إغلاق
 

Bookmark and Share

الاسم:   صامتة إلى الأبد .. 
السن:  
20-25
الجنس:   C?E? 
الديانة: مسلم 
البلد:   السعودية 
عنوان المشكلة: متى تصنعين الحياة؟: أقوى من الاكتئاب 
تصنيف المشكلة: اضطرابات وجدانية: اكتئاب Major Depression 
تاريخ النشر: 29/09/2004 
 
تفاصيل المشكلة


تعقيب على مقالة قيمة العقل في الإسلام

سيدي.. سيدي.. لا أعرف ما أقول.. منقذي.. ملاك من السماء.. إجابتي التي أبحث عنها طيلة 25 عاما مضت مظلمة من عمري الحزين..
قبل أن توغل في الاندهاش أخبرك أنني إحدى قارئات مقالتك الأخيرة عن قيمة العقل في الإسلام.. ثم كيف أصف لك شعوري ولا أعرف.. من طيلة بكائي المرير بعد قراءتي إلى أن استعدت توازني وقررت أن أكتب لك وأنا أغالب دموعي وأكتم نحيبي.. لذلك أستمسحك العذر في تفكك أفكاري لأن بداخلي صوت يصرخ.. لا يسرد..

من بداية استكشافي للدنيا حولي شعرت أن شيئًا ما يقظًا برأسي.. عرفت فيما بعد أنه العقل.. كان يسألني عن كل شيء.. يحاول أن يفهم.. يستفسر.. يحلل يتأمل.. كانت لديه الرغبة العاطشة جدا لمعرفة كل شيء لكن؟؟ ما إن سألت كلمة (ليه، إزاي) على أشياء تافهة جدا مثل لماذا لا نذهب إلى ذلك المكان لم لا ألبس هذا اللون وألبس هذا؟؟

كانت الإجابة ذات الصوت عالي جدا ترج ذلك المتسائل في رأسي رجًا وهي تقول: قلة أدب.. ما فيش حاجة اسمها ليه.. اللي أنا أقوله كدا وبس..، وكنت في كل مرة أبتلع استفهاماتي الكثيرة وأكتم عقلي الثائر وأصمت.. في المدرسة أيضًا كنت ألقى ذات التقريع من معلماتي؟ فالسؤال هو طول لسان وشيء لم يعتادوه من فتيات طغى عليهن البله.. وصار موقفي وكأنني صحوة عقل.. أو فتاة تفهم أكثر من عمرها.. مع أني لم أكن قد فهمت أي شيء بعد.. وصاروا يفعلون المستحيل حتى يبعدوني عن كل زميلة تصادقني متذرعين بأنني أدفعهم للتمرد على المدرسة.. فالسؤال في حد ذاته جريمة.. وكنت أشعر بالظلم والكبت.. ولكن هذا الشعور قد يكون تراجع مع الأيام عندما علمت أن هذه هي سياسة الدنيا الكبيرة وليست مدرستي وعائلتي فقط..

أمي وأبي لا أريد أن أخبرك إلى أي درجة علمية واجتماعية قد وصلا حتى لا أصيبك بالدوار والإحباط وأنا أحكي لك عن تفكيرهما.. فقد أحضروا لي (شيخًا) ليقرأ علي وأنا في العاشرة من عمري والجريمة أن لي عقل.. وجاء الرجل.. وضحكت بسخرية وطفولة، وقررت اختراق التجربة أجلسني وقال لي أغمضي عينك وأمسك رأسي وبدأ يقرأ ثم قال لي.. ماذا تشاهدين وأنت مغمضة عينيك فقلت له ببراءة (إبرة وخيط أزرق) قال لي: امسكيهم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ فتحت عيني وسألته: "أتخيل أن إيدي بتمسكهم جوا عقلي ولا أعمل نفسي بمسك الهوا في الحقيقة؟؟؟"

كنت أتوقع أن سؤالي طبيعي وأنه سيجاوبني ولكني فوجئت به يصرخ ويقول: "امسكيه وخلاص.." وصدمت أكثر بوالدي الذي يتهمني بقلة الأدب والفلسفة الفارغة وتضييع وقت الشيخ.. فكدت أن أبكي ولكني صمت تماما.. عدت لإغماض عيني وعاد لسؤالي: ماذا تشاهدين؟ رددت بحنق: "تعابين.." صعق الرجل وأنا كدت أن أنقلب من الضحك ولكني تماسكت وقلت بمسكنة.. "دي حاجة وحشة يا عمو؟"
وهو: "تعابين.. أنتي متأكدة ؟؟"
وأنا أقول له: "أيوا تعابين كتير.."

ذهب الرجل بعدما أسر لأبي أن يسقيني من ماء مخصص وأن يذوب لي أوراقًا في الماء وأن حالتي (خطيرة جدًا).. ويبدو أنه فهم درجة خطورتي أني (أفكر بعقلي) فلم يأت مرة أخرى.. كانت هذه الحالة المأساوية تتكرر بعد كل نقاش بيني وبين أهلي أو شكوى من إحدى المدرسات الذين كانوا جميعًا بدون استثناء "بيتغاظوا مني" ولا أعرف السبب إلى اليوم بالرغم من سذاجتي منقطعة النظير.. بل وغبائي أيضًا....

وهناك الكثير من المواقف المخزية التي لو تركت نفسي لشرحها لن يكفيني يوم كامل... فهناك الشيخ الذي أيقظوني من "أحلاها نومة" لأدخل له بالقوة ولما صرخت وبكيت قرأ لهم في "جردل ماء" وأوصاهم أن يسكبوه كاملا فوق رأسي من خلفي دون أن أشعر وكنت في الرابعة عشر من عمري.. وبكيت يومها بكاءً مريرًا وتمنيت الموت..

والآخر الذي أوقفني مغمضة العينين وهو يصرخ لو سحر تنقلب للأمام لو حسد تنقلب للخلف.. وأنا أرتعد من التوتر والخوف من لهجته الفظيعة وأتخيل لو انقلبت ماذا سيكون مظهري وهل سترفع ملابسي أو يتهشم أنفي.. ولكن الصوت الهادىء برأسي كان يقول لي.. اطمأني أنا معك.. ولم أنقلب......وفي النهاية..... قال أني مسحورة ومحسودة ووخزني في إصبعي بإبرة مخرجًا الدم الذي (خد الشر وراح).

ولازلت أذكر كلماتهم الغريبة: "شوف الدم لونه إيه، سبحان الله".... ههههههههههههههههههههه اعذرني يا سيدي على ضحكي وأنا أتخيل الجن وقد سال مع نقطة دم صغيرة خرجت من إصبع تجمد من الرعب .. بالفعل ما أصدق المثل القائل: ( همٌّ يضحك وهمٌّ يبكي).. وهذه المهازل لم تنته وإن كانت تتباعد فتراتها فقد كان آخرها من بضعة أشهر والقادم أشد.. ورفضي لهذه الأشياء معناه (إني فعلا ملبوسة) و(بكره القرآن).. ويا قلبي لا تحزن..

عارف حضرتك ما هو أصدق بيت شعر قيل على الإطلاق.. البيت الذي يبكيني.. قول المتنبي:
"ذو العقل يشقى في الحياة بعقله وأخو الجهالةِ بالجهالةِ ينعمُ... "صدق والله..

أحيانا كنت أبكي إلى الله وأنا أقول يا رب خذ عقلي.. يا رب لماذا لم تخلقني مجنونة أو تافهة لم أكن لأتعذب هذا العذاب.. ذهبت إلى طبيب توسلت إليه وكدت أن أقبل يديه وأنا أرجوه أن يعمل لي عملية ينزع فيها مخي أو حتى جلسة كهربائية قوية جدا تفقدني الذاكرة.. لكنه ردني بهدوء وهو يقول: "عقلك أجمل حاجة فيكي.. أنتي لو كان في زيك بس عشرة في الدنيا كان.." .... أسكته بثورة وبكاء هستيري وأنا أقول له: "عاجبك خده وارحمني.."

آه.. أكاد مع كل نوبة بكاء أن أغلق الرسالة وأعود لصمتي المطبق ولكني أجبر نفسي حتى يصل صوتي إليك.. حتى تقول لي أنا معك نعم هناك شيء اسمه عقل وليس كل شيء هنا (مهلبية)..

مرت الأعوام على هذا الحال.. أسأل أعترض فأتهم.. وكنت في الرابعة عشرة عندما نظرت لي معلمتي باحتقار وقالت لي (بلاش فلسفة بس) وكانت المرة الأولى التي أسمع فيها عن الفلسفة.. وأخذت أبحث وأدرس وأقرأ الكتب.. وحضرت مذكرة أطلقت عليها اسم كتاب من حوالي الخمسين صفحة كتبتها بيدي وأسميتها (الفلسفة في قفص الاتهام) لأعلمها أن الفلسفة ليست سبة بل هي التفكير واستعمال العقل للوصول للحقيقة.. "لكن على مين.." وأي أناس أخاطبهم بهذا؟؟؟

لقد حاكمتني إدارة المدرسة بتهمة (بث الأفكار الإلحادية بين الطالبات) وأعطوني إنذار طرد وصودرت مذكرتي التي بكيت عليها دمًا.. وتلقيت الويلات السوداء في البيت وصارت أوراقي تفتش ومذكراتي ومكالماتي مع صديقاتي حتى كرهت كل شيء وانطويت على نفسي ولم أعد أتكلم وبقيت أنام طيلة النهار وأصحو طوال الليل وأصطحب مذكراتي معي المدرسة حتى لا تفتش ولكن..بعد أن اكتشفت -وبكل مرارة- أن حتى حقيبتي في المدرسة يتم تفتيشها.. أحرقت كل شيء ولم يبقَ لي إلا البكاء.

وانتهت أيام المدرسة بكل تفاصيلها الدامية التي تكتمل في المنزل.. وشغلتني تساؤلاتي عن كل الدنيا.. وكنت أتلقى من الهدم والإحباط كل يوم ما كان يسد كل شيء في وجهي.. قد صدق شاعر المنفى حين قال:
وكل ذنبي أنني آمنتُ بالشعرِ
وما آمنتُ بالشعير..
في زمن الحمير.

كان العام التالي لتخرجي هو أتعس عام في حياتي فقد رفضت أمي سفري للجامعة (حيث أننا مغتربون منذ أكثر من 20 عامًا) ولم يكن هناك أي مجال للمناقشة أو معرفة الأسباب سوى أنه (مجتمع منفتح سيء وأنني إن رغبت بالسفر فذلك لرغبتي الكامنة في التمرد والفساد)..

وهنا يا سيدي أوضح لك أن بالرغم من انغلاق المجتمع حولنا إلا أنه يوجد كثير من العقول المتفتحة والتي لا تقاد بعمى وبدون تفكير وراء العادات التي ليست من الدين في شيء..قد تجد عائلات منفتحة جدا في مجتمع مغلق جدا.. أو عائلات مغلقة جدا في مجتمع مفتوح..

إذ أن الانغلاق يكون (في العقول) قبل أن يكون في سياسات المجتمعات، وأن (الانفتاح العقلي والمعرفي) يجب أن يتوفر كسلاح لكل طفل مقبل على غابة الوحوش، واعذرني على استخدام هذا التعبير لأن هذا ما شعرت به وأنا أخرج بتفكير طفلة الخامسة _وأنا في الثانية والعشرين من عمري _ لأول مرة من بيت أبي وكانت النتيجة أن أخذت من الصدمات ما أقعدني كعجوز محطمة في الخامسة والعشرين معقدة من رأسها إلى قدميها لا تأمل إلا في الموت.

كنت أحاورها بالعقل.. أن كل بلد فيها الخير والشر.. وأن مدينتنا هذه مليئة بالفساد ولكننا منعزلون.. هناك أيضًا أناس مثلنا منعزلون عن الشر ومنغمسون في الخير.. ولو كان أمر الدين بالبلاد لأمر النبي صلى الله عليه وسلم صحابته أن يجتمعوا في بيت واحد ولما كان فرقهم للدعوة في الأمصار ورب ساكنٍ في (بانكوك) مسلم صالح يدخله الله الجنة، وساكن في (مكة) جبار عاص يرديه عمله في أسفل سافلين، هذا هو ما قاله العقل..

أما الواقع فهو: لا وألف لا يا.................. اتهامات يندى لها الجبين ولا تملك إزاءها إلا الانسحاب والبكاء.. ربما تسألني لم لا تستمرين في المواجهة إلى النهاية لم تصمتين وتنسحبين خانقة أدمعك؟ لكني أجيبك أنهم فوقي وأعظم جبروتًا مني ويتحكمون حتى في الهواء الذي أتنفسه.. ولم أتعلم يومًا أو أعرف ماذا أفعل وكل تصرفاتي هي محاولات لإيجاد إجابة للاستفهامات التي تدور في عقلي عن( كل شيء) حولي..

كل شيء هذا هو جدران بيت وتسلط أم وأب.. وإخوة صغار لا أعرف عنهم أي شيء.. وكانت مدرسة متشددة شعارها (نحن معكم ضد أبنائكم).. فقط.. هذا هو المجتمع الذي نشأت فيه أكثر من 20 عاما فماذا تتوقع عن معلوماتي في الحياة أو خبراتي؟ إنني أستحق لطمة كبيرة على وجهي لهذا الغباء الذي كنت فيه..
(فاصل من البكاء)

جاءت لي ذلك اليوم تحمل لي خبرًا غلفته بقليل من الحزم وكثير من الخبث.. لقد خطبك (فلان قريبك) من والدك ونحن وافقنا؟؟؟ ويمكنك إن تزوجته أن تسافري للجامعة (كان وقتها يعيش في وطننا الأصلي)..

أخذتني دوامة فظيعة في الدنيا.. هل هذا هو الثمن؟؟ ومع من؟؟ مع رجل؟؟.. رجل؟؟؟ أنا؟؟؟ هل تكون هذه هي نهايتي.. هل كتب علي الموت وأنا في السابعة عشرة من عمري التعس.. كان هذا ما يدور في عقلي.. عقل ابنة الخامسة التي تعلمت أن كل شيء غلط وعيب وحرام والتي كانت تسكت عقلها عن كل تساؤل وتعيش مختنقة مرغمة لأنها لم تعرف يومًا أن هناك شيء اسمه هواء.. وتعيش في سجن لأنها لم تذق يومًا طعم الحرية.. طفلة كانت تتهم إن نظرت من النافذة أو إلى المرآة أنها خليعة وفاسدة وماكرة فلم تكن تجد أمامها أي شيء تدافع به عن نفسها منذ أول رؤية لها في الدنيا غير صرخاتها.

(أصلا أنا بكره الرجالة. والله عمري مأهتجوز) وكان يجب أن تكرههم جميعًا وأن تعبر عن كرهها بكل الأساليب حتى لا تتهم وهي بريئة بفظاعة فعلا.. الآن.. الآن يريدوني أن أتزوج؟؟ ولم؟؟ وممن؟؟ لا وألف لا والله لا أفعلها.. صرخ عقلي لأول مرة وتوسل لي أن أتمرد.. قال لي لا توافقي لالالالا..

كان رجلا يكبرني بعشر سنوات لم أكن قد شاهدته من قبل في حياتي لكني كنت أسمع من صغري أنهم يخططون لزواجي له خصوصا وأنني الحفيدة الكبرى في العائلة وأن عمتي (حجزتني له) من يوم ولادتي.. ونشأ وترعرع على هذه الفكرة.. ولما حان الوقت.. قرر أن يربطني بخطبة إلى أن يكون مستعدًا للزواج بعد أمد لا يعلمه إلا الله.. هل تكون هذه نهاية عقلي.. يتحكمون في كأي سلعة رخيصة ولا أتحرك.. كاد رأسي ينفجر.. ذهبت إليها بكل هدوء وقلت لها: آسفة.. لا أريد الزواج.. ضحكت بسخرية وهي تقول: خلاص هو مش لعب عيال.. قلت لها لن أتزوج رغمًا عني فقالت.. أنت تريدين الزواج.. هذه فقط حركات بنات.. والبنات كلهن يستحين من إبداء رأيهن و(يتمنعن وهن الراغبات).. لا أعرف كم بقيت من الوقت وأنا أحملق فيها وفمي مفتوح.. قلت لها بكل بلاهة ليس هناك ما أستحي منه وأنا أعلم يقينًا أنني لا أريده وهذا قراري الأخير..

أغلق النقاش بالاتهامات المعتادة وأنها غلطانة لفتح مثل هذا الموضوع مع قليلة الأدب مثلي ولم تنس أن تهددني إذا تلفظت لأي أحد كان بما حدث وأنه من أشد العيب والعار.. آه يا سيدي لن أكثر لك في التفاصيل الأليمة ولكني بقيت في شد وجذب وخلافات وحرق أعصاب وتدمير لمدة خمس سنوات كاملة وكنت أسافر تحت ضغط من جدتي للامتحان فقط وأعيش في ضغط رهيب وأعود.. وانتهت السنوات الجامعية ووفقني الله بالنجاح دون أي تعثر مع العلم أني كنت أقرأ الكتب لأول مرة ليلة الامتحان وهذه بالطبع معجزة من الله لأنه يعرف ظروفي..

وبعدها (بعد أحداث أليمة كثيرة) تم عقد القران.. وجلست معه لأول مرة وشعرت بنفور أشد من الأول وقضيت ليلتي الأولى باكية وشعرت بالموت، وعندما قلت لأمي (نافذتي على العالم) قالت لي أنه عادي جدا هذا وأنك عندما (تمثلي له) أنك تحبينه جدًا سيأتي الحب.. وأن الحب الحقيقي (بعد الزواج)..

سيدي.. أعرف أنك تود أن تقتلني الآن وتقول لي ما الذي دفعك لهذا وأنت في سن الرشد (21) لكني أتوسل إليك ألا تحاكمني إلا بما رأيته..

إن الله يحاسب الناس على حسب ما وصلهم من الدين فأرجوك لا تنظر إلى عمري ولكن إلى خبرتي المعدومة في الحياة وظروف معيشتي وما وصلني من الحياة..

استمعت لكلام أمي وقلت له وقلبي يبكي ويتمزق (أحبك) فازددت كرهًا له.. وكان عقلي يقول لي بحزن.. كيف.. كيف يأتي الحب بالكلام.. الحب يا حبيبتي إحساس من أول لقاء.. الحب راحة.. الحب لا أعرف كيف أصف لك شعوري لأني عرفت بالفعل بعد ذلك معنى الحب..

كانت شخصيته مثل أمي.. أفكاره مثلها.. ونسيت أن أخبرك أنهم (حذروه) من جنوني وتمردي.. حاول عقلي معه ولكنه كان في عالم (تاااااني) إلى أبعد حد.. صحا عقلي مرة أخرى وهو يقول حياة كهذه كتب عليها الفشل تمردي.. آه.. كدت أن أموت في ذلك التمرد فقد عقد قراني وصارت الحروب أشد شراسة وهو رافض تماما وأهلي معه.. ونحن في مجتمع يحتقر النساء فلا يمكنني أن أخرج بمفردي إلى المحكمة وأطالب بحقي لأنها ببساطة في شرع عائلتي (جريمة) وأنا لم أكن حتى أقوى على فعل أي شيء.. مهما أصف لك ماذا..

تزوجت بعد أكثر من عام بعد أن تيقنت أنه لا مفر.. وأن ست سنوات كاملة من المعاناة قد حطمتني إلى الموت.. وأنها ستزيد أعوامًا وأعوامًا ولم أعد أحتمل وصرت أريد الخلاص بأي شكل وتوازنت عندي كفتي الزواج أو الطلاق المهم الخلاص.. وفي ليلة زواجي شعرت أن الدنيا_ وأرجوك تأمل في الكلمة بمعناها العميق_.. شعرت أن الدنيا قد (انطفأت) تماما في عيني.. مات في كل شيء.. قلبي وجسدي وروحي.. وأنهك عقلي من البكاء فلم يعد ينطق.. لكنه لم يمت..

وبزواجي يا سيدي وأنا في الثانية والعشرين وانتقالي إلى مدينة أخرى في ذات الدولة صحي عقلي المتعب على صدمات عنيفة.. آه يا سيدي إنني أبكي بحرقة.. ما هذا.. ما الذي يحدث في الدنيا.. هل هذه هي الحياة.. الزواج الناس.. العالم.. الآن هو شعور الطفلة ذات الخمس سنوات وهي أمام قطيع من الوحوش التي لا ترحم.. ماذا أفعل وأين أذهب..

لو أخبرتك عن الأشياء التي كنت أكتشفها وتصدمني ربما قفزت إلي من الشاشة وخنقتني من غبائي وسذاجتي.. آه كم أحتقر نفسي.. إني أتعلم مبادئ معارف يعلمها الأطفال في الروضة هذه الأيام.. مثل كيف نكبر.. الناس كثيرون في الدنيا.. كيف هنا عالم مثل هناك.. كيف يوجد بشر غيرنا.. كيف أزور ناس وأرحب بناس في بيتي كيف أتكلم.. أصادق.. أذهب إلى السوق.. وكيف.. وبكل مرارة.. أتزوج؟؟؟..

وهذه النقطة التي لم تفصح عنها الفتيات إلا بعد دخول الانترنت في كل بيت لأنها بالفعل مأساة مجتمع بالكامل وليست مأساة أفراد.. ولعل أكثر ما أثار شجوني موضوع (التشنج المهبلي وتشنج العقل العربي).. وبكيت وأنا أقرأ كلماتك..(من أي أنواع النساء زوجتك؟؟ هل هي من كون آخر غير الذي نعيش فيه؟؟؟) وهأئذا يشتد بكائي وأنا أقول لك: أي كون ذلك الذي تعيش فيه أنت يا سيدي؟؟ فكلنا هذه المرأة..

وأصمت.. وأعود بالوراء إلى أسود أيام حياتي.. قبل الزواج لم أكن أجد في بيتنا غير الكتب الدينية التي تدعو إلى فضل الزواج وأحكام الخطبة وهذه الأشياء وتجرأت في إحدى سفراتي واشتريت كتاب (الزواج المثالي) من أحد المكتبات.. وقرأت حتى أصبت بالذهول.. وظننت أنني فهمت وأنني أخذت الثقافة التي تكفيني لخوض تجربة الزواج.. لم أكن أعلم أني كنت أقرأ ولكني لم أكن أتخيل.. لم أتخيل أن الأمر كما عبر كاتب الرسالة (يصل إلى هذه الدرجة) وتضاعف ألم جسدي مع ألم نفسي ونزيف قلبي..

ووجدتني بعد أسبوع من الزواج أفيق كالمصدومة.. أشعر بأشياء غريبة وأحاسيس لم تكن تنتابني من قبل.. هل أنا خائفة، حزينة، مريضة، لا أعرف، كنت أموت بذلك الإحساس.. وفي المقابل كان يهددني أن مجرد رفضي لقبلة منه حرام وشيء فظيع.. كنت في البداية أخبره عن الآلام الفظيعة التي أشعر بها ولكنه كان يستهين بي فلم أعد أتكلم وبقيت أحتمل تلك الدقائق اللعينة وأنا أخبئ وجهي في الوسادة وأبكي بكاء مريرًا مريرًا مريرًا وأدعو الله بين نحيبي يا رب خذ روحي الآن.. وأبكي.. الآن يا رب الآن..

أعرف أن سبب تلك الآلام هو رفضي النفسي له ولما يفعله وعدم استعدادي الجسدي الذي كان يرفض.. حاولت أن أصل بجسدي في درجات الموت إلى انعدام الإحساس حتى لا أتعذب أكثر وبقيت أصعد بروحي إلى الله حتى يتحمل جسدي الألم.. ماذا أقول لك يا سيدي؟؟ من المؤكد أنه قد قابلتك حالة اغتصاب من قبل؟؟ كيف تكون صدمتها.. نفسيتها.. شعورها بالموت..

لك أن تتخيل أنني كنت أعيش مشاعر المغتصبة بكل مرارتها يوميًا لمدة تقرب من عام كامل.. فكم عام يكفيني للعلاج؟؟..
لن أخبرك عن حالي الآن حتى لا أسهب أكثر فختام قصتي رسالة من عقلي تقول إنه يموت.. وآخر تشبث بالحياة وبالله حصلت به على الطلاق بعد عام لطمتني فيه الدنيا حتى أهلكتني.. وكيف أعود إلى أهلي وقد تغير عقلي.. وفهمت أشياء كثيرة.. وأعلنتها لهم.. لقد دمرتموني.. ظننتم أنكم تحافظون علي بحبسي في صندوق أسود لا يدخله الضوء وكانت النتيجة أن فتحه مرة واحدة قد أصابني بالعمى لكني فهمت الحقيقة وهي تقول: (أنه كان يوجد نور.. وأنكم حرمتموني منه طول عمري).. ما كان يضر لو استقبلت حزمة صغيرة من الضوء كل عام.. أما كنت سأعتاد على هذا الضوء فلا يؤذيني..

اكتشفت أنني فاشلة في كل شيء.. ليس لدي صداقات أو هوايات أو حتى أي أمل في حياة أخرى.. أنا ميتة.. لماذا خلقني الله لماذا لا أموت لماذا.. ولم تجد عائلتي كلاما تبرر به موقف طلاقي أمام وجهاء القوم غير أن ابنتهم (مجنونة) وأنها كانت تعالج قديما عند أطباء عقليين وأن (النوبات) عاودتها فتركت زوجها، وأصبحت عيون الشفقة واللوم تلحقني حتى فضلت أن أقبع أمام جهازي بلا كلام أو حتى طعام وأصبت بإدمان لا أريد العلاج منه فأنا أقضي على الجهاز حوالي 15-20 ساعة في اليوم.. أقرأ هنا وهنا.. أبكي وأضحك.. ألعب.. أعيش حياتي بعيدًا عن جنون البشر..

مازال صوت صديقة أمي يتردد في ذاكرتي الحزينة: "سيبتيه ليه؟ دا مهندس!" قلت لها وأنا أحاول أن أغتصب ابتسامة مجاملة: "وهو أنا ها تجوز الشهادة يا طنت؟؟" من يفهم يا سيدي؟

هل تعلم أنني يوم أن أخبرت أمي أنني لا أستطيع التفاهم معه أبدًا وأنه مختلف عني في كل شيء.. وبكيت لها وأنا أقول لها أنني معذبة.. هل تعرف ماذا قالت لي (أنا خائفة عليك من الصدمات) لقد قالت لي : إذن أنت من النوع (الشاذ) و(ما لكيش في الرجالة).. تصور؟؟ تخيل؟؟ لن أسهب في شرح حجم صدماتي تلك كلها فلقد تلقيت في عام واحد ما يكفي لهد جبال من العقول فما بالك بعقل مازال يطل برأسه للدنيا ويستكشفها..

أخبرني يا سيدي.. أليس هناك منظمات دولية لحماية العقول ولو بالقوة؟؟ وكيف تحافظ على عقلك في هذا العالم المجنون؟
إذا كان هناك من ينظر لعينيك بكل جدية ويقول لك.. أنت مريض.. أنت مجنون.. هناك مرض خطير بعقلك.. أنت لا تشعر بتصرفاتك.. هناك خلل في تركيبة مخك.. كيف لا تتأثر ويتسلل إليك الشك في عقلك وقدرتك (وكم يعذب هذا ويقتل والله) كيف لا تتأثر وهذا الكلام قد صدر من والدك (الطبيب الكبير) وتناقله كل الناس..

أخبرني.. أشعر أن عقلي بدأ ينفصل عني.. إنني أعيش ولا أعيش.. هل بالفعل أنا المجنونة.. أم أنني عاقلة في مجتمع مجنون؟؟
كم من الأطباء ذهبت إليهم أو راسلتهم وتوسلت لهم وبكيت.. ولكن أحدًا لم يفهمني.. من ينظر لي بشفقة أو باستخفاف.. أو شرود.. وغرور... وخرجت وأنا أقول: لا أمل في النجاة.. واستسلمت للموت..

وجاء اليوم.. وقرأت حديث العقل.. واستوقفتني عبارتك: (دمعت عيناي وأنا أقرأ هذا الحديث).. وتذكرت نفسي كيف أبكي بشدة عندما أقرأ شيئًا أشعر به.. نعم.. إن الله معنا.. عندما أعتقد يقينًا بفطرتي وبعقلي بشيء يخالفه الجميع ثم أجد الله سبحانه وتعالى قد قاله وأنا غافلة عنه.. كيف لا أبكي.. وقد وقفت على مشارف الجنون مرات ومرات وأنقذني الله..

إنها المرة الوحيدة التي أكتب فيها رسالة بهذا الطول.. وبهذا المعنى.. لأني وجدت في كلماتك العقل الذي سيفهمني ويفهم معاناتي.. ولن يعاملني كتافهة مجنونة لأنه يشعر بي.. سيدي.. لقد هدني البكاء.

هل عرفت الآن لم أسميت نفسي (... ميتة) ؟

2004/9/17

 
 
التعليق على المشكلة  


الأخت العزيزة أهلا وسهلا بك، وشكرا جزيلا على ثقتك وثنائك على مقالنا:
قيمة العقل في الإسلام ! ماذا جرى؟، وشكرا أصيلا على المشاعر الجياشة التي أثرتها بنا، فقصتك في الحقيقة وإن تشابهت مع قصص عربيات كثيرات، إلا أن حدوثها مع صاحبة عقل شاء الله له أن يعمل منذ سن مبكرة رغم كل المثبطات من حوله، وحدوثها لصاحبة قدرة رائعة على الوصف والتعبير بلغة عربية سليمة، كل ذلك يجعل من نص مشكلتك هذه نصا ذهبيا تزدان به استشارات مجانين، خاصة ونحن نتخذُ من تكوين الفتاة العربية التي تصلح للتمكين أحد اهتماماتنا الأولى بالرعاية في هذا الوقت من حياة الأمة،

ولعلك قرأت مقال :
سيكولوجية الفتاة العربية على مجانين ، وهو ما بدأنا محاولاتنا للفهم به، وكذلك المخيلة الجنسية لفتاة عربية: فك الرموز ومشاركة فيها والمخيلة الجنسية لفتاة عربية:كركبة! ومشاركة فيها أيضًا!، إضافة إلى سلسلة من المشكلات عن أخواتنا من المحيط إلى الخليج منها: أفش شعري فتقول أختي: ابعدي يا مجنونة!! ومتابعة صاحبتها، ومتابعتها الثانية:رهاب الرجال وأيضا أفش شعري! صامتة وراغبة في الصراخ!، حتى وصلنا مع بناتنا وأخواتنا إلى بدلا من البرد والخجل: أفش شعري ونصرخ معا  وواصلنا حتى: أفش شعري: ولنواصل الصراخ مشاركة، وبينما نصرخ بشرتنا أختنا -بهدلة– بأنها: أصبحت -منار- وتابعت معنا منار متابعة ثانية، كل ذلك شحذ منا الهمم، وجعلنا ونحن نذوق طعما آخر لمرارة آثار الظلم الذي تتعرض له بناتنا باسم الدين في عملنا اليومي مع المرضى الحقيقيين، وكذلك مع مرضى مجانين الإليكترونيين، وهن يتعرضن منذ يبدأن الاتصال بالعالم الخارجي المتمثل في الأسرة ثم المجتمع لذلك الظلم، ورأينا فداحة آثار التعامل مع كونها أنثى على أنه خطيئة وقعت لا مفر منها، بداية من طفولتها ومرورا بمراهقتها، ونادرا ما يتوقف الظلم، ونادرة من تنجو من أثره النفسي المحبط والخانق للطاقات إن لم يكن لا قدر الله مدمرا لكل شيء،

ولعلك ترين في مشكلات مثل التي تلي روابطها نقاطا من بحر الظلمات تعيش فيه كثيرات
:
نفسي في أم غيرها  أخي بكل احترام وأنا بالجزمة / الحضن المفقود : أمي تتهمني بالبرود / "أمي سبب بلائي وشقائي" / "أمي سبب بلائي وشقائي" متابعة! / المحرومة: أمية أمتنا النفسية! / المحرومة: أمية أمتنا النفسية، مشاركة / المحرومة والأم البديلة: أمية أمتنا النفسية متابعة / المحرومة ..أمية امتنا النفسية متابعة2 / لا أب ولا وطن: قلوب تنكر نبضها / أبكى وأمي وأبى لا يبالون: / قبلة ولمسة يد: ملتزمة ومخطوبة / ملتزمة ومخطوبة: التوحيد وتحطيم الأصنام مشاركة / ملتزمة ومخطوبة..متابعة المشاركة / ملتزمة ومخطوبة: تعقيبات من رحاب مختلفة / ملتزمة ومخطوبة: أحاديث الرجال والنساء (مشاركات)  / ماذا دهى الأسرة العربية؟ / من ملفات المهجر: الفتاة المتعلمة فتنة !!! / من ملفات المهجر: الفتاة المتعلمة فتنة:مشاركة / دموع الندم وتجديد الإيمان / دموع الندم وتجديد الإيمان مشاركات / غاب فتحررت وتمردت: دفاع عن الأخطاء / يوميات الزوجة العذراء: تساؤلات وهواجس وكهرباء! / (يوميات الزوجةالعذراء.... وهواجس وكهرباء)متابعة / يوميات الزوجةالعذراء.... وهواجس وكهرباء: مشاركة / كابوس الغشاء : أمية الجسد والنساء / قصة للتدريس .. في مناهج الجهل الزواجي / قصة للتدريس .. في مناهج الجهل الزواجي مشاركة / قصة للتدريس في مناهج الجهل الزواجي.. مشاركة ثانية / إحدى القوارير تشكو : تجاهل جنسي وخشونة! / إحدى القوارير تشكو : تجاهل جنسي وخشونة! مشاركة / إحدى القوارير تشكو تجاهل جنسي وخشونة: متابعة / تجاهل جنسي وخشونة.....مشاركة / بعد أربعة عشر سنة وثلاثة أبناء : أرفض زوجي / عذاب بنات حواء / على شفا الطلاق: زوجة ترفض اللعق! / على شفا الطلاق: نصيحة من مجربة / أمي تعايرني بطلاقي / طلاق البنت واختلال الأم ! / مشاعر الطلاق / لماذا المطلقة منبوذة ?!  / أرفض التأقلم وأرفض الطلاق !  / مطلقة وأريد الزواج...التدقيق أولا  / وصمة المطلقة وصعوبة الاختيار

كل هذه نماذج للظلم الواقع في كل بيتٍ وفي كلِّ وقت وفي كل حال، ومن خلال ما سبق وغيره كثيرٌ هنا على مجانين، وفي حياتنا العملية، صرت مقتنعا تمام الاقتناع ومثلي مستشارو مجانين ، بأن التكوين أهم وألزم قبل التمكين، فالعقل يقول أن تمكين غير المكونة أصلا سيكونُ كارثة، لأنك سترفع الكبت الظالم عن مظلومةٍ -بكبت إنسانيتها طوال عمرها-، لتخرجها إلى ظلمٍ أكبر يمنحها الحرية في الوقت الذي يستغلُّ فيه أنوثتها ويمتهن إنسانيتها، وقليلات من ينتبهن لهذا الفخ المنصوب لأنهن يلزمهن التكوين أولا قبل التمكين، فلذلك كان صراخنا عن ضرورة التكوين قبل التمكين، وهذا ما نحاول مع أمثالك أنت يا عقل مجانين الواعد إن شاء الله، نحاول أن نفعله لأننا اكتشفنا أو بالأحرى اقتنعنا (بصحة افتراضنا القديم) أنا وأخي ابن عبد الله، بأننا مع الأسف لا نملك كأمة حتى برامج للتكوين ! والبرامج المطروحة كلها مستوردة!

ومن بين نماذج مجانين الجاهزات للمساعدة في التكوين أعدُّ لك "حياة" التي بدأت معنا مفتقدةً لطعم الحياة، وهي الآن تصنع الحياة، وتستطيعين معرفة كثير وتعلم كثير من قصتها الرائعة وكذلك تعرفين عن المشاركة في قصتها "امرأة" والتي تبدي استعدادا رائعا للتكوين أيضًا من خلال الروابط التالية:
لأنني بنت : فقدت طعم الحياة / لأنني بنت : فقدت طعم الحياة متابعة ومشاركة / لأنني بنت : فقدت طعم الحياة متابعة2 / لأنني بنت : فقدت طعم الحياة مشاركة2 / لأنني بنت : فقدت طعم الحياة متابعة3 / لأنني بنت فقدت طعم الحياة مشاركة3 / لأنني بنت : فقدت طعم الحياة متابعة 4 / لأنني بنت فقدت طعم الحياة مشاركة3: متابعة/ لأنني بنت فقدت طعم الحياة متابعة-5 / لأنني بنت: أنا أصنع الحياة، متابعة6 في مشاركة4 / لأنني بنت أنا أصنع الحياة، مشاركة 5

وبعد الرحلة الطويلة بين هذه الروابط على مجانين، الرحلة التي أخذتك فيها هاربا من التعليق على ما فات من ماضيك مع الأسرة والمجتمع رغم أهميته، ورغم أنني قرأت رسالتك مراتٍ ومرات وشعرت أكثر من مرةٍ بمرارة المعاناة التي مررت بها، فمن أول الرسالة وحتى آخرها وأنت تجسدين صورة مجتمعاتنا التي وصفتُها مرارا بأنها: مجتمعاتٌ ضد توكيد الذات، وهي أيضًا كما تبين سطورك بجلاء واقتدار مجتمعات ضد إعمال العقل!،

ولكنني برغم ذلك كله أراك أفلحت في الخلاص من الفخ الذي كان جديرا فعلا بقتل عقلك، وهو الحياة مع زوج تعجزين عن السكن إليه، ولذلك أجدني لا أستطيع الفكاك من التعليق على قولك: (..أشعر أن عقلي بدأ ينفصل عني.. إنني أعيش ولا أعيش.. هل بالفعل أنا المجنونة..أم أنني عاقلة في مجتمع مجنون؟؟)

سلامة عقلك أنت مجنونة طبعا بمفهوم مجانين، وأما المجتمع فمريضٌ بالشلل الفكري وليس مجنونا مع الأسف. ثم أيُّ نوعٍ من الأطباء تقصدين؟ في قولك (كم من الأطباء ذهبت إليهم أو راسلتهم وتوسلت لهم وبكيت.. ولكن أحدًا لم يفهمني.. من ينظر لي بشفقة أو باستخفاف..أو شرود.. وغرور... وخرجت وأنا أقول: لا أمل في النجاة .. واستسلمت للموت..)، هل هم أطباء نفسيون؟ لا أظن!

فلابد أن من كتبت لنا هذه السطور الذهبية تحسن التعبير وتستطيع إفهام الحمار لا الطبيب النفسي الذي يفترضُ منه أن "يفهمها وهي طائرة" كما نقول في مصر، وبالتالي فإن من الصعب أن أتخيل طبيبا نفسيا يعجزُ عن فهمك أو يتهاونُ حتى في الترحيب بك وفي مساعدتك، لست أدري، وأحتاج هنا إلى توضيح، وأما أن تخرجي من عندهم قائلة: لا أمل في النجاة ... وتستسلمين للموت فهذا ما أرفضه كما يرفض المبصر فقأ عينيه!

أي استسلام للموت وأنت كنزُ طاقاتٍ في عمر الزهور؟؟؟
والله يا أختي لقد أخفتني عليك من الإنترنت ومن الساعات الطويلة التي تُقَضينها عليه، كما يظهر من قولك : (وأصبحت عيون الشفقة واللوم تلحقني حتى فضلت أن أقبع أمام جهازي بلا كلام أو حتى طعام وأصبت بإدمان لا أريد العلاج منه فأنا أقضي على الجهاز حوالي 15-20 ساعة في اليوم.. أقرأ هنا وهنا.. أبكي وأضحك.. ألعب.. أعيش حياتي بعيدًا عن جنون البشر..)،

فرغم معرفتي بأنك متابعة دائبة لمجانين، إلا أنه لا يصح أن تنفصلي عن كل شيء هكذا ومهما كان الثمن فأنت تهربين ولا عذر لقاعد ولو حتى على
مجانين، إلا بشرط أن يكونَ قادرا على الحياة في المجتمع رغم مرض المجتمع وشلله الفكري-، ويختار أن يغير من خلال مجانين وغيره، ويوائم في نفس الوقت بين التواصل مع الواقع والاتصال من خلال الإنترنت.

عليك إذن أن تتجاوزي ذلك الإدمان واقرئي:
إدمان الإنترنت .. داءٌ له دواء، وأيضا: وسقطت في شراك العنكبوت : أختي مدمنة إنترنت ؟، وأما أن تبقي على شاكلة صاحبة مشكلة وحيدةً أغزل عقدي فهل أنا محقة؟ فهذا مرفوض، وحاولي أن تشاركينا خبرتك في محاولة التخلص من هذا الإدمان.

أما انطباعي بعد ما قرأته في إفادتك ورغم كل ما سبق فهو أنك –رغم البكاء والمرارة والأسى- أقوى من الاكتئاب ما تزالين، لغتك رائعة واطلاعك واسع، وخفيفة الدم ما تزالين وأحسب أنك ستزيدين جنونا مع مجانين، فتابعي الجنون معنا، وحاولي أن تفكري في طريقة التصرف السليم لبعض النماذج التي عرضناها عليك من خلال الإحالات السابقة، فأنت أيضًا قادرة على صنع الحياة، وعلى المشاركة في إعداد برامج التكوين، ودمت سالمة لمجانين

 
   
المستشار: أ.د.وائل أبو هندي