئاب الذُّهَانِي، وضيق شديد يترَكَّز بالرأس كأنَّ شخصًا يضغط رأسي من الخارج، تَذَنُّب وُهامِي وأفكار وُهامِيَّة كثيرة تتَرَكَّز على الأمريكان كأنَّهم يمكن أن يَقْصِفُوا السودان بالنَّوَوِي في أي لحظة ما داموا يمتلكون السلاح والحكومة السودانية مُعادِيَة لهم، وفي نفس الوقت تَذَنُّب من هذه الأفكار وإحساس بالخجل من أنَّها تاتيني رغم ذكائي الكبير واعتدادي بنفسي، ولكن كنت أُخبِرُ بهذه الأفكار لخالتي المُقَرَّبَة مِنِّي فقط، ولم يَظْهَر للناس أنِّي أُعَانِي من أي شيء رغم اكتئابي الشديد المَصْحُوب بالوُهَامَات "Delusions". أيضًا عندما أجلس في النَّت كنت أُفَكِّر أنَّ الأمريكان ربما يَمْنَعُوا كُلَّ المحتوى المُقَرْصَن كالأفلام والكتب حتى لا يخسروا اقتصاديًّا، وأقول لنفسي ألَّا أُتَابِع الأفلام الأمريكية بالنت لأنَّنِي تحت رحمتهم وقد تختفي في أي لحظة، وأتذَنَّب من قراءة الروايات العربية كروايات أحمد خالد توفيق الموجودة في النت لِتَخَيُّلِي الإجباري أنَّهم سينتهون مُشَرَّدِين فقراء يَشْحَذُون بالشارع إذا قَرْصَنَّا كُتُبَهُم ولم نَشتريها قانونيًّا. بمعنى تَذَنُّب اكتئابي وهامي، لكن أنا كنت اعرف تشخيصي من خلال اطَّلاعي، وهذا زاد الهَمّ لدي، كيف أعرف التشخيص رغم أن الـ "ديلوجونز" تذهب البصير بطبيعتها، بمعنى أنّنِي كنت أَتَعَذَّب أعلى أنواع العذاب النفسي وأنا واعٍ به، وهذا يزيد العذاب إلى ما لانهاية، فكرهت الله والدِّين لِسَمَاحِه بهذا النوع من العذاب على بشر.
غيَّرت الطبيب في ٢٠١٠ وذهبت للطبيب قريبنا الذي كان عاد لِيَسْتَقِر بالسودان بعد تَقَاعُده في السعودية، وتحوَّلت الأعراض لـ "Perecutory thoughts" تجاه خالتي المقَرَّبَة لاختلافنا في التفاهم وإحساسي بتَعَمُّدِها لذلك. وكذلك غضب وحقد تجاه بعض أبناء خالتي الأخرى لمشاكل بينهم وبين بنات خالي المُتَوَفَّى على إِرْثِ جَدِّي لأُمِّي، صحيح أنَّنِي لم َكُن طَرَفًا فيها لكنَّنِي لم أستَطِع تَحَمُّل شعوري باستقوَائِهِم على زوجة خالي في موضوع خلاف الإرث، وكُلُّنا نعيش في بيت واحد كبير .
الدكتور قال لي أنِّي أُعانِي من قلق كبير لا يُعرَف إن كان من عملية ذُهَانِيَّة أم عُصابِيَّة لِكَوْنِي مُحتَفِظًا ببصيرتي ٩٥ بالمئة من الوقت، رغم القلق والاكتئاب الجنوني الذي كان يقول أنَّه المهم أن أتخَلَّص منهما.
استخدمت من عام ٢٠٠٤ أدوية كثيييرة: "بروزاك، سيرترالين، ثم أنافرانيل" لِمَا يشتَبِهُون أنَّه وسواس فكري، وأنا أرفض هذا لأنه من خلال التجربة سيقول لك الأطباء أن عندك وسواس فكري "خذ أدوية وطَنِّشُه وسيذهب" وسَيُتَفِّهُون أيَّ فكر لك ولو كان أصيلًا بحُجَّة أنَّه وسواس. هذا حدث معي ووَتَّرَنِي كثيرًا جدًّا. وكذلك استخدمت "أولانزبين، أريبيبرازول، كويتيابين".
لا أعرف لي تشخيصًا فأنا أَشُكُّ فيها. الآن قبل أن تسألوني لماذا لا أعمل، أنا خارج من أمراض شَمَلَت (ولا زالت) وساوس تَقَلُّب مزاج وقلق شديد، ما يُشَّكُّ أنه ضلالات رغم امتلاكي للبصيرة خلالها، يعني جرَّبت جميع أبعاد الأمراض النفسية عدا الهلاوس. أشُكُّ الآن أنِّي نرجسي أو مجنون أو نحو ذلك لأنِّي خلال العقد والسَّبَع سنين الماضية قرأت كثيرًا في الفلسفة بأنواعها العربية والغربية، وكذلك الفيزياء المُتَقَدِّمَة والرياضيات والهندسة والرياضيات، وحتَّى الطِّب. أنا مُتَقَدِّم عقليًّا بس غير ظاهر، وهذا يُؤلمِنُيِ كثيرًا مع تاريخ الأمراض النفسية.
آخُذُ الآن "كلوبيكسول أو فلونكسول" حقنة ٤٠ مليجرام شهريًّا، و"أسيتالوبرام" ٢٠ مليجرام يوميًّا. ولا أعرف لي تشخِيصًا.
آسف الرسالة طالت دون أن أَتَمَكَّن من التَّحَكُّم.
سأكتب مرة أخرى عن أبعاد أخرى. وشكرًا.
9/5/2021
رد المستشار
شكراً على استشارتك الموقع.
هذه الاستشارة تشبه إلى حد ما بعض الاستشارات التي تصل الموقع وتطلب الإجابة أو الحصول على تشخيص دقيق لاضطراب نفساني مزمن. الحقيقة هي أنه في الممارسة المهنية هناك مرحلة ما في رحلة المريض ينتهي عندها أمر وأهمية التشخيص، وبكون التركيز فقط على وضع خطة علاج تستهدف وصول المراجع إلـى مرحلة شفاء. الشفاء في الطب النفساني غير الشفاء في الفروع الطبية الأخرى ويعني تأهيل المريض للعيش معتمداً على نفسه والقبول بنقاط الضعف في شخصيته وأدائه. استشارتك تقع ضمن هذا المفهوم التأهيلي النفساني.
ما يمكن للموقع استنتاجه من قراءة محتوى الاستشارة هو:
١- وجود أعراض موجبة وهي الوهام، من وهام العظمة ووهام الاضطهاد. هناك تاريخ سابق لأفكار وسواسية وربما سلوكيات قهرية.
٢- وجود أعراض سالبة فأداؤك في واقع الحياة دون أداء أقرانك مهنياً واجتماعياً.
٣- وجود أعراض معرفية حيث فقدت قابليتك على التعليم وتطوير ذاتك. وشغلت نفسك بمطالعات لا تستفيد منها في واقع الحياة
٤- وجود أعراض وجدانية تشير إليها بأن مصدرها الاكتئاب.
٥- سلوكيات تتميز بتأزمك مع من حولك.
٦- البصيرة: رغم أنك تشير إلى درجة عالية من البصيرة ولكن الدليل على ذلك في الاستشارة غير موجود وتمت إزاحته بوهام العظمة.
أما المسار الطولاني لاضطرابك فهو مزمن، وما يميل إليه الطب النفساني اليوم هو تعريف ذلك باضطراب ذهاني مزمن غير معرف كلياً أو اضطراب الوهام المزمن. وفي جميع الأحوال مسار اضطرابك أقرب إلى الفصام. ووجود تاريخ سابق لاضطراب الوسواس القهري لا يحصنك ممن الإصابة بالفصام.
نصيحة الموقع:
١- المراجعة المنتظمة مع طبيب نفساني واحد واستعمال العلاج الذي يستهدف الأعراض أعلاه.
٢- تأهيل نفسك عمليا وتعليميا واجتماعياً.
٣- الدخول في علاج نفساني مع معالج نفساني غير طبيبك ليساعدك في عملية التأهيل.
وفقك الله.
ويتبع>>>>: وسواس زمان لا ينفي الذهان الآن! م