أحيانا لا تكفي الكلمات، وتصبح المسافة بين القول والفعل هوّة سحيقة لا يملأها إلا أجساد تتحرك في قارب يخترق الصمت، وأيادٍ تلمس ماء البحر لتقول: «نحن هنا».. هذا بالضبط ما يمثله الأسطول المتجه إلى غزة، فهو ليس مجرد سفن تحمل المساعدات، بل صرخة ضمير جمعي استيقظ من سبات طويل! نحن جيل وُلد والقضية الفلسطينية في دمه، رضعناها مع حليب أمهاتنا، وحفظناها مع أناشيد المدرسة، فكبرنا ونحن نرسم خريطة فلسطين من النهر إلى البحر، ونحفظ أسماء المدن المحتلة كأنها أسماء أحبائنا، اقرأ المزيد
عالمنا المعاصر المتدفق المعلومات والتواصلات، أخذت فيه الصورة دورها وتأثيرها، وما عاد للكلمة كبير قيمة ومعنى، وتجدنا أمام حشد من الصور المتنوعة الحية والجامدة. ويبدو أن الصورة قد طغت وحجبت الكلمة وجردتها من فعاليتها وتحاورها مع الألباب. الصورة أخذت ترسم معالم السلوك وتضع اللبنات الأساسية لمنطلقات الحياة الجديدة. عالم ما قبل الصورة لا يقارن بعصر ما بعدها، فالذهنية البشرية أصيبت اقرأ المزيد
نحب أن نتصور أن كثرة الخيارات نعمة، وأننا كلما تعددت البدائل أمامنا، ازددنا حظا، وأصبحنا أكثر حرية في أن نختار ما نريد، نتباهى بأننا جيل محظوظ يملك خيارات لم يحلم بها أجدادنا، لكن الحقيقة التي تتكشف مع الزمن، وتصفعنا برفق كل يوم، أن وفرة الخيارات لا تجلب الطمأنينة، بل ترفا من نوع آخر، ترف الحيرة، ذلك الترف المرهق الذي يسرق منا نعمة الرضا! في الماضي، كان الناس يشترون ما يجدونه أمامهم، مطعم واحد في الحي يعرفون طعمه عن ظهر قلب، قناة تلفزيونية وحيدة اقرأ المزيد
أخلص في العمل: تفانى فيه حدثنا يحيى بن حيان عن الإخلاص فقال: جاء في القرآن الكريم: "فاعبدِ الله مخلصا له الدين" الزمر 2 "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين..." وورد عن النبي (ص): "أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية" "طوبى للمخلصين، أولئك مصابيح الهدى، تنجلي عنهم كل فتنة ظلماء" فالإخلاص في السلوك والتفاعل البشري من صدق الإيمان، وتمام الوعي لجوهر الدين وقيمه ورسالته السمحاء. اقرأ المزيد
الكتابة وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار والمعارف باستخدام رموز وحروف، تُسبك في كلمات وجمل لتكوين نصوص مفهومة، وهي من أهم أدوات التفاعل الإنساني عبر العصور، ولولاها لما عرفنا عن الأمم السابقة. ووظيفتها التعبير والتوثيق والتواصل، وقد تكون أدبية، علمية، إبداعية، ووظيفية. الكتابة عمل فكري شاق، يستوجب استحضار طاقات الوعي والمعرفة ومشاعل الإدراك والمنطق، والقوة على جمع الأفكار في بودقة العبارة، وجوهر المفردات، لتصنع صورة واضحة عن الموضوع المطروح اقرأ المزيد
في شوارع تونس، وبين زحام السيارات وإشارات المرور، حيث الحياة تسير بسرعة لا تسمح لها بأن تلتفت للصغار، اقترب منا طفلان يبيعان الورود، ملامحهما صغيرة بريئة، لكن عيونهما تحمل من التعب ما يجعلهما أقدم من سنهما، كأنهما عاشا أكثر مما يحتمله عمرهما القصير، مدّا إلينا بضاعتهما البسيطة، وردة هنا وأخرى هناك، في محاولة صادقة لانتزاع يوم أقل قسوة من أنياب المدينة. أخبرناهما بحرج أننا لا نملك نقوداً إلا لواحد منهما، توقعت المعتاد، المألوف، المنطقي، أن يتنافسا، أن يتسابقا، وأن يتشبث كل واحد منهما بحقه في تلك القطعة الصغيرة من الرزق، توقعت اقرأ المزيد
لم أتوقع أن أُمنح بطاقة عضوية في نادي كبار السن بهذه السرعة، إذ لم يتم إرسال أي دعوة رسمية، ولا كتيب ترحيب، ولا حتى كوبون خصم على أدوية المفاصل، كل ما احتاجه الأمر كان نقطة تفتيش عادية، وضابط مرور شاب ينظر إليّ بابتسامة بريئة ويقول: «تفضل.. عمي».. «عمي؟!» تجمّد الزمن لحظة، التفت خلفي لعلّه يقصد شخصاً آخر، شخصاً يحمل عصا أو يمشي بخطوات متثاقلة، لكن لا.. الكلمة كانت موجهة إليّ مباشرة، أصابتني نفسياً في مقتل، أو كمثل رصاصة مطاطية اقرأ المزيد
في عالم يتقن فيه الجميع ارتداء الأقنعة الاجتماعية، يقف العصبي وحيدا عاريا من كل تصنع، يرتفع صوته فجأة كرعد صيفي، تحمر وجنتاه في ثوان، وينفجر غضبه أمام الملأ دون خجل أو مواربة، فيسارع الناس لوضعه في خانة «صعب المراس» أو «سيئ الطباع»، لكن الحقيقة التي غابت عن كثيرين أن هذا العصبي الصاخب قد يكون أطيب من عشرة هادئين مجتمعين! السر يكمن في طبيعة العصبي النفسية الفريدة، فهو ببساطة لا يملك تلك الخزائن السرية في أعماق نفسه حيث يخزن الآخرون أحقادهم وضغائنهم لسنوات طويلة إنه مثل اقرأ المزيد
مرت التجربة الإنسانية في حقل العلم بمراحل تطورية تراكمت عبر التاريخ، إلى أن خرج من رحم الفلسفة العلوم الحديثة بشقيها التجريبي والإنساني واللذان في رؤيتي الشخصية لا ينفكان عن بعضهما بل هما لصيقان مثل كمنجة ووتر، لا يمكنك العزف بأحدهما دون الآخر. بعد ظهور التقسيمات التخصصية العلمية الناتج عن تراكم المعرفة وتعقيدات العلوم التي تتنامى بسرعة خيل راكض في مدينة مزدحمة، وثب جمع من الحاصلين على شهادة أكاديمية تحمل بكالوريوس الطب اقرأ المزيد
نحن البشر كائنات عجيبة، نحتاج إلى نهايات واضحة كحاجتنا إلى بدايات جميلة، بل ربما أكثر، فالنهايات ليست مجرد تفصيل ثانوي نلقيه على هامش الحياة، بل هي الشرط النفسي الضروري الذي يسمح لنا أن نقلب الصفحة بسلام، وأن نضع النقطة الأخيرة في آخر السطر، ونمضي إلى سطر جديد، دون أن نظل معلقين بحبال الماضي كأوراق خريف تأبى السقوط من شجرة ميتة! ورغم أهمية النهايات، لكن الحياة لا تمنحنا دائماً ترف وجودها، فكثير من العلاقات لا تنتهي كما ينبغي لها أن تنتهي، فتجدها تنتهي فجأة كحبل مشدود انقطع من المنتصف، اقرأ المزيد







