قلبي وأبي وربي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أنا صاحبة استشارة: قلبي وأبى وربى: دفاتر عشقنا وتعاستنا، لقد أثلج صدري وأراح قلبي وأنار عقلي كثيرا ردك الحنون المتفهم يا دكتور أحمد ولا أعرف كيف أشكرك عليه سوى بالدعاء لك بكل خير وأن يجعل الله عملك وفكرك ومجهودك في ميزان حسناتك إن شاء الله وأن يهديك الله إلى ما يحبه ويرضاه،
وأتابع إليك اليوم ليس لأنه حدث جديد في الموضوع.. فالحال كما هو عليه لكن لأعرض عليك بعض أفكاري وتساؤلاتي وأفكار من حولي سواء من هم في مثل سني أو ظروفي ومن هم أكبر مني وأكثر خبرة وواقعية بالأحرى، بداية سأعرض عليك ما يقال لي من أشخاص أكبر مني سنا وبعضهم يحرص كثيرا على مصلحتي وأنا أعتبرهم من دعاة الواقعية الجدد يقولون لي: أن أترك هذا الشاب وارتباطي به وراء ظهري ولا أرهن نفسي معه لسنوات قد تطول أو تقصر..
وأني بلغة السوق ومقتضيات العرض والطلب الآن في أزهى أوقاتي استعدادا للزواج فأنا فتاة على قدر من الجمال تخرجت من كلية عملية وأعمل ومن أسرة طيبة وجيدة اجتماعيا وثقافيا وماديا وفي بداية العشرينات، وبالتالي فأنا تحت الطلب كما يقولون ويتقدم لي من هم أفضل ماديا واجتماعيا من هذا الشاب لذا فمن الغباء (من وجهة نظرهم) أن أرفض هؤلاء وأظل أنتظر فتاي الموعود ثم يتخلى عني لا قدر الله أو تحول الظروف دون إكمال الارتباط بعد مرور السنوات فتقل أسهمي في السوق ويتراجع الطلب علي..
وبالتالي في ظل صعوبة الزواج أنضم إلى صفوف مائلات البخت لقلة عقلي يقولون يا أستاذي أن المنطق والواقع يقتضى أن أختار إنسانا مناسبا اجتماعيا وجاهز ماديا وأتزوجه.. والحب سيأتي بعد الزواج أو لا يأتي ويأتي بدلا منه طفل جميل ينسيني كل شيء حتى زوجي! والحياة تمضى في كل الأحوال وعلى كل الأوجه المهم الآن أن أتزوج شخصا مناسبا إلى حد المعقول و كفى.....فالزواج الآن أصبح فرصة ثمينة إذا ضاعت فربما لن تأتي مجددا، وكم من فتاة جميلة ومثقفة ومتدينة وذات مستوى تعليمي ومادي عالي.. و تجلس بكل هذه المقومات إلى جوار أهلها يتحسرون عليها.
كما يؤكدون لي أيضا أن الشاب سهل جدا أن يترك الفتاة إذا وجد من هي أفضل منها بينما تظل الفتاة ترفض الواحد تلو الآخر من أجل من يقل عنهم كلهم وهذا طبعا هو الغباء والبلاهة بعينها... وأنه قادر في أي وقت أن يعتذر عن مشروع الزواج ويتركني وحيدة ضائعة.
فما رأيك في واقعيتهم؟ وأنا أخاف إن فكرت جزئيا بهذا المنطق أن أظلم هذا الفتى الطيب وأظلم نفسي معه وأرى نفسي بهذا التفكير إني فتاة انتهازية أستحق عقاب ربي رغم أني حتى لو اخترت التخلي عنه فلن أتزوج إلا بصاحب خلق ودين وهذا هو الأساس ولكن فقط ظروفه الآن تسمح بزواج بلا معاناة أو مشكلات أو انتظار طويل... لا أقصد صاحب مال وفير أو مكانة متميزة ولكنه فقط يرضيني ويرضي أهلي وقادر على إعالة أسرة، وعندما أضبط نفسي متلبسة بهذا التفكير الواقعي أتهم نفسي بأني لا أحب هذا الشاب حبا حقيقيا ولا أستحق إخلاصه لي وخصوصا بعد ما قرأته ورأيته من جهاد العاشقين كما تسميه.
ولكن يا سيدي فالأمر فعلا يحتاج إلى سنوات حتى يتحقق المراد وأنا لا تؤرقني السنوات بقدر ما يؤرقني وضعنا في هذه السنوات...... فأبي سيرفض رفضا قاطعا وحاسما وربما أيضا لن نقدر على مفاتحته ثانية في الأمر إلا بعد انقضاء سنة الجيش ثم حصول فتاي على عمل ملائم (وأعرف أن أبي لن يرضى حتى بهذا العمل وسيقول أنه غير مناسب ولا مستقر) ومعنى هذا أننا سنظل لمده تزيد عن العام خارج إطار الارتباط الرسمي ولو بالخطبة حتى.... وسأعيش أنا معذبة وينهكني التفكير وتأنيب الضمير بين شوقي إليه و التزامي معه و بين غضب ربي وتلك العلاقة التي لا مسمى لها ولا صيغة شرعية.. خصوصا أني رجوته كثيرا أن يقطع الاتصال بي ولكنه يعود ويضعف ثانية وأكتوي أنا بنار الألم والخوف من الله وذلك الوضع الذي أرفضه وأشعر بأني ورطت نفسي فيه.
ثم تأتى الخطوبة التي لن تقل عن عام وربما عامين حتى يقدر على تكاليف وأعباء الزواج بشكل معقول يحفظ لأبي كرامته ( وهذا إن وافق أبي أساسا) وأنت تعرف مضار الخطبة الطويلة، فأسألك وأسأل نفسي هل يستحق الأمر فعلا هذا العناء.؟؟؟.. أم إنني أنا التي تستسهل تخشى الكفاح ومواجهة الصعاب، عندما أفكر بتركه أو قبول عرض زواج آخر أجد نفسي غير قادرة تماما من أجله ومن أجلى..
وأخاف بشدة من الندم عليه وعلى وعد بالسعادة كان ينتظرني معه، ومازلت يا سيدي حائرة بين قلبي وأبي (رمزا عن العقل والواقع والظروف الصعبة) وربي وخشيتي من غضبه وأن أموت قبل زواجي بهذا الشاب فأكون قد أثقلت كاهلي بذنوب ارتباطي به دون إطار شرعي.
هذا هو حالي وحال معظم صديقاتي (الأغبياء) في نظر دعاة الواقعية.... وهذا هو التمزق والحيرة التي فرضها علينا واقعنا الصعب ومقتضيات سوق الزواج الذي أصابه الكساد.
الحالة الاقتصادية المتهالكة لشباب الأسر الطيبة ذوي الأخلاق والدين والطموح الذين جعلت منهم رجالا للعرض فقط وليس للزواج. فأفدنا برأيك يا دكتور أحمد..و ضع لنا حلا وسطا بين الرومانسية بلا فائدة والواقعية شديدة الجفاف. وشكرا
25/2/2005
رد المستشار
أهلا بك مرة أخرى تتابعين معنا، جزاك الله خيرا على الثناء والمديح بكل المقاييس يصح كلام القائلين أنك الآن في ذروة الطلب كونك في أفضل ظروف تؤهلك لزيجة مناسبة من ناحية التكافؤ والعريس الأفضل ظروفا. ومنطق اختيار شاب مناسب ثم الحب سيأتي بعض الزواج، والأمومة قد تنسيك كل شيء، هذا المنطق قد يصح من البعض، والسؤال هو هل أنت من هذا البعض؟!! والحسم يا عزيزتي وحدك تمتلكينه وتختارين.
فليست كل النساء تتملكها الرغبة الجامحة في الأمومة إلى القدر الذي ينسيها ما عدا ذلك، وليست كل النساء قادرات على نسيان الحب الأول مقابل الاستقرار، مع الزوج "المناسب"، وصعوبة الاختيار في الزواج لدينا تكمن في أنه أصعب قرار تقريبا "ويتخذه الإنسان في مرحلة لم يستعد لها بالنضج الكافي، ولذلك ينصت كثيرا لما يقال ممن حوله لأنه ضعيف الخبرة ليس بالحياة ودروسها وتجاربها فقط، ولكن بنفسه ذاتها، واحتياجاتها وقدراتها وأولوياتها، وتلك من الخسائر الجانبية – الفادحة – لقلة نضجنا وإنضاجنا لأنفسنا وأولادنا، وتلك قصة أخرى.
وما تسمعين عن قلة فرص الزواج هو صحيح ولا يحتاج إلى نقاش أو تدليل، وانتظارك لهذا الشاب فعلا هو سباحة ضد التيار، ومعركة تختارين أن تخوضيها، أو لا، وحدك تقررين.
والحياة يا آنستي ممكن أن نراها سلسلة من المواقف أو المعارك يقف فيها الإنسان في الموضع الذي يريده لنفسه، وأنت حين تقفين هذا الموقف، موقف الانتظار لهذا الشاب ينبغي أن تتذكري أنك تقفين هنا من أجل نفسك واحترامك لها إذا كنت تعتبرين هذه معركة ستصمدين فيها حتى النهاية تدافعين عن قيم الحب والوفاء بغض النظر عن النتائج، وأنت إذا نظرت للأمر هكذا فلن يضيرك أن يتخلى عنك هذا الشاب بعد حين، ففوزك وانتصارك لا يمكن في أن يرد على جميلك بالمثل، ولكنه يكمن في صمودك ومواصلتك- إذا قررت هذا – في وجه الأقاويل والأعاصير والأمواج، وطبعا لا يوجد ضمان يؤكد ألا يتغير موقف هذا الشاب أو أن مقامرتك بالانتظار سوف تنتهي بالزواج منه.
أنت وحدك تقررين: هل هذه معركة –في رأيك– وهل ستخوضينها بالتالي مهما كانت النتائج؟!! وأنت تقررين: هل ستنتصرين للقيم التي ترينها تستحق التضحية، وهل ستصرين علي الصمود بغض النظر عن موقف الطرف الآخر الذي يمكن –من ناحية الاحتمالات– أن يتغير؟! أو تأتي الرياح بما لم تشتهين؟!! أم أنك ستشعرين بالخذلان والانكسار إذا تغير يوما قبل أو حتى بعد زواجكما ؟!! وهل ستشعرين بالألم إذا وجدت منه جحودا أو قلة أو انعدام تقدير لما تقومين به من تضحيات بالانتظار؟!!
إننا قبل أن نخوض معركة من أجل القيم أو من أجل المشاعر أو من أجل آخرين أو فيها غيرنا ينبغي أن نحسم أننا نخوضها أولا وأساسا لأنفسنا، ولأننا نريد ذلك، ولأننا نحب أن يكون هذا هو موقعنا وموقفنا أمام الله قبل الناس، وليكن بعد ذلك ما يكون، أو نحسم من البداية أننا لن نخوض هذه المعركة، وأن لنا معاركا أخرى يمكن أن ننتصر فيها للحق بطرق أخرى وفي ميادين أخرى أو أننا لسنا من هواة المعارك، ونبحث عن حياة هادئة، وفي كل خير كما يقول الرسول صلي الله عليه وسلم في حديثه الدقيق: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير"، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه.
إذا كانت الصورة هكذا قد اتضحت أمامك فعليك أن تختاري، ولن يضيرك إذا اخترت الانتظار أن تموتي قبل الزواج من فتاك، ولن يضيرك ألا تتزوجيه فستكوني منتصرة على كل حال كما شرحت لك.
وإذا قررت الانتظار والانتصار لهذه القيم فيمكنك أن تنتظري عاما واحدا حتى ينتهي فتاك من الخدمة العسكرية ثم تفاتحي أمك بهدوء وبصراحة بأنك متمسكة بهذا الشاب ولن تتزوجي سواه طال الزمان أو قصر، وأن أهلك حين يفهمون ذلك إنما يوفرون على أنفسهم وعليك عناءا طويلا، وكمدا وصرا عات لن تنتهي إلى شيء مفيد، لكن هذا يا آنستي يمكن أن ينجح فقط إذا كان فتاك لا ينقصه سوى الجانب المالي أما أن يكون معيوبا في أسرته وفي أخلاقه... الخ، فإن ذلك سيصعب من مهمتك، ولا أذكر رسالتك الأصلية –في هذه النقطة د. وائل يلح بالإجابة مما لم يتح أمامي فرصة العودة لها-، إذن إن كان كل نقص فتاك في أنه بلا وظيفة مستقرة، وإمكانياته المادية ضعيفة ليبدأ، فإن هذا تدبيره ممكن بتقليل طلباتكم، وبالتعاون... الخ.
إذن لست مضطرة حينذاك لكل هذا الانتظار لأن المواجهة حتمية –طبقا لتصورك– والأفضل أن تذهبي إليها في الوقت المناسب، وأراه بعد انتهاء الجيش، والإمساك بوظيفة معقولة، وحتى يحدث هذا فإن الاتصال الهاتفي المتباعد أو الرسائل الإليكترونية المتناثرة تبدو أدوات كافية لتأكيد البقاء على العهد دون التورط فيما يؤذي مشاعرك الدينية أو نظرتك لذاتك أو فتاك.
أقاوم نفسي حتى لا أستطرد ردا على كلماتك وتلميحاتك حول صعوبة الزواج، والواقع الصعب، والحالة الاقتصادية للشباب، والكبار أيضا في الحقيقة –ليس فقط لأن هذه قصص يطول الحديث فيها، وقد تناولنا جوانبا منها، ولكن أيضا لأن الحلول الفردية ستظل قاصرة، وعلينا أن نخوض معارك عامة وجماعية لإقرار أوضاع أكثر عدلا وإنسانية، وفي مناخ الفساد والاستبداد والفوضى تنقرض الفرص وتنعدم الاختيارات التي يمكن إدراجها تحت تصنيف الحلول الوسط!!!