علا وساوس دينية ومقاطع ترفيهية
هل عندي اكتئاب؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لِأَصْدُقَكُم القَوْل أنا أُحِبُّ الاطِّلاع والمعرفة، أحب الحياة والانغماس بها، أحب العمل والدراسة والإنجاز. يُشعِرُني كل هذا بأنَّنِي على قَيْدِ الحياة وأنَّنِي أَتَنَفَّس، لكن عندما بدأت الالتزام وجدت كثيرًا من الشيوخ يُحَرِّمُون ما يُمَثِّل الحياة بالنسبة لي، وهو العمل والانخراط فى الحياة، ويقولون أنَّ دوري هو البقاء فى المنزل لِخِدمة زوجي وتربية الأولاد، والخِياطَة، أو دراسة العلوم الشرعية إذا استطعت.
ولكن أنا لا أحب الأطفال، ولا أَوَدُّ الإنجاب. أنا حسَّاسة للغاية، ولا أدري إن كُنتُ سأَصْلُح للزواج. وأنا أيضًا مُصابَة بالوسواس القهري في أمور الدِّين، والقراءة في العلوم الشرعية تُحَفِّز الوساوس وتُدخِلُني في دَوَّامات وحَرَج شديد. ولست أُحِبُّ الخياطة ولا الجلوس ساكنة، لأنَّ هذا يَجعَلُنِي أَنْشَغِلُ بالوساوس، ويُشعِرُنِي بالفراغ، أشعر بالارتباك وبالخوف إن أَحْسَست بِعَدَم الرِّضا أن يكون هذا اعترَاضًا على أحكام الله فأكون كافرة والعياذ بالله.
منذ ذلك الوقت وأنا التزمت بمكاني، ولا رَغْبَة لي بفعل شيء. أشعر أنَّنِي جَمَاد، مُجَرَّد شيء.
أشعر بالعُزُوف عن الحياة وعدم الرغبة فيها. فما فائدة العَيْش لِمِثْلِي على أيِّ حال؟
11/6/2021
رد المستشار
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
عالم الأفكار هو من أَخطَر العَوَالِم التي يعيشها الإنسان، وتلك الأفكار تنقسم إلى أقسام:
إمَّا أن تكون قَطعِيَّة لا خِلَاف فيها، أو ظَنِّيَّة يُمكِن أن يختلف الناس والعلماء حولها.
وإمَّا أن تكون عامة لكل الناس، باعتبارها القاعدة، وإمَّا أن تكون خاصَّة ببعض الناس دون بعض. فالزواج كَنِظام عام هو قاعدة أساسية، لكن هل يَحِقُّ لبعض الناس أن يرفضوا فكرة الزواج لأسباب شخصية؟ نعم يَحِقُّ لهم، بل أحيانًا قد يَحرُم على بعض الناس أن يتزَوَّجُوا، فالزواج من حيث المجتمع واجب ديني واجتماعي، ومن حيث كل فرد من الأفراد يفكر ويَدرُس حالته ويُقرِّر ما هو القرار الأنسب له.
وكذلك عمل المرأة وبقاؤها في بيتها وتربيتها للأولاد هذا هو القاعدة العامة، يعني إن كنا نفكر في وضع المجتمع وترتيبه، فالإسلام لم يُكَلِّف المرأة التَّعَب والعمل، لأنَّه كَلَّفَها تربية الأولاد فلا يَجمَعُ عليها عملين، لكن إن أرادت أن تعمل، فهذا يكون حسب وضعها:
إمَّا أن تكون متزوجة، وهذه لها حالات:
1_ إن كان عَمَلُها يجعلها تُقَصِّر في أداء واجباتها الأساسية، فهذه لا يجوز لها العمل.
2_ وإن كانت تقدر على الجمع بين مسئولياتها في بيتها وبين العمل ، فعَمَلُها مباح.
وإمَّا أن تكون غير متزوجة، فلَهَا العمل متى شاءت، لكن بالضوابط الشرعية، وهي نوعان:
1_ ضوابط تتعَلَّق بِذَات العمل، وهي أن يكون عمَلًا مُباحًا لا عَمَلًا حرامًا.
2_ وضوابط تتعَلَّق بالمرأة، من الالتزام باللِّباس الشَّرْْعِي والآداب العامة.
فإن توافَر ذلك، فلها أن تعمل كيف شاءت ما دامت تُقِيمُ حدود الله وشعائِره.
أمَّا طَلَبُ العلم، فهو نوعان:
الأول: ما تَصِحُّ به عبادة الإنسان من كيفية الصلاة والوضوء والصيام وما يحتاج إليه.
الثاني: العلم العام المُتَخَصِّص، فهذا لا يجب على الإنسان أن يتعلمه، ويكفيه أن يسأل أهل العلم إذا جهل شيئًا.
واعلمي أنَّ أمور الدين فيها أمور عامة يجب على المسلم أنْ يعرفها، وغالب المسلمين يعرفونها. وهناك أمور تخَصُّصِيَّة لا تجب على كل الناس. حتى الصحابة _رضوان الله عليهم_ لم يكونوا كلهم علماء، لكنهم كانوا مؤمنين صالحين.
عِيشِي مسلمة عادية تقوم بواجباتها تجاه رَبِّها، لا تُكَلِّفي نفسك فوق طاقتها، وإذا لم تعرفي شيئًا اسألي عنه. فليس عليك أن تعملي بالخياطة، ولا أن تفعلي أكثر مما أَوجَبَهُ الله عليك من الصلوات الخمس والصيام والزكاة إن كان عندك مال، وحج إن استطعت، مع الأخلاق الفاضلة. وعيشي حياتك عادية جدًّا، وستكونين مؤمنة مُوَحِّدَة بالله لا ينقُصُكِ شيء، وقد وعد النبي _صلى الله عليه وسلم_ أنَّ: "من مات لا يُشرِك بالله، دخل الجنة".
ولابد أن تعرفي أن الإسلام دين سهل يسير، لكنه درجات حسب اجتهاد كل إنسان، ويكفي ما ورد عن طلحة بن عبيد الله _رضي الله عنهما_ قال: جاء رجل إلى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من أهل نجد، ثائِرَ الرأس، نسمع دَوِيَّ صوته، ولا نَفْقَهُ ما يقول، حتى دَنَا من رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، فإذا هو يسأل عن الإسلام؟ فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: "هل عليَّ غيرهن؟" قال: "لا، إلَّا أن تَطَّوَّع"، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "وصيام رمضان" فقال: "هل عليَّ غيره؟" قال: "لا، إلَّا أن تطوع"، قال: وذكر له رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ الزكاة، فقال: "هل عليَّ غيرها؟ قال: "لا، [ص:223] إلا أن تطوع"، قال: فأدْبَر الرجل، وهو يقول: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه"، فقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_: "أَفلَح إن صَدَق، أو دخل الجنة إن صدق". أخرجه البخاري ومُسلِم.
إذا عَرِفت ذلك، فلا مجال للوساوس في حياتي، فعَيِشي حياتك ما دُمْتِ لا تَعْصِين الله في شيء، وفكِّري كيف تُخَطِّطين أنت لحياتك كيف شئت.
وَفَّقكِ الله لِمَرْضاتِه.