هل تعرف هذا الشعور يا صديقي؟ هل لديك أنت أيضاً متحف شخصي للأخطاء؟ ذلك المكان السري في ذاكرتك حيث تحتفظ بكل ما تتمنى لو أنك لم تفعله، أو قلته، أو حتى فكرت فيه؟ صدقني، نحن جميعاً نملك هذا المتحف، وليس في ذلك مشكلة، لكن المشكلة هي أننا نزوره أكثر مما يجب، ونقضي فيه وقتاً أطول مما ينبغي، بل وأحياناً نصبح حراساً له بدلاً من أن نكون مجرد زوار عابرين!
المدهش أن متحف الأخطاء هذا يبدو أكثر تنظيماً وترتيباً من متحف النجاحات، فنحن نتذكر تفاصيل دقيقة عن كل خطأ ارتكبناه، نتذكر التاريخ والوقت والمكان والأشخاص الذين كانوا موجودين، نتذكر ما قلناه بالضبط وكيف كان رد فعل الآخرين، بل إننا نتذكر أحيانا لون الملابس التي كنا نرتديها لحظة ارتكابنا لذلك الخطأ، لكن حينما يتعلق الأمر بنجاحاتنا وإنجازاتنا، تصبح الذاكرة ضبابية، والتفاصيل مشوشة، والمشاعر باهتة!
لماذا نفعل هذا بأنفسنا؟ لماذا نصبح أمناء متاحف متخصصين في حفظ وتوثيق كل ما يؤذينا، بينما نهمل أرشيف ما يسعدنا؟ الجواب قد يكمن في طبيعة العقل البشري الذي صُمم للبقاء وليس للسعادة، فعقولنا مبرمجة لتتذكر التهديدات والأخطار أكثر من لحظات الأمان والراحة، لأن تذكر الخطأ قد ينقذ حياتنا في المستقبل، أما تذكر النجاح فهو مجرد «رفاهية» لا تحتاجها غريزة البقاء!
المشكلة تبدأ حين نتحول من «تذكر الخطأ للتعلم منه» إلى «العيش في الخطأ والاجترار المستمر له»، فنصبح سجناء في متحف أخطائنا، نتجول بين أروقته كل يوم، ونعيد قراءة اللوحات نفسها، ونستمع للتسجيلات المؤلمة نفسها، وكأننا نعاقب أنفسنا بالإعادة المستمرة لما لا يمكن تغييره!
كم منا يعيد تشغيل الأخطاء نفسها في رأسه قبل النوم؟ كم منا يحفظ تفاصيل أحرجته أكثر من تذكره لأرقام هواتف أصدقائه؟ يبدو أننا أصبحنا خبراء في تعذيب أنفسنا، نكرر المشاهد المؤلمة نفسها وكأننا نشاهد فيلماً حزيناً للمرة الألف، ونتساءل لماذا نشعر بالإرهاق والحزن رغم أننا «لم نفعل شيئاً خاطئاً اليوم»!
الحقيقة أن هناك فرقاً كبيراً بين «متحف الأخطاء التعليمي» و«متحف الأخطاء التعذيبي»، فالأول نزوره عند الحاجة، ونأخذ منه الدرس المطلوب ثم نخرج ونكمل حياتنا، أما الآخر فنعيش فيه، نأكل وننام ونحلم بين جدرانه، ونرفض أن نغادره حتى لو فُتحت لنا كل أبواب الخروج!
دعني أخبرك بسر صغير، كل إنسان ناجح تعرفه لديه متحف أخطاء ضخم، لكن الفرق أنه يزوره بحكمة، يأخذ منه ما يحتاجه، ثم يقفل الباب ويذهب لبناء متحف جديد، متحف للتجارب والمحاولات والإنجازات، حتى لو كانت صغيرة.
أن تعترف بخطئك شجاعة، وأن تتعلم منه حكمة، وأن تتجاوزه قوة، لكن أن تعيش فيه فهذا ظلم لنفسك ولكل الإمكانات الجميلة التي تحملها، وربما قد حان الوقت لنضع لافتةً على باب متحف الأخطاء تقول:
«مفتوح للزيارات التعليمية فقط، لكن الإقامة الدائمة.. ممنوعة تماما!».
واقرأ أيضًا:
طقوس الهروب اليومية! / ألف ميل.. و10 آلاف خطوة!