وسواس كفر الآخرين وحكم الستر عليهم وهل أكفر إن سترت عليهم ولم أرفع أمرهم لولي الأمر؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أرجو أن يُجَاب عن سؤالي ونشره فقط في حال كان هنالك من لديه معرفة شرعية كافية للرد عليه، لأني لم أجد ما سأطرحه هنا في أي مكان على النت، ولا أريد أن يقرأه الموسوسون إن لم يُجَاب عنه بشكل واف ليس فقط من الناحية الطبية بل الشرعية.
الوسواس الذي لدي يتعلق بموضوع كفر الآخرين، فأنا منذ سنوات أحاول أن أبقي سجلا ذهنيا بالمواقف التي قد تكون كفرا أو هي فعلا كفر التي رأيتها ممن حولي. هذا لا يعني أني أكفرهم بالضرورة، لأني مدرك وجود شروط للتكفير وانتفاء موانع مثل الجهل بما يعذر به الجهل أو التأويل. أحاول أن أنصح دائما وهنالك من يتعظ ولله الحمد ولكن هنالك من لا يقبل أي نصيحة دينية مني أنا تحديدا؛ نظرا لصغر سني أو لأني لست سلطة دينية يتحاكم إليها من وجهة نظرهم.
بعضهم قد يصل فيه الغضب عند النصح بالسب والإساءة أو أن يقوم بردة فعل قد تكون أسوأ حتى من خطأه الأصلي. فأصبحت لا أنصح كثيرا منهم، وأفكر ولا أدري ما حكم هذه الفكرة شرعا بأنه على الأقل لن تقام الحجة عليهم، وقد يعذرون بجهل أو تأويل إن لم أنصحهم وأيضا سأتلافى صدور ردة الفعل السيئة. قطع العلاقة معهم غير ممكن بسبب صلة القرابة.
البعض الآخر قد يتعرض أو يناقش ويرى أني أبالغ وأنا لا أستبعد أن يكون عندي في بعض الحالات مبالغات. لأني أفضل تجنب أي نبرة مزاح أو سياق فكاهي عند الحديث في أي موضوع ديني، حتى لو لم يكن مسيئا للدين بحد ذاته أو كانت الإساءة فيه لأشخاص من دين أو طائفة أخرى. لتبيين هذه الفكرة، مثلا قد يستخدم على سبيل التندر "وأنت الصادق الأمين؟" للطعن في مصداقية الشخص، فأنا ردة فعلي هي أن هذا لقب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يُرَدّ بأنه لقب، وليس المقصود النبي.
مثال آخر هو عندما أرى الاستهزاء من الشيعة عبر قول "يا حسين" بصورة ساخرة وبما أنه دعاء لغير الله هل يدخل بكفر من يقول كلمة الكفر متعمدا، حتى لو كان لا يقصدها؟ أو التكلم عن كيف أن "المهدي" في السرداب وجميع النكات التي تقال في هذا الموضوع. قد يقصد من يقول مثل هذا أنه يستهزأ بالشيعة، وليس بالحسين أو المهدي ولكني لا أرتاح لهذا الكلام، وأرى فيه تقليل من مكانة الحسين والمهدي.
هذه الأنواع بالمجمل تتكون من ناس عدا هذه الأخطاء يبدو عليهم الصلاح من صلاة، بل حتى تطوع مثل القيام وحب للدين ولكن للأسف في هذا العصر انتشر استسهال الكلام في أمور الدين بشكل خطير. حتى الآن هذا الوسواس ليس جديداً، فقد رأيت موسوسين آخرين يسألون عن مسائل مشابهة في كفر غيرهم من عدمه. وأعلم أنه نابع من خوف الموسوس على محيطه، ويتغذى للأسف بوقائع متكررة بسبب التساهل في الكلام في الدين.
الجديد في الأمر هو أنه جاءت فكرة لم أجدها في أي مكان آخر، وهي هل أكفر أنا في حال لم أرفع أمرهم لولي الأمر إن لم يتوبوا أو على الأقل أعلم بتوبتهم؟ فحتى الموسوسون الذين رأيتهم يسألون في هذا الأمر لم يسألوا عن هذا، وعندما بحثت بشكل عام لم أجد إلا شخصا سأل إن كان أقرباء المرتد يؤثمون إن لم يرفعوا أمره لولي الأمر، ولم يذكر السائل ولا المفتون عند إجابته احتمالية كفره.
هذه الفكرة أرهقني جدا. فهي بدأت، بتذكر اثنين قالا نكتة أساؤوا فيها، وكذبوا على النبي صلى الله عليه، وسلم أيام الدراسة، عندما بلغت على أحدهما عند إدارة المدرسة وقتها لم يحدث شيء. بعدها بفترة قال صديقه شل الله ألسنتهما النكتة نفسها بإيعاز منه. أنا نادم على أني لم أفعل شيئاً وقتها، فالبرغم من عدم فائدة البلاغ السابق عند إدارة المدرسة كان المفروض أن يكون لي رد فعل أقوى وارفع أمرهم لولاة الأمر وقتها. أنا قابلت الأول بعد سنوات، وكان ما زال يبدوا عليه الفساد، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنه لم يتب من جرمه السابق. أما الآخر فلا أعلم عنه شيء ولا حتى اسمه، ولا أريد أن أرى أيا منهما على كل حال.
فالوسواس الذي جاءني هو أنه يجب أن أبلغ عليهم وإلا أكفر. طبعا جاء بعدها للبال الموانع العملية، مثل أن الموقف حصل قبل سنوات، فهل ستؤخذ شهادتي فيه أصلا؟ وإن أخذت، فإن كان أيا منهما باقياً على كفره يستطيع بكل سهولة أن يحلف أن هذا لم يحدث ووقتها قد ينقلب الموضوع ضدي. بالنسبة للشهود واحد منهم بقيت على تواصل معه، وانتقل إلى العيش في دولة أخرى.
تطور الموضوع بعدها لتذكر أحداث أخرى، فمثلا تذكرت شخصا أعرفه كنت سائحا في دولة أخرى قبل سنوات وسب الله مرات عديدة وكنت دائما عندما يقوم بذلك أوبخه وأضربه. فإن بلغت عليه فنفس الأسئلة، الحدث حصل قبل سنوات، وفي دولة أخرى أيضا، ولا أستطيع إحضار شهود، فيستطيع بكل بساطة أن يحلف أنه لم يفعل هذا. المبشر في موضوع هذا الشخص هو أني سألت عنه، ووصلني أنه أصبح ملتزما ولله الحمد، وهذا يبشر أنه قد تاب مما قال سابقا بإذن الله.
فبعد كل هذا، قمت بالتواصل مع عالم، وكانت الفكرة هي أن أسأله في سطر واحد بشكل موجز بدون تبرير وتفسير الأحداث: ما حكم الستر وعدم إبلاغ ولي الأمر عن ممن وقع في الردة، ولم أعلم توبته، وهل أكفر إن كان يجب رفع أمرهم لولي الأمر أم لا؟ وسألت بهذه الطريقة لأنه كانت تأتيني وسوسة بأني لو ذكرت التفاصيل، فأنا أحاول أن أؤثر في المفتي لكي يعطيني الإجابة التي تناسبني.
وأنا أنتظر الإجابة مررت بأيام صعبة، أتتني أفكار هل لو كانت الإجابة نعم الستر عليهم كفر، فهل سأستطيع أن أبلغ عليهم؟ لتأتي الإجابة بلا، بل سأبحث عن شخص يقول إنه ليس كفرا؛ مما يعني أني أريد الدين على هواي وأني حتى لو لم يكن كفرا يجب أن أقوم به لأثبت أني لم أكن سأكفر لو كان الحكم أن عدم التبليغ كفر. وأن هذا أيضا على سبيل الاحتياط لكي لا يكون هنالك أي احتمالية بكفري لأني بلغت عليهم. تطورت بعدها لتخيل احتمالات مثل كيف أني سأعيش كافرا، وماذا سأفعل بينما أنتظر حتى أموت وأدخل النار لأني لن أستطيع رفع بلاغ عليهم، بالرغم من إيماني بوجود الله وبأن الإسلام هو الحق.
أتتني أيضا أفكار قذرة بتمني لو كنت في دولة لا تطبق شرع الله، مما يعني أني أرى أن الشرع البشري أو عدم تطبيق شرع الله هو أفضل. بالأخص أني سابقا كان لدي خلل عقيدي، وتم الستر علي، وتبت منه ولله الحمد، فأشعر بندم مسبق أن بلغت على أناس وأنا لا أدري إن كانوا تابوا أم لا. وتطور بعدها للتفكير لمحاولة تشكيكي بحد الردة وغيره من الحدود.
تارة أخرى أفكر بكيف سأبلغ بالرغم من الفتنة التي أتوقع أنها ستحدث وما قد يترتب عليها من ضرر للعديد من الناس، بالأخص أنه تأتي أفكار بأن هذه الموانع العملية والتخوف من الفتنة والضرر هي كلها أعذار وأنه الانتصار لله ورسوله أهم من الضرر الذي قد يلحق بي، ومن حياتي كلها، وإني أستطيع أن أحاول التواصل عبر الرسائل الإلكترونية واستدراج هؤلاء للاعتراف بأن هذه الأحداث التي حصلت قبل سنوات حصلت بالفعل عبر سؤالهم عنها. أو أني سأنتظر سنوات حتى يصبح الأمر مستحيلا من ناحية عملية ثم أتوب ولكن لا فائدة لأني لن أخدع الله وتوبتي لن تكون صادقة بسبب هذا الفكر.
حاولت القياس بالإنكار باليد ثم اللسان ثم القلب، ولكن بما أن الإنسان يأثم إن أنكر بالقلب فقط، وهو يستطيع فعل أكثر من ذلك، تحولت الفكرة إلى أنه بما أن الفعل ليس فقط منكرا، بل كفر فأنا بإنكاره بالقلب فقط وعدم رفع أمرهم لولي الأمر أكفر بذلك ويكون علي إثم، لأن هذا رضا بالكفر، بل ومساعدة عليه بتركهم هكذا بدل فعل كل ما أستطيعه.
جاء رد المفتي بعد كل هذه الأفكار بأنه في حال كان هنالك والي شرعي أو ترتب على الستر على من لم أعلم توبته زواجه ممن لا تحل له، فإنه لا يجوز. ولكن في حال لم أبلغ عليهم لا أكفر. طمأنني هذا الجواب، ولكن الأفكار تغيرت الآن على نحو خبيث جدا، فأصبحت أنه يجب أن أسأل بالتفاصيل، وأسأل أكثر من شخص، فقد كان هنالك مسائل دينية لم آخذ بأول رأي فقهي مر علي فيها، بل بحثت وبدا لي الصواب رأيا مختلفا، وإني أريد هذه الفتاوى فقط لأحاول أن أخادع الله بها، وأتجنب التبليغ عليهم.
ففعلا أرسلت لعدة مواقع، اثنان منها رد بأنهم لا يردون على مثل هذه الأسئلة والباقي لم يجب حتى الآن. ومع هذا بدأت تأتي أفكار بأني لم أرسل تفاصيل كافية لأني لم أذكر الفكرة التي جاءتني بأن عدم البلاغ هو رضا بالكفر، بل معاونة عليه. طبعا هنا توقفت، لأنه من السذاجة الاعتقاد بأن كلهم سيغيب عنهم هذا إن صح أساسا. وبدأت أفكر هل سأستمر بالسؤال حتى يقول لي شخص أنه كفر مثلا؟ وماذا لو قال واحد أنه كفر وخمسة قالوا إنه ليس كفرا؟ فأنا الآن أنتظر إجابات من لم يرد على افتراض أنهم سيردون أساسا.
وبعدها فكرت بالتبعات الخطيرة إن كان كفرا، فهل يجب علي أن أبلغ على كل حساب فيه عقائد مخرجة من الملة مثل الأبراج والطاقة أو ينكر حد من الحدود أو السنة النبوية أو سب الدين على الإنترنت إن كان من دولة تطبق عقوبة على المرتدين أو أكفر؟ أو يجب أن أضيق عليه بإبلاغ الموقع على تعليقه أملا بأن يحذفه الموقع، حتى لو لم يتعارض مع سياسة الموقع؟ أو كل شخص يمزح في أمور الدين كما هو منتشر في الحياة اليومية؟ أو يقوم بتصريح يناقض الولاء والبراء مثل إبداء حبه أو دعمه بالكلمة للكيان المحتل؟ أو يقول مصطلح مثل "يلعن دينك" الذي كان منتشرا جدا أيام الدراسة؟ وهل إذا شهد أحد شيئا من هذا، وقلت له أن يشهد معي وأبي، يكفر هو؟ وهل أساسا سيتم أخذ أي من هذه البلاغات بجدية إن لم تنقلب ضدي؟ هل لو لم أفعل أيا من هذا أكفر بالرغم من كرهي لجميع هذه الأفعال وإنكاري لها؟
سامحوني على الإطالة، وأعلم أني أثقلت عليكم بكل هذه التفاصيل والمسائل،
ولكن أتمنى أن يكون جوابكم بعون الله وفضله شاملا وشافيا من كلتا الناحيتين، الطبية والشرعية.
18/1/2025
رد المستشار
الابن المتصفح الفاضل "عبد العزيز" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك وإن شاء الله متابعتك خدمة الاستشارات بالموقع.
استشارتك هذه تصف كأروع ما يكون الوصف أعراض الوسواس القهري التعمقي حيث التعمق في الأسئلة الفقهية وكثرة السؤال أي طلب الفتوى في حكم أشياءٍ مسكوت عنها، أو نادرًا ما يخطر السؤال عن كونها حلالاً أو حرام؟ وكذا كثرة السؤال والاستفتاء عن حكم الأمور الخلافية، وفرط التفاعل مع الاختلافات وعواقب اتباع رأي غير صحيح، واقرأ ما كتبت (طمأنني هذا الجواب، ولكن الأفكار تغيرت الآن على نحو خبيث جدا، فأصبحت أنه يجب أن أسأل بالتفاصيل، وأسأل أكثر من شخص، فقد كان هنالك مسائل دينية لم آخذ بأول رأي فقهي مر علي فيها، بل بحثت وبدا لي الصواب رأيا مختلفا)، وأيضًا السؤال عن قضايا فقهية مبنية على الشاذ أو غير المعتاد من الأمور.
اتخاذك دور المدافع عن الدين وسط أهل هذا الدين وبمبالغة وتطرف أدخلك في صدام حتى مع الأقارب (بعضهم قد يصل فيه الغضب عند النصح بالسب والإساءة أو أن يقوم بردة فعل قد تكون أسوأ حتى من خطأه الأصلي. فأصبحت لا أنصح كثيرا منهم).... ولا يفوتني أن أقول لك أن الأمثلة التي ذكرت مستفزة وتنفر الآخرين بدلا من أن تحببهم في الدين.
فيك كذلك مع الأسف بعض من التنطع وليس فقط التعمق، فبعد طويل وسوسة واجترارات فكرية وبحث واستفتاء بخصوص تكفير الآخرين! واقرأ ما كتبت (الجديد في الأمر هو أنه جاءت فكرة لم أجدها في أي مكان آخر، وهي هل أكفر أنا في حال لم أرفع أمرهم لولي الأمر إن لم يتوبوا أو على الأقل أعلم بتوبتهم؟) فكرة لم تجدها في مكان آخر وكم أنت سعيد بأن لديك فكرة جديدة لم تجدها في مكان آخر! فإذا الفكرة إفراط في تحميل نفسك مسؤولية المخبر الشرعي! -على غرار مخبر الشرطة- وهي كما ترى وظيفة جديدة!
واضح كذلك أن اقتناعك بصحة ما تريد فعله أو على الأحرى بوجوبه يصل ربما إلى حد كونها فكرة وهامية أو لعل اقتناعك يتذبب فأنت مثلا تحتفظ -والحمد لله- ببعض التعقل إذ تقول (فالوسواس الذي جاءني هو أنه يجب أن أبلغ عليهم وإلا أكفر. طبعا جاء بعدها للبال الموانع العملية، مثل أن الموقف حصل قبل سنوات، فهل ستؤخذ شهادتي فيه أصلا؟) منتبه أنت إلى سخافة الأمر اجتماعيا فلم لا تتوقع سخافته فقهيا كذلك؟ على الأقل في العصر الذي تعيش فيه يا "عبد العزيز" ثم لما أراحتك الفتوى (في حال لم أبلغ عليهم لا أكفر) لم تلبث أن استبدت بك الشكوك وبدأ وسواس الاستفتاء القهري، وكلما جائتك فتوى بيسرٍ أبيت واتهمت نفسك (وإني أريد هذه الفتاوى فقط لأحاول أن أخادع الله بها) هكذا بالضبط هو المتعمق.... أو مريض وسواس الذنب التعمق القهري الذي قد لا يكون اضطرابا وإنما جزءًا من شخصية قسرية.
اعلم هداك الله أن كل فتوى تقرؤها بخصوص الإبلاغ عمن كفر لا علاقة لك بها، بل أنت معفو عنك من واجب تنبيه المخطئ أنه أخطأ من الناحية الدينية لست مكلفا بذلك فاسترح من فضلك، وسبب أنك غير مكلف هو حالتك المرضية الواضحة وذات الأثر الاجتماعي السيء والمنفر.... يعني لست مطالبا باكتشاف الكفر ولا خطر عليك من قبوله المطلوب منك فقط أن تتجاهله سواء في كلام أو أفعال الآخرين أو حتى في كلامك أنت، ونفس الكلام ينطبق على المواقع وخلافه.
أما من الناحية الطبية فإن حالتك بالتأكيد مرضية، ولكننا لا نستطيع الجزم بتشخيص قاطع عبر التواصل النصي غير المتزامن، وحل المشكلات الطبية إنما يكون بالتواصل مع الطبيب وليس الاكتفاء بسؤال المواقع الإليكترونية، فقد تحتاج إلى علاج سلوكي معرفي و/أو علاج عقاري.
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعنا بالتطورات.