الكتابة عن حادثة الدالوة مثل تفريغ الدمامل من قيحها، مؤلمة ومقرفة، لكن لابد من التطرق لها، لا لشجبها واستنكارها فقط، بل لمحاولة تعرية المجرمين الحقيقيين، وليس الإرهابيين الذين قاموا بذلك الفعل، ولم يستطيعوا أن يرهبونا في ظل الأمن الذي توصل إليهم خلال ساعات معدودة، إضافة إلى عقلهم المدبر الذي لم يستطع أن يكون أكثر ذكاء من جرذ منزلي تحبل له الحبالات ولا يقع.
يبدو أن هناك من لا يفرق بين الأمن والمرور، وما بين ثرثرة بعض الخطباء على منابر المساجد والمحطات الفضائية، سواء أكانوا شيعة أم سنة، وتأليب بعضهم على بعض، وبين الدولة وسيادتها وأمنها، وظن جاهلاً مع تلك الحادثة البشعة، أنه ربما كون الحكومة سنية ستتراخى وتتهاون في القبض على القتلة، ولاسيما أن الضحايا من الشيعة. تبدو بعض الظنون مضحكة، فهي مغرقة في طائفية بغيضة وبليدة لا تستطيع أن تفرق بين الدولة والحارَة وفتواتها.
الحادثة النكراء التي استهدفت مدنيين في قرية الدالوة، في محافظة الأحساء أسهمت من دون أن تدري، في رسم خطوط حمراء جديدة، أمام المذهبجي والطائفجي، فالمذهبجي في ظل هذه الظروف يحمل دمغة «خائن الوطن» بامتياز، لا عذر له حتى لو استحضر ببراعة محتال، كل التاريخ الذي يعرفه، واستنهض مؤرخيه من قبورهم، وتبعه القطيع وأسمعوا ثغاءهم الدول المجاورة.
لقد أصبحت المعادلة واضحة وسهلة الحل، ولم يعد فيها مجهول (سين) و(صاد). من يؤلب أبناء الوطن بعضهم على بعض هو أكبر الخونة، ولم يعد «سين» مشكوكاً في أمره فنقدم الحسن في نواياه، باختصار هو يتبع استراتيجية رُسمت له من حيث يدري أو لا يدري، لتقويض الوطن وتمزيقه؛ وليس لأن مذهبه أو طائفته أصح وأجل.
رجال الأمن البررة بقسمهم وما قدموه من تضحية في سبيل الوطن وأمنه، أثناء تأديتهم مهمتهم في القبض على المجرمين، لم يكن دمهم هدراً على أرضهم، ولن تحقن دماء زملائهم من حماة الوطن ما لم يتقدم المحرض في العقوبة على الفاعل، فدماؤنا -سنة وشيعة- ودماء حماة الأمن ليست رهناً في أيدي المحرضين، يدلقونها من فنجان إلى آخر وكأنها قهوة ساخنة! قبل أن تُلجم ألسنتهم الخبيثة فوق المنابر وفي القنوات الفضائية وقاعات الدرس، يجب أن يعوا أن اللجم هذه المرة لن يكون بتعميم، أو بدعوة، أو بإنذار؛ لأن من يؤلب ويقسم أبناء الوطن إلى طوائف وتصنيفات، هو الخائن الذي لا يستحق الإنذار، فالوطن خطوط حمراء لا يقبل الأعذار من كائن من كان.
مازالت في عدد من المساجد خطبة الجمعة ليس كما تأمل وزارة الشئون الإسلامية، فهناك بعض من الخطباء لا يزال يدندن على الحادثة، ويستغلها في عرض فساد الطائفة المعادية، وهم بخبث كمن يذر الملح على الجراح، إن من يسترجع الأحداث التاريخية التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل نحن المواطنين السعوديين اليوم، ويبحث عن المبررات للقتلة، أو عن انتقام سريع للضحايا لا يستحق أن يكون مواطناً، فما بالنا لو كان مواطناً على منبر ديني أو إعلامي؟؟ حرية الرأي يفترض أن تكون مكفولة للجميع. ولكن عندما تتعدى حرية الرأي إلى تحريض وعلى عينك يا وطن ويا مواطن، فما عسانا أن نقول؟! هل نقول إنهم سجناء رأي منبري؟ أم سجناء؛ لأنهم خانوا الوطن بتحريضهم وزرعهم الفتنة بين أبنائه؟
واقرأ أيضا:
على باب الله: أقول لهم نصرٌ.. فيقولون شيعة/ كلمة حق تقال عن الشيعة في القطيف/ السنة والشيعة ومفهوم الأمة الواحدة/ بين المهدي وباسم يوسف ومجانين